لم يكن آمين السياسات معروفاً بالنزاهة قط. بل على العكس، كان ملك اللف والدوران، لا يستطيع الإجابة على أي سؤال بجملة مباشرة. كان كلامه دائماً مليئاً بالتورية والمجاز والاستعارات الركيكة، حتى يكاد المستمع أن يضيع في متاهة كلماته. كان يُقال عنه أنه يحاول أن يُقنعك بأن الليل نهار، وأن الأسود أبيض، . كان هذا الأسلوب هو سلاحه في تبرير أي فعل مشبوه أو موقف متناقض. كانت اللوثة بادية عليه بشكل واضح. تلعثم مستمر، عرق غزير يتصبب منه حتى في عز الشتاء، وكان يدور في راندوك الأزقة كالمجنون بخنخنة وتهتهه، يردد جملاً مبهمة عن "الرؤى المستقبلية" و"التحديات الراهنة" و"ضرورة التكيف مع المتغيرات"، دون أن يقول شيئاً محدداً. كان كمن يحفظ خطباً رنانة فارغة من أي معنى حقيقي. قجته المبعثرة ولحيته الطويلة كانتا بمثابة ستار يُخفي خلفه فراغاً فكرياً وفساداً أخلاقياً كما علجوم كليلة ودمنة. الحاج، المعروف بحنكته وفطنته، قرر أن يتدخل. أمسك بآمين السياسات وأجلسه على كرسي، وأخرج ميكروفوناً ضخماً. بدأ الحاج يتلو عليه رُقية لإخراج شيطان الفساد الذي تلبسه. كان يقرأ بصوت عالٍ: "اللهم أخرج منه فساد المال العام، وفساد المنصب، وفساد الضمير، وأخرج منه داء اللف والدوران". وكان يذكره بأمثال شعبية سودانية، مثل "ابو القدح "، في إشارة إلى أن الفاسدين لا يتورعون عن خيانة أقرب الناس إليهم ويعرفون خباياهم. كان آمين السياسات يتلوى ويهذي بكلام غريب، يخلط بين الجنسية "الفلنقاى" الألمانية، وأيام عمله كحارس في السجل المدني، حيث كان يفحص هويات الداخلين بدقة شديدة، قبل أن يصبح مراسلاً، ثم فجأة "خبيراً استراتيجياً" ورمزاً للسياسات العليا. كان يتذكر كيف كان يتهرب من الإجابة على أي سؤال مباشر، وكيف كان يحول أي نقاش إلى جدل عقيم لا طائل منه. هذه الذكريات كشفت عن أصل مشكلته: عدم القدرة على المواجهة والصدق. فجأة، ضرب الحاج الميكروفون بالأرض وهو يصيح: "لا فائدة! لقد ذهب العقل وغاب الضمير! لم يعد لهذه الرقية محل سوى مجموعة من الضوضاء! بل إن هذه الرقية قد تُفسدُ الرُقية نفسها لكثرة ما فيه من لف ودوران!" لقد أدرك الحاج أن المشكلة ليست مجرد فساد، بل هي مرض مزمن في طريقة التفكير والتعبير. ذهب الحاج وهو يتمتم: "أنا اعتذر، أنا أتوب، أنا استغفر"، في إشارة إلى أنه قد بذل جهده ولم يعد بإمكانه فعل المزيد. لم يفعل كما فعل "العراب" الذي ذهب بلا اعتذار ثم عاد من البرزخ ليعتذر، بل ترك الأمر للناس ليحكموا عليه. ترك الحاج الرُقية وكسر ميكروفونه، وأصبح فعله محموداً بين الناس. لقد برأ ذمته وقدم "شهادته التاريخية" في شكل رُقية فاشلة، لكنها كشفت للجميع خطل ولوثة ونكبة تيار القتل والتشريد والاغتصاب والسرقة والتحلل بمسمياته ويافطاته بالاسم الصريح او الدلع كما قال شيخ استلام المال المسروق من باب هذا أُهدى لنا من باب السمين والضعيف !!!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة