هناك العديد من الفروقات بين الحقائق و الآراء ، و من ذلك أن الحقائق تتمتع بثبات نسبي ، فلا تتغير بسرعة ، فكون أن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت ؛ هذه حقيقة ، و قد أثبتها العلم ، و كون أن قانون الماء هو : الإنحدار إلى أسفل ، هذه حقيقة ، أثبتتها التجارب .. أما الرأي ، فهو مختلف تماماً عن الحقيقة ، فتعريفه عندي ، من خلال تجاربي في الحياة : أنه ؛ أمر أو شأن يتخذه الفرد أو الجهة المعينة في حال طلب مصلحة أو درء مفسدة .. فإذا حقق هذه المصلحة أو أستطاع درء هذه المفسدة من كل الوجوه ، فهو رأي ممتاز أو جيد جدا ، و إذا ، حقق هذه المصلحة من بعض الوجوه ، فهو : رأي حسن ، و إذا فشل في تحقيق هذه المصلحة من كل الوجوه فهو : رأي فطير . فمعيار قياس جودة الرأي هو : مدى مساهمته في تحقيق المصلحة التي طلب بها .. فنضرب لذلك هذا المثل : هب أن شاباً يدعي "زيد" قد عقد العزم ، في فترة من فترات حياته أن تكون "زبيدة" ، بنت الحي الذي يقطنه و البالغة من العمر عشرين عاما ، هي شريكة حياته المستقبلية المناسبة بدينها و أخلاقها ، و لكن ضيق ذات اليد ، أجبرت زيدا أن يغترب من أجل توفيق أوضاعه المادية ، فصارح محبوبته زبيدة بذلك ، و لكنه خيرها بين الوفاء بالعهد أو القبول بمن يتقدم لها من بعده إذا كان يتفوق عليه في الدين و الخلق ! فالقصد من الزواج هو زرع السعادة ، و لعل من يتفوق على زيد في الدين و الخلق يمكنه ملء فراغ زيد في قلب زبيدة !! سافر زيد و بعد خمس عشرة سنة عاد إلى الحي ، و على حسن حظه ، لم تعثر زبيدة على من يفوقه في الدين و الخلق طوال الفترة الماضية ، فتم زواج زيد و زبيدة ، و لكن ، رغبة كانت كامنة في نفس زيد ، دخلت على المعادلة الزوجية ، فزيد ، كانت من أهدافه من الزواج : تكوين أسرة كبيرة ، و هذا الهدف بلا شك ، يصطدم مع العمر الذي بلغته زوجته زبيدة ، و بالتالي ، فإن الزواج الناجح هذا سيحقق جزء من مصلحته ، أو قد حقق المصلحة من بعض الوجوه ، فرأي الزواج بزبيدة تحول من منظور معيار المصلحة من ممتاز و جيد جداً إلى حسن ، و من أجل ، تحقيق جل المصلحة ، فإن أمام زيد و زبيدة خيار الاتفاق على إتاحة الفرصة أمام زيد في المستقبل القريب أو البعيد حسب الاتفاق على أن يتزوج بأخرى من أجل تحقيق مصلحة زيد من كل الوجوه . فالآراء تقاس صلاحها أو فسادها بقدرتها على تحقيق المصالح أو درء المفاسد ؛ فالرأي القائل بتزويج البنات في سن مبكرة ، يقصد به من يطالبون به أن ذلك يحقق مصلحة بأن تكثر الذرية بالإنجاب المبكر من ناحية ، و يدرء عن البنت مفسدة المعاناة المستقبلية من ظاهرة العنوسة أو فوات فترة الإنجاب على البنت قبل الزواج. و لما كان الرأي محكوم بالزمان و المكان و الظروف المحيطة ، فمن الخطل إجراء محاكمات آنية للكتاب و أهل الفكر على آراء سابقة في قضايا سابقة كانت محكومة بأحوال و ظروف معينة ، و الصحيح أن يحاكموا في ذلك الزمان المعين و ليس بعده .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة