- في خضم الحرب التي اجتاحت السودان، حيث تتناثر الدماء وتعم الفوضى، كانت هناك حرب أخرى تخوض، حرب على المال العام، حرب خفية، تدور رحاها في أروقة السلطة، بعيداً عن أعين الشعب الجريح، في وزارة الداخلية، تلك المؤسسة التي يفترض بها حماية الوطن والمواطن، كانت شبكة من الفساد تنشئ لنفسها مملكة مظلمة، كانت هذه الشبكة بقيادة مديرة الإدارة العامة للمشروعات والشئون الهندسية بالإنابة، امرأة تسولت السلطة واستغلت الظروف العصيبة للبلاد لتنفيذ مخططاتها الشيطانية، بمكر شديد، قامت هذه المديرة بإبعاد الكفاءات الهندسية، تلك العقول النيرة التي كانت ستكشف حيلها، ثم تقدمت بخطوات ثابتة نحو هدفها، متجاوزة كل القوانين والأعراف، لتستلم بنفسها المواد والبضائع من المقاولين، دون أن يجرؤ أحد على مساءلتها، كانت هذه المديرة تعمل كعضو في عصابة منظمة، تتألف من مجموعة من الشركات المشبوهة، والتي اختارتها بعناية فائقة لتكون شركاء لها في الجريمة، كانت هذه الشركات، مثل "شركة الحسناء أسراء" و"أعمال الصافي السائق" و"شركة قطاف"، تستغل الظروف الحالية لنهب المال العام، متسترين خلف غطاء الحرب والفساد المستشري، كانت هذه العصابة تعمل كآلة واحدة، متكاتفة ومتآمرة، لتحويل أموال الشعب إلى جيوبها الخاصة، كانت تسرق من جيوب الأبرياء، من الفقراء والمحتاجين، في الوقت الذي كانت فيه البلاد تواجه أزمة إنسانية حادة، لقد كانت هذه الجريمة أكبر من أن تتجاهل، فالمبلغ المسروق كان خياليا، يقدر بمئات الملايين من الجنيهات، هذا المبلغ كان كافيا لبناء مستشفيات ومدارس، لتوفير المياه والكهرباء للمواطنين، ولكن تم استخدامه لشراء الرفاهية الفردية، لقد كانت هذه الجريمة بمثابة طعنة غادرة في ظهر الوطن، في وقت كان فيه الوطن يئن تحت وطأة الحرب، لقد كانت هذه الجريمة جريمة ضد الإنسانية، جريمة ضد المستقبل، ولكن، هل ستبقى هذه الجريمة دون عقاب؟ هل سيظل الفاسدون طلقاء؟ أم أن العدالة ستنتصر في النهاية؟ إن هذه القصة هي قصة حقيقية، قصة مأساوية، قصة تكرر آلاف المرات في بلدان العالم الثالث، قصة تذكرنا بأن الفساد هو سرطان يأكل في أوصال المجتمع، ويقوض أركان الدولة، إن مكافحة الفساد ليست مهمة سهلة، ولكنها ضرورية لبناء مجتمع عادل ومزدهر، علينا جميعاً أن نعمل معاً للقضاء على هذا الوباء، وأن نحاسب كل من يمس بأموال الشعب، إننا ندعو الله أن يحفظ السودان وشعبه، وأن يلهم قيادته الحكمة والعقلانية، وأن يوفقهم في بناء دولة قوية وعادلة.. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن اوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي: كان السودان ذات يوم سلة غذاء إفريقيا، بلدًا يتمتع بثروات طبيعية هائلة وتاريخ عريق، ولكن مع صعود نظام الإنقاذ بقيادة عمر البشير إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 1989، بدأت تتلاشى أحلام هذا البلد وتحل محلها كابوس الفساد والفقر، حكم البشير السودان بقبضة من حديد لمدة ثلاثين عامًا، خلالها نهب خيرات البلاد وأفقر الشعب، حتى أطاح به ثورة شعبية عارمة عام 2019، بعد أن استولى البشير على السلطة، بدأ على الفور في بناء نظام فاسد يخدم مصالحه ومصالح حاشيته الضيقة، تم تهميش المؤسسات الديمقراطية واستبدالها بنظام حكم شمولي يعتمد على القمع والترهيب، تم توزيع المناصب الحكومية على المقربين من النظام، الذين استغلوا سلطاتهم لنهب المال العام وتخصيص المشاريع الحكومية لأنفسهم وأصدقائهم، لم يقتصر الفساد في عهد البشير على الطبقة السياسية، بل شمل كل مناحي الحياة، فقد انتشر الفساد في القطاعات الاقتصادية، حيث تم بيع الشركات العامة بأسعار بخسة للأشخاص المقربين من النظام، وتم تهريب الموارد الطبيعية للبلاد إلى الخارج، كما انتشر الفساد في القطاع العام، حيث أصبح الحصول على الخدمات الحكومية مشروطًا بالرشوة والمحسوبية، أدى الفساد المستشري في السودان إلى تدمير البنية التحتية للبلاد، وتدهور الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، كما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية، وانتشار الصراعات المسلحة في العديد من مناطق البلاد، وفي نهاية المطاف، لم يستطع الشعب السوداني تحمل المزيد من الفساد والظلم، وخرج في ثورة شعبية عارمة أطاحت بنظام البشير. كانت هذه الثورة بمثابة بداية جديدة للسودان، حيث يأمل الشعب في بناء دولة ديمقراطية عادلة ومزدهرة، ومع ذلك، فإن طريق السودان نحو المستقبل لن يكون مفروشًا بالورود، فالتحديات التي تواجه البلاد كبيرة ومتعددة، من بينها مكافحة الفساد المستشري، وبناء مؤسسات دولة قوية، وتحقيق المصالحة الوطنية، قصة الفساد في السودان هي قصة مؤلمة، ولكنها أيضًا قصة أمل، فالشعب السوداني أثبت للعالم أنه قادر على التغيير، وأنه لن يستسلم لمحاولات قمع إرادته..The story of corruption in Sudan is a painful story, but it is also a story of hope. The Sudanese people have proven to the world that they are capable of change, and that they will not surrender to attempts to suppress their will. وعلى قول جدتي: "دقي يا مزيكا !!". خروج : "سطو على الحقيقة" ففي خضم الحرب التي تمزق السودان، حيث تتناثر الدماء وتعم الفوضى، كانت هناك حرب أخرى تخوض، حرب على الحقيقة، حرب تستهدف صوت الحقيقة، صوت الصحفي الذي يوثق المعاناة ويفضح الظلم، ففي مدينة نيالا، جنوب دارفور، وقعت جريمة جديدة تضاف إلى سجل جرائم الحرب، ففي خطوة استفزازية وغير مسبوقة، صادرت مليشيا الدعم السريع المتمردة، منزل الصحفي أشرف عمر، تنفيذاً لأمر مباشر من قائدها الثاني، عبد الرحيم دقلو، لم تكن هذه مجرد مصادرة لممتلكات، بل كانت رسالة واضحة المعالم، رسالة تهديد لكل من يحاول رفع صوته، لكل من يحاول فضح جرائم هذه القوات، كانت رسالة مفادها أن القلم سلاح خطير، وأنهم مستعدون لاستخدام كل الوسائل للقضاء عليه، حيث أصدرت نقابة الصحفيين السودانيين بياناً شديد اللهجة، استنكرت فيه هذا الاعتداء السافر على حرية الصحافة وحقوق الإنسان، وأكدت النقابة أن هذه الجريمة هي حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تمارسها قوات الدعم السريع ضد المدنيين والصحفيين على حد سواء، لقد أصبحت منازل الصحفيين وممتلكاتهم هدفاً سهلاً لهذه القوات، التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى إسكات الأصوات الحرة وتخويف المدنيين، ففي ظل غياب القانون والعدالة، أصبح المواطن السوداني يعيش في رعب دائم، يخشى على نفسه وعلى ممتلكاته، إن ما يحدث في السودان هو جريمة ضد الإنسانية، جريمة يجب ألا تمر مرور الكرام، فالصحفيون ليسوا أهدافاً سهلة، بل هم حراس الحقيقة، هم الذين يوثقون المعاناة ويعكسون صورة الواقع كما هو، إننا ندعو المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى التحرك العاجل لوقف هذه الانتهاكات، ومحاسبة مرتكبيها، كما ندعو كل الأحرار في العالم إلى التضامن مع الشعب السوداني، ودعم نضاله من أجل الحرية والكرامة، إننا على يقين بأن الحقيقة ستنتصر في النهاية، وأن الظلم لا يدوم. فمهما حاول الظالمون إسكات الأصوات الحرة، فإن صوت الحقيقة سيظل يصدح عالياً.. #أوقفوا_الحرب ولن أزيد ،، والسلام ختام. [email protected] - @drosmanelwajeeh
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة