يقول ناظم النشيد الوطني: ( هذه الأرض لنا ) ؛ و يعني بذلك في كل الأحوال ، سواء أن كانت محتلة أو محررة .. و أقول أنا : ( هذا الجيش لنا ) ؛ و أعني بذلك في كل الأحوال ، سواء كان إختطفه الكيزان أو حتى الشيطان ، فهي مؤسسة وطنية سودانية ، إختطفته السياسة ردحا من الزمن ، فمن يعيده إلى دوره الأساسي في الحياة غير السودانيين أنفسهم ؟ أتابع مقالات الدكتور الهادي إدريس عبدالله أبو ضفاير ، و أقدر تركيزه على جزئية أزمة العقل السوداني ، و أثر تغييبه عن دوره الأساسي كجهاز رباني يملك من القدرات الكثير ، و من الوسائل المثير في حلحلة مشاكل الحياة و أزماتها المستعصية و على رأسها أزمة الحكم في السودان ، و لكن نخب الصف الثالث والرابع من الصعب أن تجد منهم سرعة الاستجابة ، و لكن المفكر لا يركز في طرحه الفكري على زمن واحد ، بل يرنو إلى أزمان أخرى كما قال الشاعر : ( أقابلك في زمن ماشي ، و زمن جاي ، و زمن لسه ) . فأهل دارفور وقع عليهم من جور و ظلم مؤسسة الجيش السوداني الكثير إدبان تقمصه دور السياسي ، و تخليه عن واجباته الأخرى ، و كان أكبر خطأ وقعت فيه المؤسسة العسكرية هو تسليح القبائل العربية البدوية ، من أجل مساعدته في عملية إستتباب الأمن في دارفور و كردفان ، هذا الخطأ أدى إلى خروج كردفان و دارفور بصورة كاملة عن دائرة الأمن و الإستقرار في السودان ، لأن هذه القبائل عملت العكس تماما ، فطردت القبائل الأخرى من حواكيرها و مواطنها ، و إستقرت هي فيما شاءت و رغبت فيه من الأراضي ، فالسلاح ، لا يعرف حقه إلاّ الإنسان المتمدن ، لمعرفته المسبقة بالقوانين واللوائح التي تحكم عمل السلاح ، أما البدو ، فهم بعيدين كل البعد من القوانين التي تحكم عمل السلاح ، فطوال السنين الماضية ، كان أهل دارفور في المعسكرات ، يرفعون أيديهم بالدعاء لرفع الظلم عنهم ، و أتبعوا ذلك بتدريب أبنائهم و فلذات أكبادهم على كيفية التعامل مع الأسلحة لدفع العدوان ، فالله في كتابه العزيز يقول :( و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض... الخ ) ، فالحرب الحالية هي جزء من إستجابة دعاء المظلومين في دارفور طوال الفترة الماضية ، لماذا ؟ لأن مؤسسة الجيش السوداني قد فطنت بعد تجربة مريرة للخطأ الجسيم التي وقعت فيه ، و صارت تراجع سياساتها الماضية ، و على رأسها سياسة : وجود السلاح في أيادي القبائل العربية البدوية و أثر ذلك على الأمن القومي السوداني ، فكان الحلف بين المؤسسة العسكرية ، و كل الحركات المسلحة التي يهمها إستقرار الدولة السودانية ، و كل مواطن سوداني يرغب في حفظ كيان الدولة السودانية من الإنهيار الذي يتهدده ، من كل حدب وصوب ، فالتاريخ سيحفظ لمالك أقار ، و مني أركو ، و مصطفى تمبور ، د. جبريل إبراهيم ، و كل قيادات الحركات المسلحة و كوادر الإتجاه الاسلامي وقفتهم مع مؤسسة الجيش السوداني ، فهذا جزء مهم في إتجاه إعادة صياغة مؤسسة الجيش السوداني ، فهي خطوة إستباقية في مستقبل القوات النظامية في السودان... إن الذين ينادون بوقف الحرب قبل تحقيق أهدافها الاستراتيجية و أهمها نزع السلاح من يد القبائل العربية البدوية ، لأنها السبب الرئيسي في إنفراط الأمن في كردفان و دارفور طوال العقود الماضية و أثر ذلك بالسلب على إقتصاد الدولة السودانية ، لا يفقهون في السياسة شيئا ، فوقف الحرب يمكن قبوله في حال كان وضع الأمن القومي قبل الحرب في السودان في تقدير جيد جداً أو ممتاز ، فيمكن قبول طرح فكرة وقف الحرب ، و لكن الواقع خلاف ذلك ، فالوضع كان قبل الحرب في تقدير : ضعيف ، هش جدآ ، و الحرب هي أكبر فرصة لتصحيح الصورة المقلوبة الموجودة في الأمن القومي السوداني ، لأن الأمة السودانية محتشدة و متحفزة الآن لمعالجة هذه المسألة بصورة جذرية .. في الآونة الأخيرة ، كثفت مليشيا الدعم السريع هجماتها الانتقامية على المواطنين في معسكر زمزم ، لأنهم آباء و أمهات القوات المشتركة التي فتكت بهم في محور الفاشر ، و تعالت الأصوات المنادية بحماية المعسكر ، إلاّ أن الواقع الذي أراه مناسباً أن تفرغ هذه المعسكرات من السكان ، فكبار السن يذهبون إلى المناطق الآمنة الأخرى في دارفور ، و الشباب يلتحقون بالقوات المشتركة و الجيش ، و من لم يأنس في نفسه الرغبة في القوات النظامية ، فعليه بالمهن الأخرى ، فالزمن القادم بعد الحرب سيشهد عودة كل القبائل الزنجية في دارفور إلي مناطقهم الأصلية تحت حماية القوات النظامية ، و كل من إستوطن في هذه الأراضي ستنظر الدولة في أمره ، و بالتالي فإن زمن المعسكرات قد أدبر ، و أقبل زمن الإستقرار لأهل دارفور ، فلا يوجد سبب منطقي يدعو للتمسك بهذه المعسكرات بعد الآن ، و على العمد و السلاطين ، في معسكري كلمة و زمزم ، التواصل مع أبنائهم الموجودين في قيادة عبد الواحد محمد نور ، فالرجل هو خارج الشبكة و دارفور في الوقت الراهن تتأهب لمعركة التحرر من نير عبودية الجنجويد و حرس الحدود و الدعم السريع و سياسات الحكومات الوطنية السابقة الخاطئة ، التي أقعدتها عقوداً طويلة عن التطور و النماء ، و هذه المعركة الفاصلة ، يجب أن يشارك فيها كل السودان ، بعد تحرير الجزيرة مباشرة ، ينبغي أن يبدأ تحرير دارفور و كردفان ، فعلى العمد و السلاطين إقناع أبنائهم الموجودين في الحياد من أجل الانضمام لركب داعي الوطن ، و كذلك على السلاطين في جبال النوبة إقناع أبنائهم الموجودين في الحياد للانخراط في داعي الوطن ، و على السودانيين أن يتواثقوا على تحفيز المواطنين في دارفور و جبال النوبة ، و النيل الازرق و شرق السودان ، الذين يمثلون أكثر المتضررين من التهميش في عملية تقسيم السلطة و الثروة في السودان بعد الإستقلال ، و لوضع حد نهائي لهذا الخطأ الاستراتيجي ، و في ظل غياب الرؤية لدى الأحزاب السياسية المتاحة لحكم السودان بسبب ضعفها و حاجتها لوقت طويل لترتيب بيوتها من الداخل من أجل إستعادة زمام الأمور ؛ و تأكد العسكر بأن إحتراف السياسة قد أضر بأدوارها الأساسية ، و كان أحد أهم أسباب الحرب المدمرة بالإضافة لسياستها الخاطئة بتسليح القبائل العربية البدوية ؛ فإن الفرضية المتاحة لإصلاح الدولة السودانية بعد الحرب مباشرةً هي التواثق على تشكيل حكومات كفاءات وطنية ، و أقترح أن يتفق السودانيين على أن يكون عددها أربع حكومات ، مدة كل منها : أربع سنوات ، يقيم البرلمان القومي عمل كل حكومة منها مع إقتراب نصف الفترة ، و يوصي بالاستمرار في حال النجاح في مؤشرات التنمية المستدامة ، و بالحل في حال الفشل ؛ و تقوم اللجنة الوطنية لإعادة هيكلة الخدمة المدنية ، بعملية إختيار الكفاءات الوطنية لشغل المناصب القيادية في الحكومة الإتحادية و الحكومات الولائية ، و يمكن للكفاءة أن يكون مستقلا أو منتميا لكيان حزبي ، طالما قبل بشروط اللجنة الوطنية في التكليف و القاضي بتقديم المصلحة العامة فوق كل اعتبار.. و لما كان اللجوء لحكومات الكفاءات من أهم أسبابها معالجة التهميش في بعض مناطق السودان ، فيجب على اللجنة الوطنية أن ترهن الوزارات المهمة في الحكومة الإتحادية لأبناء هذه المناطق و كذلك منصب حكام الولايات التي يشكلون أغلبية فيها ، و يا حبذا أن تسند هذه المناصب لمن يعود تأريخ تواجدهم في السودان لما قبل العام ١٩٢٤ ، تأريخ ثورة اللواء الأبيض ، لترسيخ قيم المواطنة و الأصالة في السودان ما بعد الحرب ، و لرفع التهميش عن من كان لهم الفضل في تأسيس الدولة السودانية ، و أقصد بالوزارات الإتحادية: المالية ، الداخلية ، الخارجية ، الدفاع ، العدل ، و المناصب الإتحادية المهمة : رئاسة الجمهورية ، رئاسة مجلس الوزراء ، رئاسة المجلس التشريعي القومي ، و المناصب الولائية المهمة : منصب الحاكم ، رئاسة مجلس النواب الولائي.. تقوم اللجنة الوطنية بتدوير هذه المناصب في كل دورة بين أبناء هذه المناطق ، حتى تطمئن بأن الدورات الأربع قد تسنم فيه أبناء هذه المناطق كل المناصب القيادية المهمة في الدولة السودانية ما بعد الحرب ، و على اللجنة تجهيز تشكيلتين في كل دورة من الدورات الأربع ، تحسباً لقرار مجلس النواب القومي بحل الحكومة الإتحادية في نصف الفترة ، لتحل التشكيلة الأحتطاطية محل التشكيلة الأساسية ، أما في حال النجاح ، فتكون التشكيلة الأحتطاطية هي صاحبة الأولوية في الدورة المقبلة ، و تجهز تشكيلة أخرى لنصف الفترة المقبلة ، و هكذا ، حتى تكتمل دورات حكومات الكفاءات الوطنية ، و نكون قد عالجنا مشكلة التهميش بصورة جذرية ، و تكون الكيانات الحزبية في السودان قد رتبت بيوتها و إستعدت للدخول في حلبة الحكم الديمقراطي ، على أن تساعد حكومة الكفاءات الوطنية هذه الكيانات الحزبية على تنظيم نفسها أثناء فترة حكمهم ، عندئذ ، ستكون لكلمات النشيد الوطني السوداني وقع خاص ، و تكون للدولة السودانية ثقل حقيقي ، فاعرف نفسك و قدرها حق قدرها ، بعد ذلك توقع من الآخرين تقديرك التقدير المطلوب : ( نحن جند الله ، جند الوطن ، إن دعا داعي الفداء لن نخن ... نتحدى الموت ، عند المحن ... نشتري المجد ، بأغلى ثمن ... هذه الأرض لنا ، فاليعش سوداننا ... علما ، بين الأمم ... يا بني السودان .. هذا رمزكم .. يحمل العبء ، و يحمي أرضكم ) .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة