قبل دخول النظم الحديثة للحكم ، كانت في السودان دويلات ، تحت حكم السلاطين ، متفاوتة في الثقل السياسي ، فبعضها من شدة تأثيرها و قوتها وصل شهرتها لبقية القارة الأفريقية ، و البعض الآخر من شدة ضعفها تكاد تكون مجهولة في داخل الحدود السياسية لدولة السودان الحالية.. أن الشأو و علو الكعب في الشأن العام على وجه العموم ، و في الحكم على وجه الخصوص ، يرتبط بصفة علو الهمة ، سداد الرأي ، و سعة الصدر ، فهذه الصفات الثلاثة إذا إجتمعت في الحاكم ، فإن تأثيره يتعدى زمان حكمه إلى أزمان بعيدة قادمة تقصر أو تبعد بحسب تجذر هذه الصفات فيه ، فالسلطان علي دينار ، قتل في العام ١٩١٦م ، و لكن أثره و فعاله ما زال باقياً بعد قرن كامل من وفاته ، و سيبقى لأزمان ممتدة قادمة ، و السلطان دينق كوال أروب و الذي إستلم إمارة دينكا نقوك من أبيه في ثلاثينيات القرن الماضي و توفي في العام ١٩٦٩م ، ترك بصمات لا يمكن تجاهلها في تأريخ دينكا نقوك ، و منها أنه الذي أوقف عجلة دوران الحروبات بين عشائر دينكا نقوك التسعة ؛ حيث كانت تتقاتل مع بعضها البعض لأسباب واهية ، فهذا السلطان أوقف هذه الحروبات البينية.. الموت أمر مقدر منذ الأزل ، و لكن موت الحاكم العادل له طابع آخر ، خبرت و تحققت من ذلك في العام ٢٠١٣ ، و بالتحديد بتأريخ الرابع من شهر مايو من ذلك العام ، حيث كنت في منطقة "أنيت" في أبيي ، و في حوالي الساعة السابعة مساء ، فإذا بنساء حي أنيت يدخلن في موجة بكاء في أزمان متقاربة ، فلما إستقصيت عن السبب ، وجدت أنه قد بلغهن خبر مقتل السلطان كوال دينق كوال المشهور ب : كول أدول ... بواسطة مليشيات جيراننا من المسيرية ، فهذا الأمير و الذي خلف والده السلطان دينق كوال أروب إستطاع ملء فراغ والده بصورة ممتازة ، بل تفوق على والده في بعض الجوانب و بالتحديد في مجال العدل في الحكم ، فطوال الأربعة عقود من حكمه لدينكا نقوك ، وصل عدله كل بيت ، فكان من الطبيعي أن تبكيه كل البيوت لفقده ، و الآن تفتقد المنطقة هذا البدر الذي أفل في زمان إكتماله ، إن منطقة أبيي ، تحتاج في الوقت الراهن من طبقة أهل السياسة و السلاطين أن يهرعوا إليها في أقرب وقت من أجل سد ثغرة السلطان كوال أدول التي ما تزال عصية على السد . . أن السودان يحتاج إلى أمثال السلطان علي دينار ، و الشيخ فرح ود تكتوك في حكمته ، و عمارة دنقس و عبدالله جماع في علو همتهم للخروج من معمة الحرب لرحاب السلام ، و تظل مظلة الحكم الرشيد هي أهم أسباب الخلود في التأريخ .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة