اولا من يقول: "الناس في شنو"؟! ويرانا متلبسون بسباقٍ للحمير في خضم المعارك العسكرية والسياسية.. ألا يعلم أن سوء فهم الدين هو أحد أهم عوامل عدم الإستقرار في المنطقة بأسرها؟؟ فالآن مساحات شاسعة من العالم الاسلامي يدور بها قتال عنيف بين المسلمين أنفسهم !!! وهذا انحراف "فظيع" عن تعاليم الدين الإسلامي، فقد كانت آخر وصايا النبي لأمته: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)؛ ومعظم المسلمين لا يدركون أن الإسلام - بجانب انه ثورة اجتماعية من اجل العدالة والمساواة والتكافل والتعاضد: (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا)- هو في الأصل رسالة سلام، ففي الحديث: (... واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).
فلم يقل أن إتمام الأمر يكون بدخول الناس جميعا في الإسلام، وإنما قال أن تمامه أن يعمّ السلام في كل العالم، بحيث لا يعكّر صفوه شيء. ¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
كذلك نقول لأحد الاصدقاء الذين ينادون بالمدنية والعلمانية أن المهم أن يتفهم الناس حقيقة المراد بهذه المصطلحات، فالمشكلة الفعلية أيضا في أن الغالبية ترفع الشعار دونما فهم..!! هذه مشكلة أيضا، لأن هناك من يفهم أن المقصود هو إقصاء للأديان نهائيا، وعدم الأخذ في الاعتبار كل ما يخص الدين، لكن الآن بدل الإقصاء فإن الناس في كل العالم يراعون كل الأديان، الأغلبية والأقلية. ¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
احد القراء يقول:
"هذا التراث الموجود في الكتب الصفراء التي لا عقل فيها يحتاج إلى غربلة وهذه المذاهب وضعت لخدمة السلطة السياسية ... يا اخي والله لو تمسك الفقهاء بما ورد في القرآن الكريم لأصبح كل العالم مسلما لكن للأسف ابتدعوا نصا موازيا للقرآن ونسبوه زورا وبهتانا للنبي. الإسلام دين العقل والتفكر والتدبر لكن للأسف جعله الفقهاء دين للاساطير والخرافات واللامعقول"
هذا كلام صحيح بالطبع.. فيما عدا ما ذكر عن أن "الفقهاء ابتدعوا نصا موازيا" ففي الحقيقة كثيرا ما تكون النصوص صحيحة لكن يُساء فهمها، فالحديث الذي ساقه كمثال: (من بدّل دينه فاقتلوه) نعتقد أنه صحيح فعلا بحكم وروده في كتب الصحاح، لكنه ارتبط بظروف معينة - مؤقتة- وقد انتهت في وقتها، فالحديث كان ردّ فعل، وذلك لمّا أخذ الكفار يتلاعبون بالدخول في الدين والخروج منه، وهي طريقة استخدموها لإرجاع الناس عن الدين، إذ يدّعون أنهم أسلموا لكنهم رأوا ألا شيء يجعلهم يستمرون، علي نحو ما ذكرت الآيات: {وَقَالَت طَّاۤئفَةࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ ءَامِنُوا۟ بِٱلَّذِیۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَجۡهَ ٱلنَّهَار ِ وَٱكۡفُرُوۤا۟ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ} فكما ذكر الصديق القاريء: التراث يحتاج إلي غربلة، وهذا شيء ذكره كثير من العلماء، سواء من السلف أو من الخلف، وكذلك نحتاج لإحسان الفهم، فالكتب فعلا كما قال "لا عقل فيها"؛ لأننا تعودنا أن نتعاطي الدين عن طريق الحفظ والتلقين لا عن طريق الفهم. أما المشكلة الأكبر فهي ترك العلم "للعلماء" وحدهم، وهذه كهنوتية لا أصل لها في الإسلام، فقد احتكر العلم الديني مجموعة من "الموظفين"، تركز جلّ عملهم في الإفتاء، فعزف الناس عن طلب العلم، فتواصل تعاطي الناس للدين دون فهم، فكيف تحدث " الغربلة" إذن؟؟!! فينبغي أن يكون طلب العلم (بالفهم) هو الهمّ الأول للأمّة، فحينها ستختلف الأمور كثيرا، لأن كل الناس ستساهم في تصفية الموروث الديني والثقافي. ¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
أما فيما يختص بموضوع (الإحصان) فالذي يصر على تفسير كلمة (بكر) بأنها "التي لم تتزوج"، فنقول له انك تؤثر ما نقل عن الشراح علي ما ورد في القرآن وكتب السنة: فمثلا ورد في القرآن: {إِنَّهَا بَقَرَةࣱ لَّا فَارِضࣱ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَیۡنَ ذَ ٰلِكۖ} والمعني أنها: لا صغيرة ولا كبيرة، وإنما وسط بين الاثنين فهنا: فارض=كبيرة بكر=صغيرة فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون (بكر) بمعني (لم تتزوج) فيكون معني (بقرة لا فارض ولا بكر) = بقرة ليست كبيرة ولم تتزوج ؟؟؟؟؟؟!!!!!!! أما في السنّة فعندما تزوج جابر بن عبد الله امرأة في مثل عمر والدته التي ماتت سأله النبي: (هلا بكرا) بمعني لماذا لم تتزوج بنت صغيرة في مثل سنك تلعب معها وتضحك معها، فأجابه جابر بأن والدته ماتت فتزوج امرأة في مثل عمرها حتي تكون أمّا لأخواته، فلا يمكن أن نقول أن معني (هلا بكرا) مقصود بها: لماذا لم تختر امرأة لم يقربها رجل من قبل؟؟؟؟!!!!!! وبالمناسبة .. في القرآن أيضا جاء ذكر الثيبات والأبكار في قوله: {عَسَىٰ رَبُّهُۥۤ إِن طَلَّقَكُن َّ أَن یُبۡدِلَهُۥۤ أَزۡوَ ٰجًا خَیۡرࣰا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَـٰتࣲ مُّؤۡمِنَـٰتࣲ قَـٰنِتَـٰتࣲ تَـٰۤائبَـٰتٍ عَـٰبِدَ ٰتࣲ سائحَـٰتࣲ ثَیِّبَـٰتࣲ وَأَبۡكَارࣰا} فهل المعني: بعضهن تزوجن من قبل وبعضهن لم يتزوجن؟؟؟!!!! لا يمكن أن يكون المعني بهذا السخف والسذاجة !! فما الفرق بين امرأتين كل منهما عمرها ٢٥ عاما إحداهن تزوجت من قبل والأخري لم يسبق لها الزواج؟؟؟ لكن حينما نأخذ معني بكر=صغيرة يكون المعني: نساء بعضهن صغيرات - في أول انوثتهن وأخريات كبيرات راشدات فكلمة (بكر) في اللغة تعني (أول الشيء وبدايته) فالمرأة البكر هي التي في أول أنوثتها، وحتي التي انجبت طفلا واحدا تسمي(بكر)، ففي قاموس الصحاح: "والبِكْرُ: ألمرأةُ التي ولدتْ بطناً واحداً. وبِكْرُها: ولدُها" [الأول] والبكرة والبكور أول النهار، وفي القرآن: {وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِبۡكَـٰرِ} {وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا}
فنرجو من الصديق القاريء أن يعيد النظر في قوله:
"لو كان المقصود بالمحصن هو البالغ و غير المحصن هو غير البالغ لما كان عقاب الزاني غير المحصن مئة جلدة و ذلك لأن غير البالغ هو غير مكلف و لا يعقل أن يعاقب او يؤدب بالضرب مئة جلدة !!!!"
فهو يناقض نفسه إذ أن الجَلد كان هو أخف العقوبتين لأن الأخري كانت الرجم وذلك قبل النسخ بالطبع. فإذا كان هناك زانيان أحدهما عمره ١٥ سنة والآخر ٥٠ سنة فمن يجلد؟؟ .. ومن يرجم؟؟ فالجلد يكون للصغير (البكر) حتي لو كان متزوجا والرجم يكون للشيخ الكبير ذي ال ٥٠ عاما حتي لو كان عازبا وهذا يوافق ما جاء في السنة عن آية الرجم المنسوخة: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) فالرجم للكبير (المحصن )(الثيب) والجلد للصغير(البكر) فكلمة (الشيخ) تفيد العمر أو السن ولا تفيد الزواج !!!!! وانشاء الله في مقالنا القادم سنتعرض لموضوع المحصنات بالنسبة لأحكام الزواج. ¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
وأيضا علّق احد أصدقائنا بأنه لا نسخ في القرآن، وقال:
"وليس من المعقول ان ينزل الله حكما ثم يلغيه لانه العليم الخبير"
ونرد: أن الله يفعل ذلك مراعاة للتحول في احوال الناس، فكثير من الأحكام تدرّج من حكم إلي آخر، والقرآن ذكر أن الله يبدّل الآيات مكان الآيات: {وَإِذَا بَدَّلۡنَاۤ ءَایَةࣰ مَّكَانَ ءَایَةࣲ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا یُنَزِّلُ قَالُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ} {مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَایَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَیۡرࣲ مِّنۡهَاۤ أَوۡ مِثۡلِهَاۤۗ} والرسول يقول أنه لا يبدل القرآن من تلقاء نفسه، وهذا يعني أن هناك "تبديل" ولكن يأتي من الله: {قَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ لِقَاۤءَنَا ٱئۡتِ بِقُرۡءَانٍ غَیۡرِ هَـٰذَاۤ أَوۡ بَدِّلۡهُۚ قُلۡ مَا یَكُونُ لِیۤ أَنۡ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلۡقَاۤىِٕ نَفۡسِی ۤۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّۖ} فمثلا عندما تم الانتقال من رجم النساء إلي حبسهن: {فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِی ٱلۡبُیُوتِ حَتَّىٰ یَتَوَفَّاٰهُنَّ ٱلۡمَوۡت ُ أَوۡ یَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِیلࣰا} ثم جعل الله لهن السبيل، وهو الجلد.
والذي يجب الإنتباه له، أن الآيات تنسخ الآيات، فلا يمكن إدعاء نسخ آيات من خارج القرآن، وسنفصل أكثر في موضوع النسخ في تدوينات قادمة بإذن الله.
اخيرا ينبغي الإنتباه إلي أن المعاني الصحيحة للنصوص الدينية تكون دائما أقرب إلي التفسيرات اللغوية التي تحمل قرأئن بين اللفظ والمعني، وأن المعاني الخاطئة تكون أقرب للتأويل، فلا تكون هناك قرائن كافية بين اللفظ والمعني، فتُحمّل الألفاظ ما لا تطيقه اللغة، وقد أوضح ذلك الإمام الغزالي:
"فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله" (الغزالي: إحياء علوم الدين).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة