في ذكري بداية الحرب العالمية الثانية رسمياً في 1 سبتمبر 1939 ، وأيضاً في نهايتها الرسمية في 2 سبتمبر 1945 بإنتصار الحلفاء المُتمثل في الولايات المُتحدة وبريطانيا وفرنسا علي دول المحور المانيا وايطاليا و اليابان ، إضافة لإنتصار الإتحاد السوفيتي الذي كان يقف في الحياد ودخوله لبرلين ، بمناسبة هذه الذكري الأليمة للعالم "الحرب العالمية الثانية" والتي راح ضحيةً لها أكثر من ٦٠ مليون إنسان ثُلثيهم من المدنين ، وتشريد أكثر من ٥٠ مليون في اوربا فقط ، إضافة للدمار الكبير والتحول لها لكومة من الأنقاض ، وأيضاً إسقاط أول قنبلتين ذرتين علي هيرشويما وناغاساكي والتي لايزال يعاني من آثارها اليابنيون في التشوهات الجينية إلي اليوم ، دعك من الدمار الهائل والعدد الكبير من الضحايا ، سنواصل في سلسلة مقالاتنا عن حرب السُودان ، وفرص الحلول وإمكانية توقفها من وجهة نظرنا ومن يؤمنون معي بالطرح والرؤية التي أُقدمها في ذلك. إنتهيت في المقالين السابقين إلي ضرورة طرق حلول وطنية غير تقليدية ، وتفكير جديد ، إضافة للحوار العلني المُباشر مع مُتخذي قرار الحرب من الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول ، وذكرت في المقال الأول أهمية خلق حوار مباشر مابين قيادة الجيش والقوي المدنية واقترحت تمثيل لجنة أو عدد منهم لمقابلة البرهان وقيادة الجيش ، وبالمثل للطرف الآخر من الحرب في الدعم السريع ، وصولاً لعقد لقاء مباشر ومُشترك بين قيادة طرفي الحرب لوضع حد لها ، وكنت قد مهدت لذلك بضرورة تلاقي جميع القوي السياسِية والوطنية والثورية المؤمنة بضرورة وقف الحرب حول هدف وقف الحرب ووقف إطلاق النار وإغاثة السُودانين ووقف إبادتهم وتهجيرهم ووقف صرخاتهم ومُعاناتهم ، وأن هذه أهداف تُمثل المصالح العُليا لبلادنا وشعبنا ولا إختلاف حولها ولايجب أن يكون حولها خلاف إلا في حال كانت الأجندة دون البلاد وشعبها ، وللمحافظة علي وحدة البلاد وعدم تفككها أو إحتلالها ، أو إطالة أمد الحرب لسنوات أو عقود والوصول بالبلاد لحالة الدمار الشامل والتلاشئ ، وكذلك ذكرت في المثال الأول أهمية عقد حوار مُباشر وعلني مع مُتخذي قرار الحرب والمُتشددين من الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني "المحلول" ، وأوضحت و فصلت في كل ذلك من الأسباب التي تدعونا لإتخاذ هذا الطريق وهذا التفكير في المقال الثاني ، وكتبت عن مُرتكزات هذا الحوار ولماذا وكيف ؟ ، واليوم ساواصل التوضيح ، والرد علي بعض التحفظات والرفض من البعض ، وساذهب إلي فرص وقف الحرب في السُودان جراء كُل هذا الواقع الحالي المعلوم من الجميّع. الواقع يقول أنه للأسف إرادة وقف إطلاق النار والحرب ، ووقف مُعاناة السُودانيين ليست بأيدي او قرار قيادة طرفي الحرب ، سواء في الجيش أو مليشيا الدعم السريع ، وأن هنالك أطراف أُخري داخلية وخارجية هي من بيدها هذا القرار ، وبالنسبة لقيادة الجيش والبرهان فمن الواضح واليقيّن أن الحركة الإسلامية و عناصر من المؤتمر الوطني المحلول وقيادته وتنظيمهم هي من بيدها هذا القرار ، وهي التي ظلت تتشدد في إستمرارها لتحقيق هدفين اثنين وهما: ١/القضاء الكامل علي الثورة ، أو أي مُحاسبات أو إنهاء تمكين لمُجرميها ومُفسديها ٢/العودة مُجدداً للسُلطة وماقبل الثورة عبر قرار الحرب وواقعه وإفرازاته ، سواء بالنصر فيه أو تقسيم البلاد مابينها وبين المليشيا لمناطق سيطرة ونفوذ. وبالنسبة لمليشيا الدعم السريع أيضاً ، فإن من يقف خلفها ويدعمها في الأطراف الخارجية الأمارات واسرائل وحلفاؤها ، عسكرياً وسياسِياً ، ولخلق واقع جديد في السُودان ، سياسِي وإقتصادي ، وسيطرة كاملة علي موارده ، وخلق حكومات أو سُلطة تابعة ، مع القضاء أيضاً علي الثورة وأهدافها ، فهي أيضاً بهذه الأسباب فالقرار ليس بيدها تماماً لوقف الحرب ، و مسألة أن قرار وقف الحرب ليس بايدي قيادات الجيش الحالية وأولهم البرهان ولا بأيدي حميدتي وقيادة المليشيا لعل ما يُثبت ذلك هو إستمرارها حتي اللحظة ، وإصرار كُل طرف علي تحقيق نصر له علي الآخر ، أو تحقيق أكبر مكاسب علي الأرض قبل وقفها أو الذهاب لأي تفاوض ، ومحاولات خلق شرعية لكلٍ منهما وحكومات أمر واقع في مناطق سيطرتهم ونفوذهم ، وعدم إشتغالهم بكُل المُعاناة التي خلقتها وأفرتها هذه الحرب علي كُل السُودانيين ، وتحويلهم للحرب لأمر تكسبات شخصية لهما ولقواتهما وقياداتها علي الأرض ، وإستثمارهم في عذابات وآلام السُودانيين ، وحتي التصريحات التي تُطلقها قيادة طرفي الحرب ظل يُكذبها الواقع بإستمرار جرائمهم وإنتهاكاتهم ، وفي أن أمر الشعب والمواطنين و مصالح البلاد آخر ما يهمهم أو يعنيهم. وبرُغم كل هذا الواقع الصعب والظرف العصيب ، فإن فرص إيقاف الحرب لاتزال موجودة ، ولكنها تحتاج إلي إرادة خاصة وذهاب للطريق الصعب وغير التقليدي وتغليب مصلحة البلد وجميّع السُودانيين علي ماعداها ، وتتمثل هذه الفرص في التركيز علي الأفيال وليس ظلالها لوقف الحرب ، والتعامل مع مُتخذي قرارها وإشعالها وإستمرارها بالأساس ، وهذا يتطلب تغيير في الذهنية والعقلية التي نتعامل بها سياسياً الآن ، وتغيير وسائلها وآلياتها تبعاً لذلك. رغبة وإرادة جماهير الشعب السُوداني في إيقاف الحرب مهمة جداً ، ولكنها تظل غير كافية لوقفها ، فمن دون إقناع والضغط علي مُمتلكي قرار وقفها في الطرفين فلن يتحقق هذا الهدف ، ومن غير السيّر في خُطوات عملية لأجل هذا فلن ننجح في وقف مُعاناة شعبنا. والخطوات العملية هي: ١/الإلتفاف السياسي والشعبي للجميع ضد الحرب وضرورة وقفها. ٢/توجه وتوحد كُل القوي السياسِية ومكوناتها وفصائلها لهدف وقف إطلاق النار ، ووقف الحرب ، الذي تتحقق به وقف إبادة الشعب السُوداني وتهجيره ومُعاناته وعودتهم لمناطقهم وبيوتهم وإستقرارهم ، ويمهمد ذلك لعملية سياسِية تأسيسية لا تقصي أحداً وفق شروط بناء دولة ذات قطيعة مع كُل الماضي وليس بها تكرار للأخطاء وتحل جميّع مشاكل السُودان من جذورها ، ونشتري بها المُستقبل والسلام والوحدة والتداول السلمي الديمُقراطي للسُلطة ٣/الإلتقاء بقيادة الجيش والجلوس معهم ثم مليشيا الدعم السريع ، من مُمثلين للقوي السياسِية الوطنية ، بعد التشاور ، والإستفادة بما تم سابقاً سواء في القاهرة أو إجتماع الإتحاد الأفريقي بأديس من وجود لجنة أو آلية مُتابعة وتنسيق ، يتم تقويتها وتوسعتها بعناصر وطنية سياسِية ذات خبرة ودراية ومقدرات في التفاوض للوصول لنتائج مباشرة مع طرفي الحرب بعد الجلوس معهما وفق أجندة وطنية لإيقاف الحرب. ٤/عقد لقاء مُباشر مُشترك لطرفي الحرب ولقيادتهم للتوصل لإتفاق وقف إطلاق النار وجميع العمليات الفنية المُرتبطة به. ٥/الجلوس والحوار العلني مع مُتخذي قرار الحرب والمُتشددين داخل الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول وفق مرتكزات مافصلناه سابقاً للحوار ، رُغم علمي ويقيني برفض وتحفظ الكثيرين علي هذه الخطوة ، وذلك للوصول لصيغة توقف الحرب ولاتعيد الماضي وتُنهي الصراع ولاتتكرر معها الأخطاء ، ولاتُفرض أي نوع من الهيمنة أو الإقصاء علي كافة السُودانيين ، أو التبعية أو الإذلال أو الإنتقام ، وتتحقق معها العدالة والسلام والحريات. ٦/التعامل مع المجتمع الدولي يتم فقط وفقاً لمصالح السُودان والسُودانيين ، في المُحافظة علي وحدة بلادهم وسيادتها ، والضغط علي الأطراف الخارجية الداعمة للحرب وإلجامها عن دعم إستمرار الحرب سواء بالسلاح أو الدعم السياسِي ، أو بغض الطرف عن جرائم الطرفين وإنتهاكاتهما ، وكذلك بتغافل المجتمع الدولي عن الدعم الإنساني ومسؤليته في ذلك ، أو الإنحياز لأحد طرفي الحرب ، والتشديد علي مُعاقبة الأطراف والأشخاص والدول والحكومات التي تعمل لإستمرار الحرب ومُعاناة السُودانيين ، وعلينا توصيل ذلك وبإستمرار للمجتمع الدولي والتعاون معه في إطاره فقط. ٧/الإرادة السياسِية الوطنية عامل حاسم لوقف الحرب والسيّر في طريق الحلول الوطنية الداخلية والتركيز عليها وعدم تكرار الأخطاء أو التعويل علي الخارج فقط في حل مشاكلنا كسُودانيين.
أختم بالقول أن الحروب وحتي الحرب العالمية الثانية التي تأتي ذكراها الآن لم تمر أو تتوقف دون الدخول في مفاوضات ومؤتمرات لذلك اثناءها ، وأن في الفعل السياسِي الواقعي والحلول للمُشكلات والأزمات يتم التحاور حتي مع الأعداء وفيما بينهم ، وحتي في التاريخ المُعاصر الكثير من الأمثلة لذلك ، فقد تفاوض وتحاور الأمريكان مع الروس في عز الحرب الباردة بينهما من أجل حظر نشر السلاح النووي و حد التسليح ، وتفاوض الإسرائلين مع الفلسطيين سابقاً و حتي في ظل الحرب الحالية تتم مفاوضات رُغم كل مابينهما من عدواة و صراعات و حرب ، وتفاوض المصريين والاردنيين مع عدوهم الإسرائلي وتم توقيع سلام ، و يتحاور الأمريكان مع إيران حالياً وهي العدو بالنسبة لها لصالح تجنب حرب أشمل في المنطقة قد تتحول لحرب عالمية أخري ، ويتحاور الامريكان مع الصين ومع كوريا الشمالية ، كل ذلك برغم العدوات ولكن لصالح أهداف ومصلحة مُشتركة أكبر ، إذاً البحث الدائم عن المصالح ومايهُم هو الأفيّد في السياسَة الواقعية العملية المُجدّية لصالح الدول و الشعوب ، فلنعمل بإخلاص وجّد ومُثابرة وعزيمة إذاً لتحقيق مصالح بلادنا وشعبنا في وقف الحرب ووقف مُعاناة كُل الشعب السُوداني ، و أي خُطوة فاعِلة أو مُمكنة و طريق مُؤدي إلي ذلك دون خوف منّا أو تأخير أو تردد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة