سوف نحسمها خلال ساعات ثم قالوا (ازبوع ازبوعين) وهاهي تكمل ال19 شهر حرب لا تبقي ولا تذر والصراع يستعر والدماء تنهمر والحرب ليست مجرد صراع بين جيوش بل هي محرقة تلتهم كل شيء حولها إنها تفرق بين الإخوة وتغذي نار الكراهية وتزرع ألغاماً من الشك في كل علاقة ومكان فتفكك الأسر وتدمي القلوب وتفرق المجتمعات ولا ينجو منها حتى من يحاول الابتعاد عنها. هذه الحرب التي نعانيها في بلادنا اليوم تجاوزت حدود المأساة وأصبح صوت القذائف هو الصوت السائد في مدننا. لقد مزقت مجتمعنا وعكرت صفو حياتنا وأصبح القريب بعيداً والصديق غريباً وأبناء البلد الواحد متصارعين على حق لا يملك أحدهم دون الآخر. ما زلنا نتحدث عن وطن واحد وجيش واحد شعب واحد ونسينا أننا من دمرنا وطننا بأيدينا وقتلنا شعبنا بسلاحنا، أطفالنا فقدوا براءتهم مبكراً وأصبحوا يكبرون وسط مشاهد الدمار والحزن ونساؤنا يحملن أثقال الحزن على أكتافهن فيما يحاول الشيوخ كتمان دموعهم أمام أبنائهم. إننا بحاجة للوقوف مع أنفسنا ومواجهة هذه الكارثة بصدق وأن ننظر إلى العواقب المدمرة التي تلحق بنا كشعب فكم من الموارد استنزفنا ..؟ وكم من الأرواح فقدنا ..؟ وكم من الفرص ضاعت من أجل صراعات لا تنتهي ..؟ الحرب ليست طريقاً للحل بل هي طريق إلى الجحيم وإذا لم ندرك ذلك الآن فقد يكون الوقت قد فات لنجد بقايا وطن يجمعنا. أوقفوا هذه الحرب فالسلام لا يعني الاستسلام أو الخضوع السلام يعني أن نحترم بعضنا أن نتحاور ونستمع وأن ندرك أن قوتنا الحقيقية تكمن في وحدتنا وتماسكنا لنحقق العدالة دون أن نهدم بيوتنا ولنبحث عن مستقبل أفضل دون أن نكون أعداء لأنفسنا. هذا النداء من قلب كل سوداني يتألم من شعب يريد أن يعيش بسلام من أجيال تتوق لمستقبل مليء بالأمل لا بالدخان والدمار والقتل والخراب. الحرب هي حالة من الفوضى والدمار تؤدي إلى ما هو أعمق من مجرد الخسائر المادية إذ تتسبب في سلسلة من الآثار السلبية التي تمتد عبر الأجيال وتلحق الضرر بكافة مناحي الحياة. الحرب تقسم المجتمعات وتزرع الفرقة بين أبناء الشعب الواحد فيتفكك النسيج الاجتماعي وتضعف روابط المحبة والأخوة ويبدأ الناس في تصنيف بعضهم على أسس قبلية أو مناطقية مما يؤدي إلى تجذر العداوات وتعميق الفجوات بينهم. الحرب تستهلك جميع موارد الدولة فتتوجه الأموال لشراء السلاح بدلًا من تحسين التعليم والصحة وتطوير البنية التحتية ويؤدي ذلك إلى تدهور الاقتصاد، وارتفاع معدلات البطالة وتضخم الأسعار وزيادة الفقر مما يجعل الحياة اليومية لا تطاق. الحرب تتسبب في نزوح ملايين الأشخاص الذين يفقدون بيوتهم وأعمالهم وسبل عيشهم ويعيش هؤلاء النازحون في ظروف إنسانية قاسية محاطين بالفقر والجوع والمرض حيث تعجز المساعدات الإنسانية عن تلبية احتياجاتهم المتزايدة. الحرب تحرم الأجيال الصاعدة من التعليم والاستقرار فتتكون لدى الأطفال والشباب عقد نفسية وذاكرة مليئة بالعنف وينشأ جيل تائه تسيطر عليه مشاعر الخوف والحقد جيل محروم من الفرص التي تضمن له مستقبلًا آمناً ومزدهراً. يتدهور النظام الصحي في ظل الحرب مما يؤدي إلى نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية ويصبح من الصعب تقديم الرعاية اللازمة للمصابين والمرضى ويموت الكثيرون بسبب أمراض كان من الممكن علاجها في ظل تراجع مستوى الرعاية الصحية. الحرب تزرع ثقافة العنف فيصبح اللجوء إلى القوة أسلوباً معتاداً لحل النزاعات ويتصاعد معدل الجرائم وانتشار السلاح بين الناس ويؤدي ذلك إلى حالة من عدم الاستقرار الأمني مما يجعل الحياة اليومية محفوفة بالمخاطر. الحرب تخلف آثاراً بيئية كارثية فالتلوث الناتج عن الدمار والتفجيرات واحتراق الوقود والأسلحة الكيميائية وبقايا الجثث كلها عوامل تؤدي إلى تلوث الهواء والماء وتدمير الأراضي الزراعية ما يؤثر سلبًا على صحة الإنسان وبيئته. الحرب تضعف الرموز الوطنية وتبهت معاني الانتماء حيث يشعر الناس بالخذلان من وطنهم وتتشتت الهوية الوطنية ويغلب الانتماء الضيق مما يضعف روح التضامن بين أبناء الشعب الواحد. الحرب تؤدي إلى فقدان الثقة بين الشعب وقادته فيتنامى الشعور بالخذلان من قبل الأطراف التي تدير الصراع تصبح كلمات (السلام) و(العدل) مجرد شعارات مفرغة من معناها مما يصعب بناء ثقة جديدة حتى بعد انتهاء الحرب. الحرب تخلق سلسلة معقدة من الآثار التي تمس حياة الجميع ولا تعود الأوضاع إلى طبيعتها بسهولة والسلام وحده هو القادر على أن يجلب الطمأنينة والكرامة للجميع ويعيد بناء المجتمع على أسس سليمة لذا يجب أن يدرك كل طرف في النزاع أن مواصلة الحرب ليست سبيلًا لتحقيق أي غاية نبيلة بل هي طريق يسير بنا جميعاً نحو الهاوية. هذه الحرب المدمرة التي تطحن شعبنا وتمزق أرضنا لم تترك لنا شيئاً إنها تمضي بنا في طريق مظلم قد ينتهي بنا إلى محو السودان من خريطة الوجود نحن أمام لحظة فارقة في تاريخ وطننا لحظة تحتاج إلى شجاعة ووعي وتضحية لأن استمرار الحرب يعني تدمير كل ما تبقى من أمل. تخيّل وطناً يختفي وشعباً يتبدد بين أركان العالم وأجيالاً لا تعرف أرض أجدادها. السودان الذي كان يوماً قلب إفريقيا ومهد الحضارات والثقافات على وشك أن يمحى من الذاكرة الجماعية إذا لم نوقف هذا الدمار وكل يوم تزداد الجروح وتتسع الهوة ويقترب وطننا من الانهيار الكامل. فإذا استمرت هذه الحرب سيأتي اليوم الذي لن نجد فيه سودانيين يتحدثون عن وطنهم لأنهم ببساطة سيكونون في شتات لا نهاية له وستختفي المدن والقرى وستنطفئ الحياة في الأرض الخصبة التي كانت تزرع المحبة والسلام ولن يبقى من السودان إلا ذكريات تتناقلها الأجيال في المنافي. إن من واجبنا أن نوقف هذه الحرب قبل أن نفقد بلداً يستحق أن يعيش في سلام قبل أن نفقد تاريخاً وحضارة وأرضاً كانت وستظل موطناً للسلام والتعايش. هذا نداء لكل من يحمل ذرة مسؤولية لكل من يدرك قيمة السودان لكل من يرى في وطنه روحاً تستحق البقاء. أوقفوا الحرب قبل أن يختفي السودان إلى الأبد. الجزيرة تنزف والسودان يضيع .. كفاية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة