إن البرامج التنموية والخدمية الطموحة هي التي تميز نظام سياسي عن نظيره ، و هي الوقود الذي يحفظ هذه الكيانات ، و متانة النظام أو ضعفه ، مرتبط بهذه الأدوات.. بعض من هذه الأنظمة السياسية تدرك هذه الحقيقة ، و لكن جزء كبير منها ، يغيب عنها هذه الحقيقة بسبب الجهل أو التجاهل ، و لكن من خلال سنين الممارسة السياسية ، تتجلى هذه الحقيقة للعيان .. من كان يعتقد أن نظام الأسد ، و بعد صموده أمام الربيع العربي في العقد الماضي ، فإن مصيره سيكون السقوط بدون إطلاق الرصاص بين الأطراف المختلفة ؟ و لكن ذلك حدث في الأيام القليلة الماضية.. فقد قرر بشار الأسد مغادرة سوريا ، و ترك أمر السلطة فيها للسوريين ، يتنافسون فيها من بعده ، و السؤال المهم في القضية هو : لماذا وضع الاسد نهاية لفترة حكمه دون مقدمات ؟ شخصياً لم أعثر على إجابة شافية للسؤال ، و لكن التشخيص الذي أراه مناسباً هو كون الأسد قد تأكد من فشل برامجه جلها بعد الربيع العربي ، فلم يتعافى الاقتصاد و لا الإجتماع و لا السياسة بعد الربيع العربي ، فكانت المؤشرات سلبية في جميع المجالات ، فكان من الطبيعي أن يدرك المناصرون في الداخل - من خلال فشل البرامج- أن رهانهم عليه كان خاسراً ، و لعل الأسد قد لاحظ ذلك في عيون بطانته ، فبادر هو قبل مبادرة البطانة ، و سيكتب له التاريخ ذلك في صحائفه ، فالرجوع إلي الحق فضيلة ، و باب التوبة مفتوح على مصراعيه قبل بلوغ الروح الحلقوم ، فكان أمامه أن يكابر كما فعل سلفه القذافي في ليبيا ، و لكن مستوى وعيه السياسي من ناحية ، و تضحيات جزء من الشعب السوري من أجل بقائه في الحكم إدبان ثورات الربيع العربي ، هذه المعطيات أرغمته على إتباع أسلوب الرئيس التونسي بن علي في تسليم السلطة بطريقة ميسرة و سهلة ( فهمتكم .. فهمتكم ) .. و يشكر للقوات النظامية السورية أنها قد سلكت نفس طريق القوات النظامية في تونس .. و ماذا بعد عهد بشار الاسد ؟ إن الحكومات الانتقالية القادمة في سوريا أمامها تحديات جسام ، فالتحدي الأول هو توفيق التيارات السياسية في سوريا لصياغة دستور يوافق أهواء و أمزجة سوريا كأمة تحوى معتقدات و إثنيات مختلفة ، و الثاني كسب ود الأطراف الإقليمية والدولية من أجل المساعدة في عملية إعادة إعمار سوريا ، و لعل نموذج الجارتين العراق و تركيا فيها ترياق لسوريا إذا أحسن هضمه سياسياً ، فتركيا يحكمها حزب إسلامي ، و لكن تجد الأحزاب السياسية ذات الاتجاهات الفكرية المخالفة من الحريات ما يمكنها من التطور و المساهمة في المجالات المختلفة ، و العراق ، بعد نظام صدام حسين دخل في حلقة مفرغة من حكومات فاشلة ، لم تخرج منها إلا بعد مجيء حكومة محمد شياع السوداني ، التي أظهرت من البرامج الجادة ما أجبر الشعب على السكوت بعد إن كان معتاداً على التظاهر كل مرة ، و الحكومات الجادة لا تأتي من فراغ ، إنما تأتي من وضع الكفاءات المناسبة في المواقع المناسبة ، و هذا هو أقصر طريق أمام الكيانات السياسية في سوريا . أن المدن و الحواضر التي كانت حواضر في أزمان علو الدولة الإسلامية كبغداد و دمشق و مصر ، لا ينبغي أن تعاني من ويلات الخلافات المذهبية أو الإثنية ، لأنها أعتادت منذ القدم على إحتضان الجميع ، فإذا أعتبر السوريون من التجربتين التركية و العراقية فالنجاح حتماً سيكون حليفهم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة