* تطالب تغريدة غرَّدها أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس محمد بن زايد الإماراتي، في الثاني من أكتوبر الجاري، تطالب بضرورة استعادة مفهوم الدولة الوطنية، وتجاوز زمن الميليشيات باعتبار زمن الميليشيات قد كلّف العرب كثيراً!
* و أنور قرقاش هذا ليس مستشاراً دبلوماسياً، فقط، في الدولة الإماراتية، إنما هو مستشار وخبير أمني خطير في شأن دولة الإمارات عموماً، وهو من المقربين جداً لمحمد بن زايد.. و دائماً ما يعبِّر رأي قرقاش عن رأي بن زايد.. وفي عموم تغريدات قرقاش دلالات على أنها تغريدات سيدِه محمدبن زايد..
* لكن ماذا يعني قرقاش بمفردة (زمن الميليشيات)؟ و متى بدأ ذلك الزمن و كيف ينتهي ليبدأ إحلال زمن الدولة الوطنية محلَه؟ ثم هل يمكن إدراج دولة (إماراتِ محمد بن زايد) في مصاف الدول الوطنية؟ وما علاقة تلك الفكرة بالخارطة الجديدة للشرق الاوسط التي يخطط لها نتنياهو بمساعدة جو بايدن في جنوب لبنان وغزة لتقزيم دور حزب الله ودور حماس و آخرون في العمل السياسي العربي؟
* من المستبعد أن تكون الرسالة موجهة إلى حماس وحزب الله و الحوثيين والجماعات المقاومة الأخرى في شكل طلبٍ صريحٍ أو في أمرٍ قاطعٍ بالكفِّ عن تكويناتها الميليشياوية و النأي عن المقاومة.. ذلك لأن العلاقة بين تلك الجماعات المقاومة وبين الإمارات هي العلاقة التي تجدها بين المنشار والخشب!
* وقديماً قال أبو العتاهية: " إذا ماشئتَ أن تُعصى فمُر من ليس يرجوكا وسَّلْ من ليس يخشاكَ. فيُدمى عندها فُوكا.. "
* لكن من المرجّح أن تكون الرسالة موجهة للأسرة الحاكمة.. إذ يُقال أن ثمة ململة تحدث داخل بيت آل زايد وأن شيئاً من الاستياء بدأ يطفو هناك جراء تصرفات محمد بن زايد وإقحاماته لدولة الإمارات في مطبات خارجية غير محمودة العواقب..
* و تكشف هذه التغريدة الخطوط الإستراتيجية (الجديدة)، في صورة موحية، وكأنها موجهة إلى جهات عديدة، ومن ضمنها آل البيت، كما ذكرتُ.. لكن الأكثر إحتمالاً هو أن تكون الرسالة موجهة إلى جميع الميليشيات التي تحركها الإمارات في السودان وليبيا وسوريا واليمن.. وهي رسالة فيها إحاطة بفك الارتباط بين الإمارات وتلك الميليشيات، ومن ثم قطع الدعم اللا محدود عنها على نحوٍ ما..
* وهذه التغريدة إعلانٌ يفصح عن عودة الإمارات إلى الرشدِ (مُكرَهةً) بعد جنونٍ و جموحٍ حيناً من الدهر، بعيداً عن مفهوم الدولة.. إلا أن إرادة الشعب السوداني هي التي أكرهت (إمارات محمد بن زايد) على التفكير في الجنوح إلى التفكير في تبني مفهوم الدولة الوطنية الآن.. فإنتصارات إرادة الشعب السوداني، الممثلة في القوات المسلحة و القوات المشتركة والمستنفرين، قد أوصلت بن زايد إلى قناعة فحواها أن حرب ميليشياته، في عمومها، قد كلفت الإمارات كثيراً جداً، وأن حرب ميليشيا الجنجويد، بالذات، هي الطامة الكبرى التي ألحقت بالإمارات خسائر لا تعوَّض، مادياًّ ومعنوياً، ولم يعد هناك مكان على وجه البسيطة تخفي فيه العار الذي يتلبسها....
* حقيقةً إن حرب ميليشيا الجنجويد ضد إرادة الشعب السوداني قد كلفت الإمارات أكثر بكثير مما يخطر على البال.. وأن (الجايات) من خسائرها في السودان أكتر من (الرايحات)..
* شاهدتُ عدداً من الفيديوهات تستعرض مناطق كانت ميليشيا الجنجويد قد اتخذتها مستودعات لأشرس أسلحتها و ملاذا آمنا لاعظم ما لديها من شاحنات ومدرعات وراجمات وكاتيوشا وصرصر وثنائيات.. و مخازن بمثابة بنوك تضم ملايين الدولارات نقداً ومليارات الجنيهات السودانية مُعَدة للصرف على المرتزقة والمتعاونين..
* كل هذه كانت ملكاً لميليشيا الجنجويد، لكنها آلت الآن لحكومة السودان.. وهي في الحفظ والمصون الآن..
* (فبأي آلا ربكما تكذبان)!
* هذا، من الناحية المادية، أما من الناحية المعنوية فقد (شلَّحَت) الحكومة السودانية وعرَّت (إمارات محمد بن زايد) شلحاتٍ وتعرياتٍ لم تعهدهما من قبل.. شلحتها من على البُعد حول مفاوضات جنيف الموؤدة.. وعرّتها داخل مجلس الأمن و في جلسات الأمم المتحدة.. ولا تزال تعريها في كل المنتديات الاقليمية والدولية.. و بعد أن كانت جرائم إمارات محمد بن زايد في سوريا وليبيا واليمن مسكوتاً عنها تماماً، صارت الآن على كل لسان..
*نعم، الحروب والأزمات التي أشعلت الإمارات في المنطقة العربية والإقليمية قد كلفتها الكثير.. و هددت وتهدد أمن المنطقة، بل وتهدد حتى وجود خارطة المنطقة على النَسَق الذي رسمته (اتفاقية سايس-بيكو )عام ١٩١٦، ثم توسعت و مزقت المنطقة العربية على النحو الذي هي عليه الآن.. و ربما أزالت الخارطة الجديدة دولتكم من على وجه البسيطة..
* وقصارى تفسير ما جاء في تغريدة قرقاش أن محمد بن زايد (دقَّ القيف) عندما (هَبَش) السودان.. وهذا ما نلمسه في تغريدة قرقاش!
* لا خيار أمامكم، يامحمد يا إبن زايد، سوى أن تفهموا حجم دولتكم الحقيقي و أن تستعيدوا "مفهوم الدولة الوطنية" إستعادة جدية.. وأن تحترموا سيادة واستقلال الدول الأحرى، و أن تعلموا أن إرادة الشعب السوداني لا تقهر..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة