- في خضم الحرب التي تلتهم الأخضر واليابس في السودان، نشأت ظاهرة جديدة تضاف إلى مآسي الصراع، وهي ظاهرة الأسواق السوداء التي تزدهر على أنقاض البيوت المدمرة ودموع المشردين، فبينما يتصارع طرفا النزاع على السلطة، يتصارع المواطنون البسطاء على بقاء لقمة عيشهم، في مشهد مأساوي يعكس حجم الدمار الذي لحق بالبلاد، كانت ممتلكات السودانيين، التي بناها الأجداد وعمل عليها الآباء، هدفًا سهلًا للنهب والسرقة، فمع انعدام الأمن وانتشار الفوضى، تحولت الأحياء السكنية إلى ساحات حرب، والبيوت إلى مغانم حرب، لم يسلم شيء من براثن اللصوص والنهّابين، فالأجهزة الكهربائية والأثاث وحتى محتويات المتاحف لم تسلم من أيديهم، ولم تقتصر هذه الجرائم على طرف واحد في الصراع، بل امتدت لتشمل كلا الطرفين، فبينما اشتهرت قوات الدعم السريع بعمليات النهب المنظمة، لم يخلُ الجيش من عناصر مارست نفس الأفعال الشنيعة، وفي ظل غياب سيادة القانون وانتشار الفساد، ازدهرت أسواق سوداء في مختلف أنحاء البلاد، تعرض فيها المسروقات بأثمان بخسة، وسط غياب تام للإجراءات القانونية، في أم درمان، تحولت بعض الأحياء إلى بؤر للنشاط الإجرامي، فقد شهدت أحياء قديمة مثل كرري وشمال أم درمان موجات من السرقة والنهب، حيث تعرضت المنازل للاقتحام ونهب محتوياتها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى الاعتداء على المواطنين وتهديدهم بالسلاح، ورغم الشكاوى المتكررة من المواطنين، إلا أن السلطات الأمنية لم تتحرك بشكل جاد للحد من هذه الظاهرة، فمع انشغالها بأعمال القتال، تركت المجال مفتوحًا أمام العصابات الإجرامية للعمل بحرية، ولم يقتصر الأمر على المواطنين العاديين، بل امتد إلى المؤسسات العامة، حيث تعرضت بعض المرافق الحكومية للنهب والسرقة، وفي ظل هذا الوضع المزرى، يئس المواطنون من اللجوء إلى القضاء، وباتوا يعتمدون على أنفسهم لحماية ممتلكاتهم، تلك هي الحقيقة المرة للحرب السودانية، حرب لا تدمر البنية التحتية فحسب، بل تدمر أيضًا القيم والأخلاق، وتزرع بذور الكراهية والانتقام في نفوس الناس، فبينما يتصارع القادة على السلطة، يدفع المواطنون الثمن الأغلى، ويحصدون ويلات الحرب، يبقى السؤال: إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وإلى متى سيظل المواطنون السودانيون يعانون من ويلات الحرب والنهب والسرقة؟ هل ستتمكن القوى السياسية المتصارعة من التوصل إلى حل سلمي ينهي هذا الصراع، أم ستستمر البلاد في الانزلاق نحو المزيد من الدمار والخراب؟ هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن اوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي: أقف هنا، وأنا أشاهد دمار بلادي الحبيبة، السودان، يتسع يوماً بعد يوم، الحرب التي أشعلت فتيلها الطموحات الشخصية والنزاعات على السلطة، قد حولت وطننا إلى ساحة حرب، وأهلنا إلى لاجئين في ديارهم، أذكر جيداً ذلك اليوم الذي التقيت فيه بأحد اللاجئين من إحدى المناطق التي تشهد اشتباكات عنيفة، كان وجهه شاحباً، وعيناه تحملان بريق الحزن واليأس، أخبرني أن قادة المليشيا المتمردة لا يدفعون لجنودهم رواتب، بل يشجعونهم على نهب ممتلكات المدنيين، واصفاً إياهم بالمرتزقة الذين لا يقاتلون إلا من أجل الغنائم، تلك الكلمات أثرت فيّ كثيراً، فكيف لشعب واحد أن يرتكب مثل هذه الجرائم بحق إخوانه؟ كيف يصبح الإنسان بهذه القسوة والوحشية؟ أدركت حينها أن الحرب لا تولد الأبطال فحسب، بل تولد أيضاً الوحوش، وأن الغريزة الحيوانية قد تغلب على الإنسانية في أوقات الشدة، ولم يقتصر الأمر على مرتزقة المليشيا المتمردة، بل امتد إلى بعض العناصر في القوات المسلحة، فقد سمعت قصصاً كثيرة عن جنود نهبوا ممتلكات المواطنين في المناطق التي حرروها، مدعين أنهم يحصلون على غنائم حرب، ولكن أي غنيمة هذه التي تُؤخذ من أهلنا وشعبنا؟ أشعر بالأسى والحزن الشديد لما آلت إليه أوضاع بلادي، فبعد أن كنا شعباً واحداً متكاتفاً، أصبحنا أعداءً نتصارع على القتل والنهب، أخشى أن تكون هذه الحرب قد تركت جروحاً عميقة في نفوسنا، ستحتاج سنوات طويلة لكي تندمل، وأتساءل دائماً: متى ستنتهي هذه الحرب؟ ومتى سنعود إلى الحياة الطبيعية؟ ومتى سنعيد بناء وطننا من جديد؟ أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابة شافية، ولكنني على يقين بأننا سنتمكن يوماً ما من تجاوز هذه المحنة، وأننا سنبني سوداناً جديداً قوياً ومتحداً.. I am certain that one day we will be able to overcome this ordeal, and that we will build a new, strong and united Sudan وعلى قول جدتي: "دقي يا مزيكا !!". خروج: "صوتي أنا.. صدى ثورة لم يزل يرن" ففي خضمّ أحداثٍ تاريخيةٍ حافلةٍ بالصمود والتحدي، وفي لحظةٍ فارقةٍ من تاريخ بلادي السودان، ارتفع صوتٌ نسائيٌّ عذبٌ يرنّ صداه في أرجاء الوطن، صوتٌ حمل في طياته آمالاً وطموحاتٍ، وأضاء دروب المستقبل بنور المعرفة والتغيير، صوتٌ هو صوتي أنا، صوت المرأة السودانية الحرة، في هذا الشهر العظيم، شهر أكتوبر، شهر الثورة والتغيير، أطلّت على عالمنا مجلةٌ فريدةٌ، مجلةٌ حملت اسمهن، مجلةٌ جسّدت هويتهن كانت تلك المجلة بمثابة الولادة من جديد، ولادةً لأملٍ جديدٍ، ولحياةٍ أفضل، لقد كانت هذه المجلة أكثر من مجرد مجموعة من الأوراق المطبوعة، بل كانت صرخةً مدويةً تطالب بالعدالة والمساواة والكرامة، أتذكر جيداً ذلك اليوم الذي أُعلن فيه عن المجلة، كان يومًا مشهودًا، يومًا احتفلن فيه بانتصار الإرادة النسائية، وانتصار الحلم السوداني، لقد كانت فكرة الكتابة عن إصدار هذه المجلة تراودني منذ زمنٍ بعيد، ولكنني كنت أنتظر اللحظة المناسبة لكي أترجم هذه الفكرة إلى واقع لتهنئة نخبةٌ من الكاتبات والمثقفات السودانيات، اللاتي آمنّ بضرورة إطلاق صوت المرأة السودانية، وإبراز دورها في بناء المجتمع، لقد كنّ شريكات في النجاح، وعلى تحقيق حلمهن، تضمنت المجلة مجموعةً متنوعةً من المقالات والأشعار التي تناولت قضايا المرأة السودانية المعاصرة، من قضايا سياسية واقتصادية إلى قضايا اجتماعية وثقافية، وقد حرصن على أن تكون هذه المقالات مكتوبة بلغةٍ سلسةٍ وواضحة، بحيث تصل إلى أكبر شريحة ممكنة من القراء، لم تقتصر أهمية المجلة على السودان فقط، بل امتدت لتشمل العالم العربي والعالم أجمع، فقد لاقت المجلة اهتمامًا واسعًا من قبل النقاد والمثقفين، وحظيت بتغطية إعلامية واسعة، إن إصدار مجلة "صوتي أنا" كان بمثابة إنجازٍ كبير بالنسبة لهن، ولكني أدرك جيدًا أن هذا الإنجاز ليس سوى بداية الطريق، فما زال أمامهن الكثير من العمل، والكثير من التحديات التي يجب أن تواجههن، إنني أؤمن بأن صوت المرأة السودانية هو صوت قوي وفاعل، وأنهن قادرون على تحقيق الكثير من الإنجازات، شريطة أن تتوحد صفوفهن، وأن يعملن جميعًا من أجل تحقيق هدف واحد، وهو بناء سودانٍ جديدٍ، سودانٍ يسوده العدل والمساواة والكرامة.. #أوقفوا_الحرب ولن أزيد ،، والسلام ختام. [email protected] - @drosmanelwajeeh
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة