حدثت حالة من حالات الإحباط وضعف الأمل ولا أقول اليأس عند الكثيرين مابعد فشل إجتماع مفاوضات جنيف الأخير ، وما صحبته من أحداث وغياب أحد طرفي الحرب المُتمثل في الجيش عن المُشاركة فيها ، وجوهر هذا الإحباط هو عدم التوصل إلي أحد الأهداف الرئيسية من الإجتماع وهو إيقاف لإطلاق النار والعدائيات يُمهد لوقف الحرب نفسها ، وبرُغم النجاح الجُزئي المُتمثل في الموافقة علي فتح ممرات ومعابر لتمرير الإغاثة من الطرفين ، وهذه كانت إحدي أهداف الإجتماع والتفاوض ، ومع هذا فإن القادم يحتاج إلي رؤية جديدة للحلول وإختراقات مُختلفة في رائي علي أساس العمل والفعل الوطني السُوداني دون التعويل التام أو إنتظار أدوار للمُجتمع الدولي أو الإقليمي تُنهي أزمات السُودان ومأسآة الشعب السُوداني المُتضرر من هذه الحرب وما خلقته من واقع غاية في السوء ، وكما يُقال ( الجمرة بتحرق الواطيها ) ، فليس من سيشعر بما يعترينا ويواجهنا كسُودانين جراء هذه الحرب غيرنا نحن السُودانيون بأنفُسنا ، عليه فإن أي حلول تُنهي حالة الحرب هذه والوضع القائم تحتاج لتضافر جهود السُودانيين و الوطنيين الشعبية والسياسِية للوصول إليها ، ونستطيع ذلك إذا غلّبنا مصالح بلادنا و جعلنا شعبنا وجميّع المُتأثرين بالحرب نُصب أعيننا ، ولنا تاريخ طويل كسُودانيين في تخطي الصعاب والظفر بالنتائج المرجوة إذا ما توحدنا والتففنا حولها تماماً كما النفير عند الملّمات والتنادي إليه للعمل المُخلص المُثمر. ولتحقيق هذا الهدف الرئيسي للحلول وفق الخط الوطني السُوداني لوقف الحرب و إنهاء مُعاناة السُودانيين ، نحتاج إلي خُطوات عملية هامة وشُجاعة ومُخلصة في سبيل ذلك وتجرّد كبير. علينا العمل أولاً لتحقيق إلتفاف حول الجهود الوطنية ، والتي تشمل: أولاً: تلاقي بين كُل القوي السياسِية الوطنية المُختلفة وإنهاء حالة الإحتقان والتمتُرس والخُصومات ليست ذات الجدوي لتحقيق هدف وقف إطلاق النار والحرب وتحقيق مصلحة كُل وأغلبية الشعب السُوداني في ذلك ، وهنا ليس مقبولاً الإختلاف حول أهميّة وقف إطلاق النار ووقف المُعاناة التي تصاحبه من إبادة وتشريد وإنتهاكات. ثانياً:التواصل مع أطراف الحرب والأزمة المُباشرة وحوار يُفضي للوصول لهدف وقف إطلاق النار وترجيح صوت العقل لوقف هذه المُعاناة وتهديم وتخريب الوطن ، وهُنا نقترح أهميّة عقد لقاء مُباشر مابيّن مُمثلين للقوي السياسِية المدنية الساعية لوقف الحرب وقيادة الجيش ، وطرفي الحرب للتمهيّد لعقد لقاء يجمّع الطرفين بشكل مُباشر في مستواه الأعلي ، ومتروك أمر إختيار من يلتقي بقيادة الجيش والمليشيا وبشكل رسمي وتسميتهم وتحديد الزمان والمكان ، إلي لجنة تضم المدنيين بمختلف تشكيلاتهم ، أو من تنوب عنهم بالإتفاق ، ونقترح أيضاً أن يكون هنالك تنسيق في ذلك ومُشاورات وإتصالات مُباشرة ، خاصة أن هنالك لقاء ومؤتمر عُقد مؤخراً بالقاهرة كانت له مُخرجاته وآلية مُتابعة ، وآخر رعاه الإتحاد الأفريقي بأديس ، علي أن تتشكل هذه اللجنة ويتم توسعتها من مُخرجات ماتم بالقاهرة وأديس ، ولها فقط أن تتفق حول الأساس الذي تتم مناقشته مع الطرفين لوقف الحرب وتسمية مُمثلين علي قدر عال من الحكمة والحصافة والخبرات والقبول لمُقابلة الطرفين في الجيش والدعم السريع وإحداث الإختراق المطلوب لوقف الحرب. ثالثاً: إذا إعتبرنا أن هُنالك رموز للإسلاميّن "الكيزان" سواء في المؤتمر الوطني المحلول أو الحركة الإسلاميّة عموماً هم من يُصعّدون في إتجاه الحرب ويتخذون قرارها ، وهو بلاشك واقع ، فمن المُهم التعامل مع هذا الواقع بشجاعة ومسؤلية وعقلانية ، من المُهم التحاور معهم أو مع من يُمثلونهم ، وتذكيرهم بأن الإسلامين إن كانوا يُريدون فقط إشعال الحرب لأجل السُلطة فقد مكثوا فيها لأكثر من ثلاثين عاماً ، وأن خسارة الوطن وتقسيّمه لن تُعيدهم للسُلطة رُغما وغصباً مُجدداً مهما فعلوا ، وإنما عليهم القبول بخيارات الشعب السُوداني وعدم مُحاولة فرض إرادتهم والحرب عليه ، علي أن يكون نبذ العُنف والتبادل السِلمي للسُلطة هو الأساس الذي يحتكم له الجميّع ، والقبول بواقع أن الشعب في مجموعه هو الذي سعي للتغيير عبر الثورة السِلمية ، وتذكيرهم كذلك أن الشعب قد كان بإمكانه إختيار العُنف وقد كانت له الأغلبية ولكنه إختار طريق السِلم والقانون وليس العنف والدماء والإنتقام للتغيير في ديسمبر ٢٠١٨. التحاور مع الإسلاميين وقياداتهم الذين يتخذون قرار الحرب في حزب المؤتمر الوطني المحلول والجيش من المهم حدوث إختراق فيه لصالح الوطن والشعب السُوداني في تحويل الدفة لوقف الحرب وليس المُقابل بالطبع فرض شروط الإسلاميين المُتشددين علي الشعب و الآخرين ، وإنما الوصول لصيغة توقف الحرب وتُعطي الفرصة لمُراجعة الأخطاء الكارثية التي فعلوها طوال فترة حُكمهم بشكل عملي يؤدي لإستقرار الوطن والتغيير الديمُقراطي فيه ، ومُحاسبة من أخطأ فيهم بعدالة ، والتبادل السِلمي للسُلطة وإنهاء حالة تعدد الجيوش والمليشيات وسيطرة الإسلاميين أنفسهم علي مفاصل الدولة والمؤسسات العسكرية والأمنية والإقتصادية في البلاد ، وهذا لا يتأتي إلا بحوار مُباشر معهم ، في حالة و واقع الحرب الحالية والتهديد المُستمر للوطن بالتفكك والإنقسام ، وللشعب بالفناء والإبادة وإستمرار حالة التشريد والنزوح والمُعاناة الكبيرة هذه. أخيراً علينا التعامل مع الأزمة التي تمّر بها بلادنا بعيداً عن كُل مصلحة أو هوي ، سواء كان لتحقيق مكاسب شخصية أو صراع حول سُلطة أو أي مصالح أُخري خاصة ، وعلينا التنادي كسودانيّن وطنيين بعيداً عن أي إرتباط بمصالح إقليمية أو خارجية أو حزبية أو أيدولوجية ، لتحقيق هدف وقف الحرب وإستقرار البلاد ووحدتها وإنهاء المُعاناة ، ثم الإنصراف بعدها للجميّع لمُستقبل لاتتكرر فيه الأخطاء ولاتُحسم فيه المُشكلات بالعنف والدماء ، ويتم التغيير فيه لصالح البناء الديمُقراطي والتنمية والتقدّم و السلام والوحدة والعدالة والحريات ، وليس الهدّم والتمزّق والتشرزُم والخراب ، إنها دعوتنا للحلول الوطنية والتركيز والبناء عليها في هذه المرحلة العصيبة ، مع التعامل مع الخارج الدولي والإقليمي بما يخدم فقط قضاينا الوطنية وسيادتنا ومصالحنا ولايرتهن له وفق مصالحه ومُعطياته هو ، وليحيا السُودان...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة