سانتا كلوز أو القديس نيكولاس، هو بابا نويل في الأعراف والمقدسات المسيحية، الذي يأتي في الليلة التي تسبق عيد الميلاد ويدس الحلوى والهدايا في اكياس تشبه الجوارب الصغيرة الملونة، والتي يعلقها الأطفال على أبواب منازلهم قبل أن يذهبوا للنوم ، فينهضون باكرا ويهرعون اليها، ليفاجاوا بها ممتلئة بالهدايا الصغيرة، وهي قصة مستمدة من خرافات المسيحية القديمة لتجددها لاحقا الأجيال التي تستهدف إدخال البهجة والحبور في أفئدة الأطفال الصغار، وهكذا صارت عادة حقيقية منتشرة وسط الشعوب الأوروبية وبين صغارهم . لقد ارتبط بابا نويل عندي منذ صباي الباكر بقصة حقيقية ظللت اراجع تفاصيلها كلما مرت ذكرى الكريسماس وبابا نويل وسانتا كروز والقديس نيكولاس في مخيلتي حدث وأن عاملا بسيطا كان يبيع ( الباسطة والكنافة) على عربته الخشبية ذات الأربع عجلات والتي كان يدفعها أمامه وهو يحوم بها داخل أحياءنا الشعبية، وهو يبيعها للصغار والكبار، وهو يترنم بأهزوجة لطيفة تناغم الأطفال بصوت مبحوح أصبح الصغار وشفع الأحياء يستعذبونها حتى حفظوا مقاطعها عن ظهر قلب، وكنا نهرع خلفه في شكل جوقة زفة، حتى إذا ما فرغ عبيد البطحاني من بضاعته، لا يستنكف في أن يوزع ما تبقى من حلوى وبقايا عسل على أطراف صوانيه علينا، نحن الذين كان البطحاني يطلب منا في صيغة أمرة - لتنظيم فوضانا حوله - الاصطفاف في شكل طابور يقصر أو يطول، فكان الواحد منا يمدد كفيه وهما مضمومتان في شكل اناء ليدلق عليهما البطحاني بعضا مما تبقى من الباسطة والكنافة المغموسة في سائل العسل اللذيذ!, كان يفعل ذلك يوميا، وكنا ننتظره بفارغ الصبر ليمر باحياءنا. وهكذا كان عبيد البطحاني، وما أن يفرغ من عمله ويوزع (هداياه) على الصفار، يهرع إلى (انداية) في طرف أحد الأحياء الشعبية، ويقضي بقية سهرته مع شلة انسه هناك، ثم يعود بعربته وهو يجرها مترنحا ومرددا اهزوجته للصغار حتى يصل منزله في الطرف الأخير لأحد الأحياء الشعبية الناءية. ما اذكره أن اضطرابات سياسية وقعت بالبلاد، وفي سبيل وقفها والحد من التظاهرات الشعبية التي انتظمت الجماهير في تلك الفترة، أن لجأت السلطة الحاكمة - وكانت غاشمة ومتسلطة وتحفها الشمولية والديكتاتورية - لفرض حظر التجوال ليلا، محددة الزمن الذي يبدأ فيه وينتهي به الحظر . كان الوقت شبيها بهذه الأيام التي تصادف فيها العد التنازلي لنهاية السنة والاحتفالات التي انتظمت لأعياد الكريسماس وراس السنة وارهاصات نهاية معاناة الناس!. عاد عبيد البطحاني من سهرته وهو غير آبه بظروف حظر التجوال ولا ما يجري في البلد من اضطرابات سياسية، فقط كانت عقيرته - وهو مبسوط - مرتفعة بتلك الاهزوجة للصغار، كان يرددها بنشوة وحبور، وبينما كان الجيران داخل منازلهم يتسمعون بحة صوت البطحاني في الهزيع الاخير من الليل، تماما كما اعتادوا سماعه في كل ليلة، طرقت مسامعهم اصوات رصاص كثيف، أعقبه سكون عم المنطقة، لم يسمعوا بعد ذلك صوت البطحاني المبحوح وهو يردد اهزوجته التي اعتادها للصغار الذين كان يوزع عليهم باقي بضاعته الفائضة عن الحاجة. في صباح اليوم التالي عرف الناس أن دورية من جنود غلاظ الطباع لم يمهلوا عبيد البطحاني حتى يتأكدوا من هويته، بل عاجلوه بدزينة من رصاص كثيف انهمر على جسده النحيل، جزاءا على استخفافه وتطاوله على تعليمات الحظر الليلي للتجوال، لينبطح بعدها البطحاني جثة هامدة على قارعة الطريق، واهزوجته التي كان يترنم بها للأطفال تتكسر - نغما إثر نغم - على شفتيه. وفي المساء وعندما انتظر الصغار عم عبيد البطحاني ولم يمر على احياءهم الشعبية، عادوا إلى مراقدهم وهم يتساءلون عن أسباب تأخر العم الطيب وهكذا، فعندما كبرت انا، كنت أكرر في داخلي نفس السؤال الذي ظللنا نطرحه صغارا ،، ولكن بصيغة أخرى ،، صيغة السؤال عن الأسباب الموضوعية التي تم بها مصادرة حق الحياة عن عمنا بابا نويل السوداني؟!. انتهت
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة