إن القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بتاريخ 13 يونيو لعام 2024 تحت رقم 2736، والذي دعا فيه قوات الدعم السريع إلى رفع الحصار عن مدينة الفاشر والسماح للمساعدات الإنسانية بالمرور والدخول إلى المدينة، وحثها على عدم قصف المدنيين داخلها، لم يؤدِ إلى نتائج تُذكر. استمر صراخ المدنيين داخل مدينة الفاشر لشهور بعد أن حاصرت قوات الدعم السريع المدينة منذ شهر مايو، بفرض حصار محكم خنق المدينة بالكامل مع قصفها بمدافع ثقيلة بشكل شبه يومي.
من المعلوم أن مدينة الفاشر تُعد العاصمة الوحيدة لإحدى ولايات دارفور التي لم تسقط في يد قوات الدعم السريع، بعد أن سقطت عواصم الولايات الأخرى مدينة نيالا، عاصمة جنوب دارفور، في أكتوبر 2023، ومدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، في نوفمبر من العام نفسه، ومدينة زالنجي، عاصمة ولاية وسط دارفور، في نهاية أكتوبر، ومدينة الضعين، عاصمة شرق دارفور، في 21 نوفمبر 2023. أصبحت الفاشر مكتظة بالمدنيين، إذ تجاوز عدد سكانها، حسب التقديرات، المليون ونصف المليون نسمة، نتيجة نزوح سكان من مناطق مختلفة، خاصة المدن التي تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع. بالإضافة إلى ذلك، تحتضن المدينة أكبر معسكرات لإيواء النازحين، مثل معسكرات زمزم، ونفاشا، والسلام.
بسبب هذا الدور الإنساني الذي تلعبه مدينة الفاشر في إيواء المدنيين، حذرت عدة جهات قوات الدعم السريع من مهاجمة المدينة. ولكن، للأسف، لم تستجب قوات الدعم السريع لتلك النداءات المتكررة، بل تجاوزت كل قوانين القتال وأعرافه، وارتكبت جرائم جسيمة ضد المدنيين في الفاشر، حسب تصنيف القانون الدولي الإنساني، بما يشمل اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، واتفاقية لاهاي بشأن حماية الممتلكات الثقافية، والمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيرها من الاتفاقيات التي تختص بحماية المدنيين أثناء النزاعات.
استخدمت قوات الدعم السريع أسلوب الحصار المشدد على المدينة، وهو ما يُعد انتهاكًا للمادة 54 (1) من البروتوكول الإضافي الأول التي تحظر استخدام التجويع كأسلوب حرب، وكذلك المادة 14 من البروتوكول الثاني التي تنص على حماية الأشياء الضرورية لبقاء السكان المدنيين. ولم يتوقف الأمر عند الحصار، بل شمل أيضًا استهداف المرافق الإنسانية والطبية، مما أدى إلى تعطل الخدمات الطبية في المدينة ووفاة العديد من المدنيين، خاصة كبار السن، والأطفال، والنساء الحوامل، وأصحاب الأمراض المزمنة. استهدفت قوات الدعم السريع مستشفيات الفاشر بالقصف والنهب والتدمير، إذ قُصفت مستشفى السعودي ومستشفى الأطفال، وتم اقتحام مستشفى الفاشر الجنوبي ونهبه. هذه الانتهاكات تخالف المادة 18 (2) من البروتوكول الثاني التي تضمن وصول المساعدات الإنسانية، والمادة 11 من البروتوكول الأول التي تحمي المنشآت الطبية.
كما أن قوات الدعم السريع لم تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية ولم تراعِ مبدأ التناسب في استخدام القوة، ما يُعد انتهاكًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، خاصة المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول التي تنص على التمييز بين المدنيين والمقاتلين، والمادة 51 (5) (ب) التي تحظر الهجمات العشوائية التي تسبب خسائر مفرطة بين المدنيين. تعمدت قوات الدعم السريع قصف مدينة الفاشر دون تمييز بين المدنيين والعسكريين، مما أدى إلى مقتل المئات من المدنيين العزل، في انتهاك صارخ للمادة 51 (4) من البروتوكول الإضافي الأول التي تحظر الهجمات العشوائية، والمادة 13 من البروتوكول الثاني التي تحمي السكان المدنيين من أن يكونوا هدفًا للهجمات.
لم تلتزم قوات الدعم السريع بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، حيث تجاهلت دعوات مجلس الأمن لوقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. كما امتنعت عن الالتزام بمبادئ احترام القانون الإنساني الدولي، وهو ما يُعد انتهاكًا صريحًا للقرار 2286 (2016) بشأن حماية المنشآت الصحية، بالإضافة إلى عدم الامتثال للقرار رقم 1556 الصادر في عام 2004، والذي تم تجديده في 12 سبتمبر 2024، والمتعلق بحظر السلاح في دارفور.
منذ بداية الهجوم والحصار الفعلي لمدينة الفاشر في منتصف مايو 2024، استمرت قوات الدعم السريع في القصف العشوائي على المدنيين والمباني والأعيان الثقافية. كما تعرض معسكر نفاشا، الذي يأوي آلاف النازحين، لتدمير كبير أسفر عن مقتل العشرات، حسب تقارير منظمات الرصد والتوثيق والمنصات الإعلامية.
في مطلع ديسمبر 2024، يومي 2 و3، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات جسيمة تُعد من أخطر أنواع الجرائم وفقًا لنظام روما الأساسي. إذ قُصف معسكر زمزم، الذي يأوي آلاف النازحين من دارفور ومدن سودانية أخرى مثل الفاشر ونيالا والخرطوم، مما أسفر عن مقتل وإصابة 21 شخصًا.
هذه الأفعال تُعد جرائم إبادة جماعية بموجب المادة 6 من نظام روما، وجرائم ضد الإنسانية بموجب المادة 7، وجرائم حرب بموجب المادة 8، حيث استهدفت هذه الانتهاكات المدنيين بشكل منهجي.
لذا، أُناشد قوات الدعم السريع الالتزام بالقانون الدولي الإنساني واحترام قواعد القتال والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي، خاصة القرار 2736 برفع الحصار عن مدينة الفاشر، والقرار 1556 الخاص بحظر السلاح في دارفور. كما أدعو لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان إلى إصدار توصية عاجلة لمجلس الأمن الدولي بحماية المدنيين وإنقاذ حياة أكثر من مليون مواطن محاصر في مدينة الفاشر، وفقًا للآليات الدولية الخاصة بحماية المدنيين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة