حرصت أن أتأكد من (عين) الكلمات التي استخدمها الجنرال دقلو في تصريحاته الأخيرة التي فتح فيها النار علي غرمائه، وكنت أشك أن الصحافيين ربما (تصرّفوا) في الكلام كما يفعلون أحيانا، لكن كم كانت دهشتي حينما وجدت فعلا أن الجنرال استخدم عبارة (مجموعة من الجنرالات)، حيث قال أنهم لن يسمحوا (لهم) بالتحكم في مصير الشعب !! هذه العبارات الخطيرة تلفت النظر الي طريقة إدارة الدولة في الفترة السابقة، فإذا كانت الحكومة قد (تحسست) قبل أيام من مخاطبة رئيس السيادي بكلمة (الجنرال) وتحسست من تسمية (حرب الجنرالين) فما بالك حينما يتفوّه دقلو بعبارة: (مجموعة من الجنرالات يتحكمون في مصير الشعب)، فهذا يشير بوضوح إلي (السلطة المطلقة) التي كانت سائدة في الفترة الماضية والتي كان الجنرال دقلو جزءا منها، فهو نفسه كانت تجري من تحته الأنهار، وكان ولا زال يضع يده علي كنوز مفاتحها تنوء بالعصبة اولو القوة !! لقد كان الدعم السريع دولة داخل الدولة، أما الجيش فمعروف منذ زمن بعيد أنه دولة لوحده، وهاتان الدولتان تملكان الموارد والمناجم والشركات الرابحة، أما دولة الشعب فهي فقيرة لا تقوي على دعم الخبز للبسطاء، ولا تستطيع حتي شراء الدواء ودفع المرتبات، ولذلك كان رئيس وزراء الثورة عبثا يطالب بأن يؤول المال العام لدولة الشعب !!
دقلو صمت دهرا ونطق كفرا خاصة عندما اتهم غرماءه بأن كل ما يهمهم هو امتيازاتهم ومصالحهم الخاصة ومصالح النظام القديم !! والظاهر أن الجنرال صمت في الفترة الماضية لأنه كان علي أمل في الوصول لإتفاق وتصالح تعود بعده المياه إلي مجاريها القديمة، لكن الآن أصبح واضحا أن ذلك غير ممكن لكثرة المتاهات والمنعرجات التي مرت بها الأزمة، ولهذا صار الجنرال (يفضفض) ويبوح بما كان يخشي البوح به في الأشهر الماضية، ولئن سار قليلا في هذا المنوال فستحدث طرطشة كبيرة، لأن شؤون الحكم في ظل السلطة المطلقة مثل جبل الجليد لا يظهر منها سوي جزء يسير.
قائد قوات الردع كان يمثل الرجل الثاني في الدولة، وكان يمسك بملفات أمنية واقتصادية، وهو وقائد الجيش كانا (دافننه سوا)، وتعبير (الجنرالات) تعبير دخيل علي لغة دقلو، ولابد أنه استعاره ممن يفضفض معهم، ومثل هذه الفضفضة خطيرة جدا جدا، وربما لهذا السبب كان الحرص علي تصفيته منذ الوهلة الأولي، لكن الظاهر أنه فلت بأعجوبة، وهذا الأمر فاجأ الكثيرين لدرجة أنهم أنكروا لزمن طويل وجوده علي قيد الحياة، ومازال بعضهم ينكر. فضفضة دقلو تذكرنا بفضفضة الترابي لقناة الجزيرة في برنامج (شاهد علي العصر) الذي اشترط أن يبث بعد موته، والذي حاول النظام الحيلولة دون بثه بحكم علاقته مع القناة، لكن الجزيرة لم تنقض ميثاقها مع الرجل. الترابي فضفض بوقائع كثيرة اخطرها أنه لم يكن وراء محاولة إغتيال الرئيس المصري كما كان يُظن، وهي التهمة التي جعلت النظام المصري يساعد في الإطاحة بالترابي في العام ٩٩، وما كان من الجميع إلا أن يصدق الترابي في إنكاره التهمة، فقد كان الرجل يتحدث وهو ميت.
فضفضة الترابي أحدثت (طرطشة) كبيرة في المياه الهادئة، ولم يمض عامان من بث (شهادته علي العصر) حتي ثار الشعب وحصلت (خيانات كبيرة) .. وسقط النظام.
□■□■□■□■
>>> تذكرة متكررة
نذكّر بالدعاء علي الظالمين في كل الأوقات ..وفي الصلاة وخاصة في القنوت -قبل الركوع الثاني في الصبح علي الذين سفكوا الدماء واستحيوا النساء واخرجوا الناس من ديارهم وساموهم سوء العذاب وعلي كل من أعان علي ذلك بأدني فعل أو قول (اللهم اجعل ثأرنا علي من ظلمنا) فالله .. لا يهمل ادعوا عليهم ما حييتم ولا تيأسوا.. فدعاء المظلوم مستجاب ما في ذلك شك: {قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُم}.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة