وامريكا الامس هي ذاتها امريكا اليوم وغدا ، وبعد غد ، ترسم خططها الاستراتيجية لخمسين عام ، ولا تبدل أهدافها ، ولكن تبدل وسائلها ، وطرق الوصول الى تلك الاهداف حسب معطيات الواقع ، وتغيراته ، واتجاهاته . وأمريكا التي قلنا مراراً ، وتكراراً ، أن قرار ما يخص الشأن السوداني ليس بيدها وحدها ، وانما بيد اللّوبي الصهيوني ، هي ذاتها أمريكا التي تلجم حكومات العالم اليوم عن اتخاذ أي قرارت وعن مجرد الحديث عما يحدث في غزة من قتل ، وتدمير ، وتشريد ، من أجل اليهود . وامريكا التي تقول اليوم أنها في صف الجيش السوداني ، لن تكون في صفه الا اذا ضمنت أن ذلك الجيش سيكون في صفها ، وفي صف اسرائيل تماما ، والا اذا انصاع لكل ما تريد ، وما تريده دوله الكيان الصهيوني ، كحال جيوش غيره في المنطقة ، فوقتها ستكون هي أول داعميه ليبقى في السلطة ما شاء الله له أن يبقى ، ومع أننا ، والسواد الأعظم من السودانيين نطالب بذلك ، وننادي به خاصة في المرحلة التي تلي وقوف الحرب ، الا أن ذلك سكون كارثة كبرى ، ووبالا على السودان إن تم برضى الامريكان ، وبمباركتهم ، أو بالاتفاق والتنسيق معهم ، فوقتها سيجد الجيش نفسه مضطرا للسير في طرقات لم يكن يظن انه سيسير فيها ، وللدخول في متاهات لا توصل الا الى خسارة السودان للكثير والكثير . وامريكا التي تصرح بانها تسعى لما يسمى بالتحول الديمقراطي في السودان نطالبها بأن تسعى لذلك في مصر ، او أن تسمح به في دول أخرى إن كانت صادقة فيما تزعم وان كانت لا تتخذ من ذلك مجرد مطية ووسيلة . وامريكا التي سترعى مفاوضات جنيف - إن حدثت - هي ذاتها امريكا التي ساوت بين الجيش ، وبين الدعم السريع في خطاباتها وفي عقوباتها السابقة كلها ، وهي التي سمحت ، بل وبالتأكيد تواطئت لتوفير السلاح للدعم السريع ليقتل به المواطن البريء ، الذي تزعم الآن أنها تريد أن توصل له الاغاثة ، وتوفر له الامان ، وما يحتاج اليه ، وهي ذاتها صاحبة الخبرة الضخمة في التلاعب بالمصطلحات ، وبالكلمات ، وشراء الذمم ، واستخدام الجزرة ، والعصا ، ودراسة نقاط ضعف الاطراف عن طريق خبراء متمكنين ، واستغلالها اسوا استغلال . وامريكا التي تقول اليوم أنها في صف الجيش ، والشعب السوداني ، وضد الدعم ، هي أمريكا ذاتها التي قالت بالأمس انها مع وحدة السودان ، وهي نفسها التي أوحت للجميع بان استفتاء جنوب السودان لن يقود الى أي انفصال ، وأنها ستكافئ حكومة المؤتمر الوطني ، برفع اسم السودان من قائمة الدول الرعاية للإرهاب ، التي وضعته هي فيه ظلما ، وجوراً ، من أجل الضّغط عليه للوصول الى ما تريد ، وبعد أن وافقت حكومة البشير على الاستفتاء ، وقبل ترسيم الحدود ، بذلت أكبر جهد ممكن لتقنع الجنوبيين حتى يختاروا الانفصال عن الشمال ، وعندما نالت ما أرادت ، لم ترفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، بل زادت الحصار، والتضييق عليه ، وهي ذاتها امريكا التي دفع لها حمدوك رئيس الوزراء السابق الذي كان أحد اسباب ما يحدث في السودان الان من دمار ملايين الدولارات ، بسبب حادثة لم يكن للسودان أي دخل فيها ، ثم أعرضت عنه بعد ذلك ، ولم توفي له بما وعدت ، مع أنه كان أحد لاعبيها الكبار . وانا أؤكد ، واقطع جازما ، أن أمريكا وقبل ان تدعو لذلك التفاوض ، قد رسمت خططها سرا مع اسرائيل ، والامارات ، وقحط ، والدعم السريع ، ومع كل صاحب هدف قذر في السودان ، أياً كان ذلك الهدف ، وانها ستسعي لتحقيق اهداف تلك الخطط ، بذات الطرق التي تمارسها من المكر ، والخداع ، والتلاعب ، والايحاء ، والايهام ، وان اسوأ ما يفعله الجيش الان هو القبول بالذهاب الى تفاوض تكون امريكا راعية له ، وتكون احدى الدول المشاركة في مذبحة الشعب السوداني وتشريده ، طرفا فيه فهي وتلك وهم ، قد يئسوا جميعا من الوصول الى ما يريدون عن طريق المعارك ، والقتال ، ولذلك هم اليوم يبدلون الوسيلة ، فقط الوسيلة ، ولكن الاهداف ثابتة . وأمريكا تعرف جيدا أن الجيش السوداني - الذي تفادى تكوين أي حكومة حتى الآن ولا نعرف لماذا - تنقص افراده الخبرة ، والدراية الكافية بالمفاوضات ، وأجوائها ، وصراعاتها ، ومعاركها ، وأنها ستكون قادرة على تمرير أجندتها من بين أيادي مفاوضيه بكل سهولة ، ويسر ، وهي ستختار لذلك أفضل كفاءاتها . والجيش السوداني الذي هو في موقف القوة الان ، يلعب بالنار بالقبول بالذهاب الى جنيف ، للانخراط في تفاوض ليس هو في حاجة اليه ، فالجيش لا يحتاج إلى أكثر من تسليح المتبقين من الاوفياء ، الصادقين ،المخلصين من أبناء الشعب السوداني ، ثم يعلن بعدها أنه لن يتفاوض مع أحد في أي مكان ، وأن أفراد الدعم السريع إن ارادوا تفاوضا ، فليكن ذلك التفاوض داخل السودان ، ودون تدخل ، أو رعاية من أي دولة اخرى ، مهمن تكن تلك الدولة ، والا فأنها الحرب ، حتى ينتهي ما تبقى من جيوب المليشيا ، ووالله لو فعل الجيش ذلك لوقفت امريكا عند حدها ، ولوضع ما تبقى من قوات الدعم السلاح واتوا مسالمين . اننا مع السلام والشعب السوداني كله معه ، ولكننا مع السلام العادل الذي يجلب للسودان الامن ، والعدل ، ووحدة النسيج الاجتماعي ، ولسنا مع سلام تكون نتيجته اسوا مما يحدث الان ، سلام تكون عواقبه في المستقبل ان يفقد الامن دون امل في عودته ، وان يسود ظلم لا قدرة لاحد على رده ، وأن ينتشر فساد لا قوة لاحد على استئصاله ، وان يستباح جسد السودان للطامعين فيه حتى ينهشوا ما يريدون من لحمه ومن شرفه ومن عزته . ان ابناء الدعم السريع هو ابناء الوطن ، وهم احد اركان قوته ان عادوا الى ربهم ، ورشدهم ، وعملوا بما امرهم به دينهم ومبادئ امتهم ، وان جنحوا للسلم فاجنح لها ولكن الجنوح يجب ان يكون هو الجنوح الذي وصى به الدين ، لا الجنوح الذي تسعى اليه امريكا وعملاؤها واذنابها . الا هل بلغنا ، اللهم فاشهد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة