مسودات لوطن متهالك كتبت في العام2002 الوليد محمد الحسن ادريس مسوده ثالثه الصيدلانية ذات النخله كانت تود لو أنها تأخذنى فى لفافة تبغ ثم تفضنى فى الهواء من شدة ذلك الذى فاجأها كالمخاض حينما قالت لى : (إنت بتبلع الدايزبام) Dizepam فرددت لها :لا . قالت : (طيب بتودى لى زول) فرددت :(لا) فقالت :(طيب بتعمل بيه شنو ) فقلت (بختو تحت لسانى ) فأغرورقت فى الضحك زكرتنى بنسمة خريفية حركت أغصان شجرة (النيم ) التى تقبع فى منتصف فناء .. بيتنا العتيق الزى ورثناه من جدى لأبى رحمة الله فى (ودمدنى ) . قالت :إجلس .. فدخلت فى شعرها .. تذكرت أحد الأطفال وهو يمسك بطرف قميصى مستجديا(حق الفطور).. فضغط للمرة الثانية ورقة الألف جنيه بعد أن إعتصرتها داخل راحة يدى بعنف وقلت : (لو سمحتى إعطينى فاليوم) ..نهض نهر عينيها الى مرة أخرى فتسمرت فى مكانى .. فواصلت حديثها مع (الزبون ) .. أعطته الدواء .. وكتبت عليه أوقات الإستخدام .. فإستشعرت قبح العلة يعتصر كيانى ..فنظرت الى عينيها القرمزية .. فتزكرت سماء مدينتى .. التى فارقتها منز سنين طلبا للعلم ،.. فى هذا المكان قرب هذه الصيدلية التى أمر بها مرارا ومنز سنين لنفس الغرض .. الديزبام (الفاليوم) .. لكن لأول مرة أنتبه إليها .. (نخله) بعمق النبيذ المعتق بنحافة الشوق الذى يضعك على حافة الصراخ .. ببراءة الخلاص الذى يوصلك الى أمان الهاوية .. بشدقى (نملة السكر) التى تعضك ثم تموت متمسكة بجلدك .. تناولت من إحداهن الروشته فزغزق ذلك القلب الحديدى الذى تدلى من ذلك الإسور المنضود على معصم يدها فشهقت .. رأيت .. عصفوران يفضان بيضه واحدة بمنقارهما ويخرجان للهواء .. يغردان ،.. لماذا لم أنتبه إليها الا اليوم .. تضحك مع زبائنها فيصلنى رزاز يوم خريفى شهدته فى منطقة السافنا الغنية فى (إليل) مع صديقى (مابيور )فى أول عام دراسى بكلية القانون .. إنتبهت لنفسى .. ما هذا الذى يحدث ،،لقد أغلقت هذه النافذه منذ سنين لماذا..لماذا انتبهت إاليها الآن انا الذى إعتدت على التردد على هذه الصيدلية منذ أكثر من أربع سنين منذ أن إلتقيت بها .. (أداو) .. تلك (الودعه) .. حينما تحدثت فى ركن النقاش صارخا بأن (لا فرق بين عربى ولا عجمى ال بالتقوى) (أداو) تلك الجنوبية فارعة القوام التى كنت حينما أتحدث اليها أشعر بنمنة فى أسفل أصبع رجلى الأيسر ينادينى اليها وكل الأعراف والوائح والقوانين تقول أنها جنوبيه أقل درجه ..إعتبرها (صديق ) نزوه من نزوات الشباب فصرخت فى وجهه ودلقت عليه الخمر .. صديقى الذى توفى – يرحمه الله فى مناطق العمليات فى الجنوب وهويؤدى الخدمة الإلزامية .. الآن فهمت ما سر إهتمامى بهذه الصيدلانية إنها تشبهها نعم تشبه (أداو) .. نفس الطول (النخله ) كتلك التى فى فناء منزل جدى من أمى يرحمه الله فى مدينة (أرقى) بالشمالية . إلا أنها تأخذ الروشته وتعلم عليها بقلم ( البق )بمهارة فائقة تعلن عن لونها القمحى المائل الى الإصفراروشفتاها المدببتان اللآتى تشبهن شفاه صديقى (مابيور) ..إنتبهت لكل هذا وأنا أعتصر ورقة الألف جنيه بين يدى كدت أمزقها لولا أننى تزكرت كيف إعتصرنى الجوع بالأمس وأنا أتجول بين (حوانيت المحطة الوسطى )بالخرطوم. أنفها أحدب بنفس الصورة التى تشكل بها الجزء الشمالى الشرقى من خريطة السودان التى رسمها أستاذ مبارك أمامى فى السبورة قبل قبل خمسة عشر عاما .. إنبعثت من المقهى المجاور نغمات لأغنية وطنية سودانية حزينة كان المغنى يقول : وطنى ولا ملى بطنى سكاتى ولا الكلام النى لقد سئمت هذه الأغانى ... تفوهت شفاهى بهذه الكلمة (كسخت ) هذه الكلمه التى تعود أحد أصدقائى أن يعبر بها عن ضجره وأنا لا أعرف معناها ، فتركت الصيدلية هاربا .. تركتها مستثمرا إنشغالها بالزبائن .. وتركت كل شئ حتى إستدارة نهدها التى تحفزنى لرحلة الى الخليج – العربى . تدحرجت فى طريقى فى أزقة السوق العربى وشكلت أغانى الباعة المتجولين فى زهنى نسيجا عنكبوتيا عتيق جعلنى أفكر كيف جعلت هذه الحشره من خيوط فمها وفشلت أنا .. تسولت الكمسارى لأصل الى جبره ذلك الحى العتيق الذى يعرف أحد أصدقائى كيف يأوينى شعرا و(تنباكا) ويرضينى كى أقتسم معه (لحافه ) فرأيتها تجلس فى الكنبة الأمامية تلك الصيدلانية فارعة القوام التى تشرق شمسا من شفاهها التى تشبه شفاه صديقى (مابيور ) صديقى الذى لاأعلم أين هو الآن .. فنزلت بسرعة الإيدز الذى إستشرى فى جسد وطنى الحبيب برغم (باكيتة ) الأخلاق . وتحركت مع المارة فى جوقة الخرطوم .. أبوجنزير..ذلك المنتجع الجميل الذى إعتدنا أن نلتقلا فيه أنا وصديقى (كعبول) و(تبن) وبعض المارقين على القانون بعد أن تم فصلى من كلية القانون لأسباب سياسية مكنت من الإحساس بالظلم أن يمتزج بسحنة مفاصلى .. جلست طلبت القهوه .. التى التى علمونى أن أطلبها ثم أفكر فى كيف (أزوغ) من الحساب فتركت المكان بكامله ولم آبه ببائع القهوه على الإطلاق .. الآن وجدت مقعدى الوثير بعد طول سفر على ضفة النيل الخالد -كما يزعمون .. طلبت بارد وفكرت فى تدبير المكيده للهرب فاستوقفتنى هى نفسها –الصيدلانية ذات النخلة- بإبتسامتها -الطوق- (على حسابى البارد) .. شعرت بنمنمة فى أسفل اصبع رجلى الأيسر .. إستجعت قواى وناجزتها قائلا : لكن ما المناسبه .. فقالت : أنت تشبه زوجى المتوفى بمناطق العمليات فى الجنوب .. بحركت لاشعورية منى أفرغت البارد على الأرض وسلمتها الزجاجة ومضيت الى حيث مكانى الطبيعى داخل جوقة السوق العربى / بالخرطوم . إنتهى . كتبت لمهرجان الثقافة الثالث ودمدنى -- دكتورالوليد محمد الحسن ادريس
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة