استدعاني السفير الباقر رئيس الادارة الأفريقية والآسيوية والذي كثيرا ما كنت أطبع بمكتبه تقارير سرية وتنقلات السفراء فيحرق قصاصات الورق ويذكرني بأني أصغر موظفة بوزارة الخارجية وأشطرهم ولكن .. إن تسرب خبر تكوني أنت .. وبرغم ان مقولتة توترني لكنها كانت وكانها تنبؤات وانا في بداية السلم الوظيفي بالخارجية السودانية أحد النهارات استدعاني فحسبت أن كشف تنقلات السفراء تسرب او احدي قضايا الدولة السرية .. فاذا به " تم نقلك للمكتب السري للوزير "
وفي الغد كنت بالطابق الثاني لوزارة الخارجية المطلة علي شارع النيل بالخرطوم فاذا شاب وقور يرحب بي وبتواضع يقدم نفسه لي .. أخوك محمد المكي إبراهيم .. كان بين الفينة والأخرى يكتب وريقات يدسها بدرج مكتبه ورويدا رويدا طلب مني طباعة تلك القصاصات وللحقيقة كنت اقرأها وكثيرا منها لا استوعب دلالاتها … بربكم .. كيف لفكري في تلك السن ان يوازي شاعر ثورة أكتوبر او يقارب حتى أشعاره التي الهبت الشوارع حسب ما توارد لدينا .. ووقتها كنت أتفاخر وسط صديقاتي بالحي بأني اعمل بمكتب شاعر نحيف لكنه لامع .
احد النهارات دلف برفقته شاب بقميص ملون علي غير لابسي البدل وأربطة العنق .. كان لا يشابه موظفي الخارجية وربما لا يماثلهم طلب مني ود المكي ان أحسن ضيافة الدكتور منصور خالد والذي جالسني لاكثر من اسبوعين مكتفيا بفنجان قهوة ويحدثني عن نيويورك وباريس فأساله بعفوية طفولية لماذا لم تتزوج فرنسية فيجيبني يا عواطف مكياجهم سيذوب في شمسنا النهارية الحارقة ..فيأتي الساعي يفيده الوكيل ينتظركم وكان وقتها جمال محمد احمد .. وما أن ينتهي الدوام نغادر برفقة طيب الذكر جلال عتباني وشاعرنا بسيارة عتباني الفلوكسواجن زرقاء اللون يوصلوني لدارنا جوار حديقة عبود لينطلقوا لحلة حمد فشاعر اكتوبر وقتها لم يكن يمتلك سيارة وربما لم يكن يجيد السياقة .. كان مرحا وكثيرا ما يطلق ضحكة " يا جلال " كل الأنظار باتت تتجه للمقعد الخلفي .. فابتسم بخجل فلم يكن معتادا في تلك الازمنة مغازلة الفتيات حتى ولو تلميحا .. فما بال انني موظفة بالمكتب السري لوزير الخارجية .
وفي صباح مشرق تجمع بمكتبنا كوكبة من الدبلوماسيين اذكر منهم د هاشم التني وعبدالمحمود عبدالحليم وبعضهم تراصص بالبلكونه المشرعة علي شارع النيل بما فيهم الوكيل جمال محمد احمد الذي رفع صوت الراديو بمكتبه وما ان أذيع خبر اداء الدكتور منصور خالد القسم امام الرئيس جعفر نميري وزيرا للشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية والدينية إلا وعلت الاصوات بالفرح وبالتصفيق وتجمهر عدد كبير من السكرتيرين الثوالث والسفراء .. ولم تمضي دقائق إلا ودلفت ذات سيارة عتباتي الفلوكسواجن وضيف مكتبي بالأمس منصور خالد يعتمر كرافته حريرية وبدلة زرقاء وكان مصانع بلاد النور باريس تخصصت لتصنع له ويتعالي التصفيق وعناق الوزير الشاب د منصور المفكر العلم رحمة الله تغشاهم .. كنت الموظفة الوحيدة وسط هذه الكوكبة المستنيرة ومن باب المجاملة ضيف الأمس وزير آلشباب اليوم قلت له " بخبراتي المتواضعة ان شاء الله أساهم معكم في بناء الوزارة المستحدثة .. وقد كان " .. رحمة الله تغشاهم جيلا مستنيرا طافوا بالسودان كدولة تخطوء للامام وسط الامم المتحضرة .. قبل ان يعبث بها تتر لا يفقهون كثيرا عن بناء الأوطان وشموخها وعزة نساؤها .. ارقدوا في أمان الله ود المكي وعتباني ودكتور منصور .. وللسودان رب يحميه .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة