من خلال رصد دقيق لواقع منصات التواصل الاجتماعي السودانية خلال عام الحرب وما قبله، يظهر أن المحتوى المنشور يعكس جوانب متعددة من الشخصية السودانية وتنوع اهتماماتها. تُظهر المشاركة السياسية والحضور الكبير للوعي السياسي بين السودانيين من خلال التركيز على مواضيع مثل الديمقراطية، الحرية، والعدالة، ويعود ذلك إلى ما شهده السودان من أحداث سياسية مفصلية، خاصة منذ عام 2019. هذا الاهتمام يعكس انخراط المواطنين في قضايا وطنهم، وتوفر وسائل التواصل قناة مباشرة لطرح آرائهم وتعزيز الفكر السياسي بينهم. التعبير عن الثقافة والهوية يظهر بوضوح في تفاعل السودانيين مع فنون مثل "الدوبيت" والشعر العامي، إلى جانب تداول الأغاني والقصص التراثية، ما يعكس ارتباطًا عميقًا بالموروث الشعبي ومحاولات لخلق فضاء يربط الأجيال الجديدة بتراثها. كما أن استخدام السخرية كوسيلة للتعبير عن مواقفهم تجاه الأزمات يعكس قدرة الفرد السوداني على التكيف مع التحديات بآليات نفسية دفاعية تسهم في تخفيف الضغوط الحياتية، ويبرز استخدام الفكاهة في منشورات تتناول الشأن السياسي والاقتصادي. التضامن الاجتماعي والعمل الجماعي يظهران بوضوح من خلال انتشار المبادرات المجتمعية التي تهدف لدعم المتضررين من الأزمات الإنسانية. يعبر هذا النشاط عن رأس المال الاجتماعي القوي لدى السودانيين، حيث يجتمعون في أوقات الأزمات لدعم الصالح العام وتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة، مما يعزز من مشاعر الانتماء والتماسك الاجتماعي. أما تأثير العولمة والاحتكاك الثقافي، فيبدو واضحًا لدى الشباب، خاصة أولئك الذين يعيشون في الخارج أو يتفاعلون مع ثقافات أخرى، مما أدى إلى تغييرات في الأفكار المتعلقة بالحرية الشخصية والهوية، بالإضافة إلى اتباع بعض التوجهات الحديثة في اللباس والموسيقى. هذا التوجه يعكس انفتاح الأجيال الجديدة على التأثيرات الثقافية العالمية في ظل العولمة. قضايا الهوية والانتماء تشكل جزءًا كبيرًا من النقاشات على منصات التواصل، حيث يُستغل الفضاء الرقمي للتعبير عن قلق وجودي مرتبط بالانتماء وتحديد هوية السودان بين عمقه الإفريقي وجذوره العربية. تعكس هذه النقاشات مستوى من الصراع الداخلي بين مكونات الهوية، خاصة في ظل الخطاب المتزايد حول القومية والتنوع الثقافي. وأخيرًا، فإن التطلعات الشخصية والظروف الاقتصادية تشكل جزءًا رئيسيًا من الموضوعات المتداولة، حيث تعكس المنشورات اهتمام الأفراد بالسعي نحو تحسين أوضاعهم من خلال التعليم أو الهجرة. يعبر هذا الاتجاه عن إحباط متزايد تجاه الوضع الاقتصادي، ودفعًا قويًا نحو تحقيق طموحات شخصية تتعلق بالأمن الاقتصادي والمستقبل الأفضل. بهذا، تبرز الشخصية السودانية على وسائل التواصل الاجتماعي كتجسيد لتفاعل عوامل محلية وعالمية، تتسم بتقدير عالٍ للهوية الثقافية والوطنية، مع طموحات للتغيير الاجتماعي والاقتصادي، مما يجعلها شخصية متوازنة بين التمسك بالتراث والانفتاح على الأفكار الحديثة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير ابو الزهراء
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست