اتفاقية عنتيبي (الإطار التعاوني لحوض النيل) تُعد مصدر جدل طويل بين دول حوض النيل، خاصة بين الدول التي تعتمد بشكل كبير على مياه النيل، مثل مصر والسودان، والدول المنبع التي تطمح لزيادة استخدامها للمياه. النقاش حول هذه الاتفاقية مستمر منذ توقيعها في 2010، حيث تركز على قضايا توزيع مياه النيل بين الدول المشاطئة. مضمون السجال موقف السودان ومصر الدولتان ترفضان الاتفاقية لأنها لا تعترف بحصص المياه التاريخية التي تستند إلى اتفاقيات قديمة (مثل اتفاقية 1959). ويعتبر السودان ومصر أن هذه الاتفاقية تتعارض مع القانون الدولي العرفي للمياه الدولية. كما يرون أن تشكيل مفوضية حوض النيل المنبثقة عن عنتيبي لا يمثل كافة دول الحوض، وبالتالي لا يمكن إلزامهم بالاتفاقية دون موافقتهم. موقف الدول المؤيدة لاتفاقية عنتيبي , أن الدول الموقعة على الاتفاقية (إثيوبيا، أوغندا، رواندا، تنزانيا، بوروندي، وجنوب السودان لاحقًا) ترى أن الاتفاقية تضمن الاستخدام "العادل والمعقول" لمياه النيل، وأنها تعطي الدول المنبع المزيد من السيطرة على مياه النيل بدلًا من التقيد بالاتفاقيات التاريخية. أثر السودان في الجدل الدائر ورغم الأوضاع السياسية غير المستقرة في السودان، إلا أن موقفه الرافض لاتفاقية عنتيبي لم يتغير. السودان، إلى جانب مصر، يعتمد بشكل كبير على مياه النيل للحياة اليومية والزراعة، وبالتالي أي تغيير في توزيع المياه يؤثر مباشرة على اقتصاده وأمنه المائي. بالإضافة إلى ذلك، يحاول السودان استخدام القانون الدولي للدفاع عن موقفه، مستندًا إلى اتفاقيات الأمم المتحدة حول استخدام المياه الدولية المشتركة. كما أن الوضع السياسي الحالي في السودان قد يقلل من تأثيره المباشر في المفاوضات الدبلوماسية حول الاتفاقية، لكن موقفه الاستراتيجي لا يزال يعزز من تحالفه مع مصر، ما يعزز من معارضة الاتفاقية على المستوى الدولي. الجانب القانوني أحد النقاط التي أكد عليها الخبير الدولي د. أحمد المفتي هو أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لسنة 1997 تظل ملزمة لجميع الدول، بما في ذلك تلك التي لم توقع على اتفاقية عنتيبي. هذه الاتفاقية تحمي حقوق جميع الدول المشاطئة وتضمن الحفاظ على توازن المصالح بين الدول المنبع والدول المصب. رغم دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ بعد مصادقة جوبا عليها، إلا أن تأثيرها العملي على السودان ومصر محدود في الوقت الراهن بسبب عدم موافقتهما. الصراع المستمر حول مياه النيل سيظل تحديًا مستمرًا لدول الحوض، حيث يعتمد الحل على التفاوض المستمر ومحاولة تحقيق التوازن بين مصالح دول المنبع والمصب موافقة جنوب السودان على الانضمام لاتفاقية عنتيبي في يوليو 2024 رغم التعاون المصري الوثيق معها في عدة مجالات يعكس مصالحها الوطنية الخاصة بمياه النيل، وليس بالضرورة تعبيراً عن انحياز عرقي أو سياسي ضد العرب أو تحالفاً مع الدول الإفريقية على أساس عرقي. أسباب موافقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي- احتياجات تنموية مستقلة جنوب السودان، كدولة ناشئة، تحتاج إلى تنمية بنيتها التحتية ومواردها المائية لتلبية احتياجات سكانها من الزراعة والطاقة. انضمامها إلى اتفاقية عنتيبي يمنحها حرية أكبر في استخدام مياه النيل لتنفيذ مشاريعها التنموية. رغم التعاون المصري، جنوب السودان لديها أولويات تنموية خاصة تتعلق بالاستخدام الفعال للمياه، وتعتقد أن الاتفاقية تمنحها مزيداً من الحقوق والمرونة مقارنة باتفاقيات سابقة. التوافق مع الدول الإفريقية و انضمام جوبا يعزز علاقاتها مع الدول المنبع الإفريقية الأخرى التي تسعى أيضاً إلى استغلال مياه النيل في مشاريعها التنموية. هذه الدول ترى أن الأنظمة المائية القديمة (مثل اتفاقية 1959) تمنح مصر والسودان النصيب الأكبر من المياه بشكل غير عادل. أثر الضغط الإقليمي ويقال أن جنوب السودان قد تكون تعرضت لضغوط سياسية أو اقتصادية من الدول الإفريقية الأخرى المنضمة لاتفاقية عنتيبي. تعزيز التعاون الإقليمي مع الدول الإفريقية قد يكون حافزًا اقتصاديًا واستراتيجيًا لها، خصوصًا وأن الدول الكبرى في إفريقيا مثل إثيوبيا لها نفوذ قوي في المنطقة. السيادة الوطنية بعد استقلالها في 2011، جنوب السودان تسعى لتعزيز سيادتها على الموارد الطبيعية، بما في ذلك مياه النيل. الانضمام لاتفاقية عنتيبي يمثل تأكيدًا على حقها السيادي في استخدام مياه النيل بشكل مستقل عن المواقف المصرية أو السودانية. مسألة "مناصرة الأفارقة على العرب"؟! التفكير بمنطق بسيط عن "مناصرة الأفارقة ضد العرب" لا يعكس بدقة العلاقات الجيوسياسية في القارة الإفريقية. الصراع حول مياه النيل هو في الأساس حول حقوق الدول في استخدام الموارد الطبيعية والتنمية الاقتصادية. العلاقات بين الدول الإفريقية (بما فيها جنوب السودان) والدول العربية (مثل مصر) تستند إلى عوامل اقتصادية، دبلوماسية، واستراتيجية معقدة، وليس فقط إلى قضايا عرقية. جنوب السودان تعتبر نفسها دولة إفريقية في المقام الأول، ومصالحها قد تتماشى أحيانًا مع مصالح دول المنبع الإفريقية الأخرى مثل إثيوبيا. ومع ذلك، لا يعني هذا عداءً مباشراً أو انحيازاً ضد مصر أو العرب، بل هو انعكاس لرغبة جنوب السودان في تعزيز قدراتها التنموية. موافقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي تعود لمصالحها السيادية والتنموية، وليس بالضرورة دليلاً على مناصرة الأفارقة ضد العرب. التحالفات في هذا السياق تعتمد على الاحتياجات الاقتصادية والسياسية لكل دولة، وليس الانتماءات العرقية.
.
موضوع اتفاقية عنتيبي والصراع حول مياه النيل جذب اهتمام العديد من الباحثين والخبراء، وتمت مناقشته في كتابات وأبحاث عديدة باللغة العربية والإنجليزية. فيما يلي بعض من أبرز الكتب والمقالات التي تناولت فوائد الاتفاقية وأوجه الاعتراض عليها:
الكتب والمقالات باللغة العربية --- "المياه الدولية: دراسة قانونية للاتفاقيات والأزمات المائية" - د. أحمد المفتي
يعرض الكتاب رؤية شاملة حول القوانين الدولية المتعلقة بالمياه المشتركة. يتناول د. أحمد المفتي موقف السودان ومصر من اتفاقية عنتيبي ويوضح العيوب القانونية التي يراها في الاتفاقية، مثل مخالفتها لاتفاقيات سابقة والمبادئ العامة للقانون الدولي للمياه. \ "نهر النيل: الأبعاد السياسية والقانونية والاقتصادية للصراع المائي" - د. هاني رسلان
يناقش الكتاب قضية الصراع على مياه النيل بين دول المنبع والمصب ويقدم تحليلاً شاملاً لأثر اتفاقية عنتيبي على العلاقات بين مصر والسودان ودول حوض النيل. رسلان يعتبر أن الاتفاقية تقوض مصالح مصر والسودان الحيوية."مياه النيل: تحديات وإشكاليات" - تحرير: مصطفى كمال طه
هذا الكتاب يسلط الضوء على القضايا القانونية والدبلوماسية المتعلقة بنهر النيل، ويحلل المواقف المختلفة للدول الأعضاء في حوض النيل. يقدم الكتاب مقارنات بين فوائد الاتفاقية والمخاطر المحتملة على الدول المصب. الكتب والمقالات باللغة الإنجليزية: "The Nile: Sharing a Scarce Resource" - John Waterbury
هذا الكتاب يعتبر مرجعًا مهمًا لفهم تاريخ ونزاعات توزيع مياه نهر النيل. يناقش الكاتب الفوائد والتحديات التي تواجه دول المنبع والمصب، ويتناول اتفاقية عنتيبي كجزء من الصراع حول الاستخدام العادل للمياه. "The Nile Basin: National Determinants of Collective Action" - John Waterbury يتناول هذا الكتاب الديناميكيات السياسية والاقتصادية التي تتحكم في قرارات دول حوض النيل. Waterbury يناقش كيف يمكن للدول أن تعمل معًا في إدارة المياه المشتركة، ويستعرض تحديات التعاون بين دول المنبع ودول المصب. "Hydropolitics in the Nile Basin: Understanding the Conflict and Cooperation Dynamics" - Ana Elisa Cascão هذا الكتاب يوفر تحليلاً معمقًا للتفاعلات بين دول حوض النيل، ويتناول كيف تؤثر اتفاقية عنتيبي على الديناميكيات الإقليمية. يناقش الكتاب فوائد الاتفاقية للدول المنبع ويستعرض اعتراضات الدول المصب، خاصة مصر والسودان. "The Nile Waters: Between Conflict and Cooperation" - Tafesse Tadesse يناقش الكتاب النزاعات حول مياه النيل، ويركز على اتفاقية عنتيبي وتداعياتها. Tafesse يقدم وجهات نظر دول المنبع التي ترى أن الاتفاقية تمثل إنصافاً لها، بينما يعرض أيضاً المواقف المعارضة من جانب مصر والسودان. المقالات الأكاديمية ---- "The Nile Conflict: The Benefits of Cooperation" - Environmental Change and Security Program Report (ECSP) يقدم هذا التقرير نظرة على الفوائد الاقتصادية والبيئية التي يمكن أن تحققها الدول من التعاون الإقليمي، مع التركيز على اتفاقية عنتيبي كأداة لتعاون محتمل بدلاً من الصراع. "The Grand Ethiopian Renaissance Dam and Nile Basin Cooperation" - Journal of Water Resources Planning and Management:
يناقش هذا المقال تأثير سد النهضة الإثيوبي على العلاقات بين دول حوض النيل وكيف يمكن لاتفاقية عنتيبي أن تلعب دوراً في تنظيم استخدام مياه النيل بشكل منصف. الكتب الأكثر تأثيراً: "The Nile Basin: National Determinants of Collective Action" لـ John Waterbury يُعتبر من أفضل الكتب التي تقدم دراسة شاملة عن نهر النيل والصراعات حوله. "Hydropolitics in the Nile Basin" لـ Ana Elisa Cascão يعد من المراجع الأساسية لفهم الديناميكيات السياسية المائية في حوض النيل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة