كان اسمه نديم، كاتبًا لم يُحالفه الحظ بالشهرة التي طمح إليها. لم تكن كتاباته سيئة، بل كانت تحمل صدقًا وشغفًا، لكنها لم تجد طريقها إلى الجمهور الواسع. في لحظة صفاء مفاجئة، انتابه حنين غريب إلى بداياته، إلى القصص التي كتبها في سنوات شبابه، ونشرها في مواقع إلكترونية لم يعد يتذكر حتى أسماءها. بدأ نديم رحلة بحثه في أرشيف الإنترنت، وكأنه عالم آثار ينقب عن كنوز مدفونة. كان الأمر مُرهقًا ومُضحكًا في آن واحد. بعض المواقع اختفت تمامًا، وكأنها لم تكن موجودة قط، مثل "ضربت دون كوم" الذي تذكره نديم بابتسامة ساخرة. مواقع أخرى كانت لا تزال موجودة، لكنها بدت وكأنها خرجت من متحف للتصميم الإلكتروني: خطوط باهتة، صور مُبكسلة، وروابط مُعطلة. وجد نديم بعض قصصه بصعوبة بالغة. كانت مُخبأة في زوايا مُهملة من المواقع، وكأنها تنتظر من يُنقذها من النسيان. قرأها نديم بعين ناقدة، لكنه لم يستطع أن يُنكر أنها كانت تحمل شيئًا من روحه، شيئًا من براءة بداياته وشغفه بالكتابة. في إحدى المرات، وجد نديم قصة كان قد كتبها عن فارس شجاع يُحارب التنانين. كانت القصة مليئة بالمبالغات والمشاعر الفياضة، لكنها كانت أيضًا صادقة في تعبيرها عن أحلام الشباب وطموحاته. تذكر نديم أنه كان قد نشر هذه القصة في موقع يُدعى "مُنتدى الفُرسان". حاول البحث عن الموقع، لكنه لم يجده. في النهاية، وجد نسخة مُؤرشفة من الموقع على "أرشيف الإنترنت". تصفح نديم الموقع القديم بفضول. وجد مشاركات قديمة من أعضاء المنتدى، وتعليقات ساذجة على قصته، وحتى بعض الرسائل الخاصة التي كان قد تبادلها مع أعضاء آخرين. شعر نديم وكأنه يعود بالزمن إلى الوراء، إلى أيام كان فيها الكتابة هي كل شيء بالنسبة له. لكن المُفاجأة الحقيقية كانت عندما وجد نديم تعليقًا على قصته من شخص يُدعى "فارس الظلام". كان التعليق نقديًا ولاذعًا، لكنه كان أيضًا ذكيًا ومُحفزًا. تذكر نديم أنه كان قد دخل في نقاش حاد مع "فارس الظلام" حول القصة، وأن هذا النقاش قد ساعده على تطوير أسلوبه في الكتابة. حاول نديم البحث عن "فارس الظلام" في الإنترنت، لكنه لم يجده. تساءل نديم عما إذا كان هذا الشخص لا يزال يكتب، أو أنه قد اعتزل الكتابة مثله. شعر نديم بشيء من الحنين إلى تلك الأيام، إلى أيام كان فيها الكتابة هي محور حياته، وإلى تلك النقاشات الحادة التي كانت تُشعل حماسه. في النهاية، قرر نديم أن يُعيد نشر بعض قصصه القديمة على مدونته الخاصة. لم يكن يتوقع أن يُحقق شهرة كبيرة، لكنه أراد فقط أن يُشارك هذه القصص مع من يهتم بها، وأن يُحيي ذكرى تلك الأيام الجميلة. أدرك نديم أن قيمة هذه القصص لا تكمن في جودتها الأدبية بالضرورة، بل في كونها جزءًا من رحلته الشخصية، وشاهدًا على تطوره ككاتب وإنسان. كانت هذه القصص بمثابة أرشيف رقمي لذكرياته، أرشيف مليء بالغبار، لكنه يحمل كنوزًا ثمينة لمن يعرف كيف ينقب عنها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة