معلوم ان سورة الضحي نزلت بعد فترة انقطاع للوحي، وقد ذُكرت عدة اسباب لنزول السورة ولانقطاع الوحي، منها ان عثمان بن عفان اهدى الى رسول الله عنقود عنب، فجاء سائل فاعطاه اياه، ثم اشتراه عثمان بدرهم وقدمه الى رسول الله ثانيا، ثم عاد السائل فاعطاه اياه، ففعل ذلك ثالثا، فقال الرسول يلاطف السائل: (أسائل أنت أم تاجر؟) فكان ذلك سببا في تأخر الوحي،
ثم استأنف الوحي فيما بعد بنزول سورة الضحي، وكان واضحا فيها لغة العتاب من الله لرسوله: {ألَمۡ یَجِدۡكَ یَتِیمࣰا فَـَٔاوَىٰ○ وَوَجَدَكَ ضَاۤلࣰّا فَهَدَىٰ○ وَوَجَدَكَ عَاۤئِلࣰا فَأَغۡنَىٰ} فتكون بذلك سورة الضحي من أكثر المحفزّات الربانية للرسول علي العطاء واغداق الخير للغير، خاصة وأن الله وعد نبيه بعطاء مستمر: {ولَسَوۡفَ یُعۡطِیكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰۤ}، فكانت السورة أدبا ربانيا للنبي: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) فكان النبي بعدها يسارع إلي العطاء فكان يعطي كل ما عنده وكان يعطي عطاء من لا يخشي الفقر. كيف يخشي الفقر وقد وعده الله: {ولَسَوۡفَ یُعۡطِیكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰۤ} فكان النبي تأتيه الاموال الطائلة، حيث كانت خُمس الغنائم من نصيبه، ولكن لم تكن تظهر عليه اثار ذلك، بل كان النبي يعيش فقرا دائما لم يذق معه شبعا قط، ولذا فقد لا يتناسب هذا مع ما اختاره بعض المفسرين وتداوله العامة بكثرة: أن تفسير "التحدث بالنعمة" في سورة الضحي هو ان تظهر علي الشخص اثار النعمة !!! أو مجرد ان يخبر الشخص انه يمتلك كذا وكذا من النقود والاراضي والدوابّ !!! ونورد هنا تفسير العالم المصري المفسر "احمد مصطفي المراغي" الذي كان أستاذا للعربية والشريعة الإسلامية بكلية غوردون بالخرطوم قبل حوالي ثمانين عاما؛ والذي انتقد وجهة النظر هذه في تفسير الآية فقال:
"(وأما بنعمة ربك فحدث) أي أوسِع فى البذل على الفقراء بمالك، وأفض من نعمه الأخرى على طالبيها، وليس المراد مجرد ذكر الثروة والإفاضة فى حديثها، فإن ذلك ليس من كرم الأخلاق فى شىء. وقد جرت عادة البخلاء أن يكتموا مالهم، لتقوم لهم الحجة فى قبض أيديهم عن البذل، ولا تجدهم إلا شاكين من القلّ، أما الكرماء فلا يزالون يظهرون بالبذل مما آتاهم الله من فضله، ويجهرون بالحمد لما أفاض عليهم من رزقه، وقد استفاضت الأحاديث بأنه صلى الله عليه وسلم كان كثير الإنفاق على الفقراء، عظيم الرأفة بهم، واسع الإحسان إليهم، وكان يتصدق بكل ما يدخل فى ملكه ويبيت طاويا" انتهي كلام المراغي.
هناك حديث صحيح يؤكد كلام الشيخ المراغي، وهذا تأكيد آخر لنهج الأمام الشافعي الذي نأخذ به، وهو: (عرض السنة علي الكتاب) لأن السنة تشرح القرآن وتبينه: {وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیۡهِمۡ} فقد جاء بمسند الامام أحمد عن أبي هريرة، قال: كنت أمشي مع رسول الله في نخل لبعض أهل المدينة، فقال: (يا أبا هِر، هلك المكثرون، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا - [ثلاث مرات، وحثا بكفيه عن يمينه وعن يساره وبين يديه]، .. وقليل ما هم) وفي رواية (هلك المكثرون، إن المكثرين الأقلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا، وقليل ما هم)؛ ان معني قوله تعالي: (واما بنعمة ربك فحدث) يتضح بصورة جلية حينما نقابل بين عبارة القرآن وعبارة الحديث: {بنعمة ربك فحدث} و (قال بماله)
ف"التحدث بالنعمة" الذي ورد في القرآن انما هو "القول بالمال" بتعبير النبي.
فقبل الأمر بالتحدّث بالنعمة ذكرت الآيات: {فَأَمَّا ٱلۡیَتِیمَ فَلَا تَقۡهَرۡ○ وَأَمَّا ٱلسَّائلَ فَلَا تَنۡهَرۡ} فماذا نفعل أزاء اليتيم والسائل حال الكف عن القهر والنهر؟؟!! قطعا.. اعطاؤهم واطعامهم.٠ لا ينفع أن نخبرهم فقط بما أعطانا الله من نعمة، ولا يجدي كذلك أن نظهر أمامهم نعمة الله علينا من ملبس ومسكن ومأكل ومشرب !!! ... فالتفسيرات التي تفسر التحدث بالنعمة أنه "إخبار بها" أو "إظهار لها" فحسب، إنما هي تفسيرات بخلاء، بل إنها تأمر بالبخل: {ٱلَّذِینَ یَبۡخَلُونَ وَیَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَیَكۡتُمُونَ مَاۤ ءَاتَاٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ} والبخل لا يجب أن يستهان به، فهو أصل كل خطيئة، فقد روي عن إبليس لعنه الله أنه قال: "ما غلبني ابن آدم فلن يغلبني في ثلاث، آمره أن يأخذ المال من غير حقه، وينفقه في غير حقه، ويمنعه من مستحقه". وقد ذكر القرآن أن الشيطان يخوف الناس من الإنفاق خوف الفقر، ويأمرهم بالبخل (الفحشاء): {ٱلشَّیۡطَـٰنُ یَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَاۤءِۖ}. فتفسير البخلاء الشيطاني "للتحدث بالنعمة" يعصف بالإرشاد الرباني للسورة كلها، ويحقق مراد اللعين بتفشي الفحشاء. يقول سفيان الثوري: "ليس للشيطان سلاح على الإنسان مثل خوف الفقر، فإذا قبل ذلك منه: أخذ في الباطل، ومنع من الحق، وتكلم بالهوى، وظن بربه السوء" ¤¤¤¤¤¤¤¤
نرجو من كل من فهم المعلومة أن يساهم بنشرها وبشرحها، حتي تعم الفائدة، ولكي نزيل المفاهيم الساذجة المأخوذة من الإسرائيلييات .. فهذه إذن نصيحة، والدين النصيحة -كما في الحديث: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)
□■□■□■□■ >>> تذكرة متكررة<<<
نذكّر بالدعاء علي الظالمين في كل الأوقات ..وفي الصلاة وخاصة في القنوت -قبل الركوع الثاني في الصبح علي الذين سفكوا الدماء واستحيوا النساء واخرجوا الناس من ديارهم وساموهم سوء العذاب وعلي كل من أعان علي ذلك بأدني فعل أو قول (اللهم اجعل ثأرنا علي من ظلمنا) فالله .. لا يهمل ادعوا عليهم ما حييتم ولا تيأسوا.. فدعاء المظلوم مستجاب ما في ذلك شك: {قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُم}.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة