ـ القوى المضادة لثورة ديسمبر وخاصة من بقايا النظام السابق "الكيزان" وأعوانهم يسعون بشتى الوسائل إلى استعادة نفوذهم الذي فقدوه بعد سقوط نظامهم وهذه القوى كانت مستفيدة بشكل كبير من السلطة والثروة في عهد النظام السابق وهم يحاولون الآن تشويه صورة الثورة وشيطنتها للتأثير على الرأي العام وإظهارها وكأنها سبب كل الأزمات الحالية ولا يزال لديهم تأثير على بعض وسائل الإعلام التي تستخدم في حملات تشويه الثورة وتضليل الجمهور خاصة في ما يتعلق بتقديم الثورة كمجرد مؤامرة خارجية أو مشروع فاشل. ـ ثورة ديسمبر المجيدة التي اشتعلت في قلوب الشباب السودانيين قبل أن تنطلق إلى الشوارع كانت شرارة أمل لحلم طويل طال انتظاره. لقد حمل هؤلاء الشباب أرواحهم على أكفهم وقدموا أغلى ما يملكون، دماءهم الزكية في سبيل وطن حر وديمقراطي يحترم كرامة الإنسان ويضمن حقوق الجميع. كان الحلم واضحاً حكم مدني يعبر عن تطلعات الشعب وينهي عقوداً من القمع والتسلط. لكن مع مرور الوقت واندلاع الحرب يبدو أن تلك الثورة التي كاد الشباب أن يجنوا ثمارها قد انطفأت نارها في النفوس. الحرب التي جاءت بعنفوانها دمرت الكثير من أحلام هؤلاء الشباب وأدت إلى تشتيت الأمل الذي كان يربطهم بالشوارع التي شهدت تضحياتهم. أصبح السؤال مطروحاً الآن: هل ماتت ثورة ديسمبر في دواخل هؤلاء الشباب بعد الحرب أم أن جذوتها ما زالت مشتعلة في قلوبهم؟ الحقيقة هي أن جذوة الثورة لم تمت بل إنها مختبئة في أعماقهمتنتظر اللحظة المناسبة لتنفجر من جديد فالشباب الذين حلموا بحكم مدني وسعوا لتحقيقه لن ينسوا بسهولة تلك اللحظات التي اجتمعوا فيها على قلب واحد. قد تكون الحرب قد أبطأت حركتهم وأثرت على معنوياتهم لكن جذوة الثورة لا تموت بسهولة. إنهم يعيشون الآن في حالة من الصبر والترقب يدركون أن الطريق إلى الحرية لا يزال طويلاً وأن العودة إلى الشوارع ربما تكون حتمية في وقت لاحق. لقد تم وأد حلم هؤلاء الشباب تحت أحذية العسكر ودقون الكيزان ولكن التاريخ يعلمنا أن الأحلام الكبيرة لا تموت. قد يواجه الشعب السوداني صعوبات كبيرة في مسيرته نحو الحرية وقد تظل القوى المتسلطة تحاول قمعه لكن الثورة التي ولدت في ديسمبر ستظل حية في الذاكرة والوجدان. إن الشباب الذين قادوا تلك الثورة هم اليوم أكثر نضجاً وأكثر وعياً بالتحديات التي تواجههم وهم يعلمون أن العودة إلى الشوارع ليست مجرد خيار بل هي واجب تجاه كل من ضحى في سبيل هذا الوطن سيعودون يوماً لتأسيس الحكم المدني الذي حلموا به وسيعملون على تحقيقه مهما كانت التحديات لأن الشعلة التي أوقدوها لن تنطفئ وستظل مضيئة في طريق الحرية والعدالة ويجب أن نحتذي بالثورة الفرنسية التي تمثل بالفعل مثالاً بارزاً على قوة الشعوب في مواجهة الطغيان وهي درس تاريخي في الصبر والتضحية من أجل الحرية والكرامة. رغم أنها بدأت في عام 1789 إلا أنها استمرت لسنوات طويلة شهدت العديد من التقلبات والأزمات بما في ذلك العنف والقمع لكنها في نهاية المطاف حققت أهدافها وقاد الفرنسيون مسيرتهم نحو الجمهورية والحكم المدني. ما يميز الثورة الفرنسية هو أن الشعب لم يستسلم رغم كل التحديات التي واجهها. الفوضى، الانقسامات الداخلية، وحتى تدخل القوى الخارجية لم تثنِ الفرنسيين عن حلمهم في التخلص من النظام الملكي المطلق وتأسيس دولة تقوم على مبادئ الحرية، المساواة والأخوة هذه الثورة لم تكن مجرد حركة احتجاجية عابرة بل كانت مساراً طويلاً من التضحيات والإصرار على تحقيق العدالة. ومثلما استمرت الثورة الفرنسية سنوات حتى أثمرت فإن الثورات الشعبية لا تسير دائماً بخط مستقيم أو تحقق أهدافها بسرعة فالأحلام الكبيرة تتطلب صبراً ومرونة وثورة ديسمبر في السودان ليست استثناءً قد تواجه عثرات وعوائق وقد تتعثر المسيرة لكن الإرادة الشعبية التي أشعلتها لن تموت وكما قطف الفرنسيون في نهاية المطاف ثمار ثورتهم فإن الشعب السوداني أيضاً قادر على الصمود والعودة لتحقيق حلمه بالحكم المدني الذي ضحى من أجله. التاريخ مليء بالدروس التي تعلمنا أن الشعوب المنتفضة ضد الظلم قد تواجه عقبات كثيرة لكن عندما تكون الإرادة قوية فإن النصر حتمي. الثورة الفرنسية مرت بمراحل طويلة من الدماء والفوضى لكنها في النهاية كتبت فصلاً جديداً في تاريخ الإنسانية فصل أصبح رمزاً للنضال من أجل الحرية. الثورة السودانية تحمل نفس الروح وروح الثورة لا تموت.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة