التغيير ؛ هذه المفردة ، المرغوبة تارة ، و المرهوبة غالباً عند من يركنون للمعتاد و المألوف من العادات والتقاليد والأعراف ، هو أول شعار يرفعه السياسي عند خوضه معاركه السياسية ، و قليل منهم من ينجح في تحقيقه و إنجازه ، اليوم أحاول في هذه المقالة أن أغوص في غوره ، و أحدد شيئا من ملامحه ، لكي يسهل على السالك التعرف عليه ، وسط الأشياء . مقومات التغيير في الدول : - المقوم الأول : توفر الإرادة السياسية :- فعند وصول الأزمات المختلفة في الدولة لحدودها القصوى ، تدرك الكيانات السياسية التي تمسك بزمام بالأمور ، أن ساعة التغيير قد جاء ، فتغير من المسار السابق الذي أفضى إلى نشوب الأزمات إلى مسار جديد مختلف ، تريد من خلاله ، تجنب أسباب الأزمات السابقة . المقوم الثاني: توفر الرؤية للمستقبل :- و تحدد من خلاله الكيانات السياسية الممسكة بزمام الأمور في الدولة ، الإستراتيجيات و الخطط والبرامج التنموية والخدمية المناسبة لكل مجال من مجالات الحياة العامة ، و تشمل كل من الخطط القصيرة الأمد و أختها طويلة الأمد . المقوم الثالث : توفر الموارد البشرية و المادية :- وهو قاسم مشترك في كل عمليات التغيير المختلفة في جميع دول العالم ، يأتي الاختلاف في نوعية الكادر من حيث التأهيل والتدريب بالنسبة للموارد البشرية ، و نوعية و قيمة المورد الطبيعي في السوق و التجارة أو الصناعة العالمية . في بداية الألفية الثالثة ، كتب الدكتور التجاني عبد القادر ، مقالا بعنوان ( المثقفون المصلحون ) ، نزل في صحيفة ( الصحافة ) ، تكلم فيه عند دور المثقف العضوي في أي تغيير .. هذا المقال ، من الناحية الفكرية ، يعتبر من افضل ما صاغه العقل السوداني في هذه الجزئية من الموضوعات حتى الآن ، و رفع أسهم الدكتور إلي أعلي المستويات كواحد من أصحاب الفكر المتقدمين ، ما دعاني اليوم لكتابة هذا المقال ، هو رد فعل لموقف مشابه ، مر بي في العاصمة الجنوب سودانية جوبا في بداية هذا العام ، فقد إستقبل الشعب الجنوب سوداني العام الجديد ، بموجات فرح هستيرية ، لم يحدث طوال السنوات الماضية ، بالرغم من أن الوضع الإقتصادي العام في أسوأ حالاته ؛ فأصابني شيء من الذهول ؟! و دخلت في متاهة من الحيرة ؟ إذ أن علم المنطق يقول عكس ذلك ؟ و لكن الشعب الجنوب سوداني يسبح ضد تيار المنطق بفرحته الهستيرية هذه ؟ خرجت من متاهة الحيرة لأدخل في بيت الخجل من أجلهم !! الخجل من ألا يحدث تغيير حقيقي ، و أن يستمر مسلسل التغيير السلبي في بث حلقاته البغيضة .. و بتصفح مقومات التغيير الأساسية ، نتساءل : كانت قيادات الإقليم الجنوبي المتمردة على نظام جعفر نميري موجودة قبل تمرد د . جون قرنق في عام 1983م ، فلماذا تنازلت هذه القيادات للدكتور لكي يقود الحركة بدلاً عنهم ؟ علم المنطق ، يجاوب بالقول : إن مكون الإرادة السياسية ، و مكون الرؤية للمستقبل في الحركة الشعبية لتحرير السودان ، التي كونها الدكتور جون قرنق دي مبيور هي السبب الذي أقنع شعب الإقليم الجنوب سوداني بجدوى النضال ، فالغايات و الاهداف و الوسائل واضحة في الحركة الشعبية مقارنة بغيرها من حركات التحرر الجنوبية الأخرى ، هذا ما جعل كل من وليم نون و كاربينو كوانين يتنازلون للدكتور ، و قد أثبتت الأيام و السنوات صحة موقفهم ؛ و من ذلك أن حكومة الإنقاذ كانت قد زادت معاناتها مع الحركة الشعبية بعد إنقسامها في العام 1991م ، فالإنقسام بدلاً من أن يضعفها أعطاها المزيد من القوة فكانت الفترة ( 1995-1998) من أصعب الفترات التي فرضت على حكومة الإنقاذ التفكير في خيار آخر غير الحرب ، فهذا دليل قاطع بأن وضوح الرؤية للمستقبل و توفر الإرادة السياسية لدى الحركة الشعبية لتحرير السودان تحت قيادة الدكتور هي سبب التغيير الذي أفضى في الأخير الي ولادة دولة جنوب السودان في العام 2011م .. متى توقف التغيير الإيجابي و بدأ مسلسل التغيير السلبي في دولة جنوب السودان ؟ يقول علم المنطق أن حرب نهاية العام 2013م هي نقطة التحول ، التي توقف التغيير الإيجابي فيها ، و بدأ مسلسل التغيير السلبي في بث حلقاته البغيضة حتى الآن ، فالإنقسام الذي حدث في حزب الحركة الشعبية شل عمل الحزب تماماً ، لأن العناصر التي كانت تقف في صف تحقيق أهداف و غايات الحزب التي رسمها الدكتور جون قرنق دي مبيور ، قد إنسلخت منها ، و رضى السيد الرئيس سلفاكير بأن يحل محلهم في حكومته عناصر لا مشروع وطني لهم غير تحقيق أهدافهم الشخصية ، فتحولت الدولة ما بعد حرب العام 2013م إلى النظام الإقطاعي الذي ساد في أوروبا في القرون الوسطى ؛ حيث يحوز النبلاء على ما وقع في أيديهم من موارد الدولة بدون مساءلة قانونية من الدولة ، فصارت طبقة النبلاء عائشة في ترف ، و باقي الشعب يعاني من جميع صنوف الأمراض و الإهمال ، إنتهى الأمر في أوروبا بثورة شعبية قضت على النظام الإقطاعي الجائر ، و تناسى السيد الرئيس سلفاكير بأن الدكتور جون قرنق دي مبيور لو لم يكن صاحب مشروع فكري ناجح ، لكان شعب الإقليم الجنوب سوداني فضل البقاء تحت حكم الشمال الظالم على أن ينضم لحركة لا تحمل أي فكر للمستقبل .. بالرغم من أن الدكتور بشار الأسد ، قد ورث من والده نظام دموي ، سيء السمعة ، و سلك طريق والده فترة من الزمن ، إلاّ أنني أكن له شيئاً من الإحترام ، لأنه أدرك قبل فوات الاوان أن أسوا مراحل الحاكم : أن ينتظر بقية شعبه مجيء ملك الموت ليخلصهم من إهمال الحاكم .. فلم يحوجهم لذلك ، فانسحب قبل ذلك التاريخ طواعية ؛ فهذا مستوى وعي جدير بالوقوف عنده في المجال السياسي ، و كذلك سبقه الرئيس التونسي بن علي .. يحسن أن يكون العام الجديد 2025م عام عودة حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان لرؤية الحركة الشعبية التي كانت تهدف لتطوير المناطق المهمشة ( تحويل الريف لمدينة ) ، و ذلك بعودة الكوادر المنسلخة للحزب ، و ذلك يتطلب من السيد الرئيس سلفاكير تغيير المسار .. صحيح الدكتور جون قرنق دي مبيور قد رحل ، و لكن رؤية الحزب باقية ، و حواء جنوب السودان ولادة ، و بالتالي سيجد الحزب من يساعدوه في رسم الخطط الكفيلة بتطوير بقية مجالات الحياة الأخرى للخروج من عبء الإعتماد على مورد واحد ، و دفعنا ثمن ذلك في العام الماضي عندما توقف النفط ، فهذا الدرس ينبغي أن يكون حافزاً للبحث بجدية عن خلفاء الدكتور في الدولة الوليدة بجدية ، لم يفقده السودان فقط ، بل فقدته إفريقيا و كل الأسرة الدولية ، فهو رجل من الطراز العالمي ، نريد أن يكون هذا العام عام الفرح الحقيقي في دولة جنوب السودان. E-M: [email protected].
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة