التفاوض و الحوار من أساسيات العمل السياسي ؛ و لكن يفترض أن يكون بعد تجريب الطرق الأخرى ، حتى يكون له من الأهمية ما يجعل نتائجه فرض عين على جميع الأطراف المعنية.. و في حال السودان ، فبعد تجريب آ لية الحرب ، و معرفة جزء كبير من تبعاتها ، فلا مناص من اللجوء في الأخير لآلية التفاوض ، من أجل إيجاد مخرج آمن للأمة السودانية .. و الأهم في عمليات الحوار السياسي هي أجندة التفاوض الأساسية ، و هي غالبا تستجلب من خلال التحليل العميق للمسببات الأساسية للأزمة السياسية ، فكلما صادفت هذه الأجندة مسسبات الأزمات ، فإن النجاح يكون مصير محتوم عند تطبيق مقررات الحوار في ميادين العمل السياسي ، و العكس عند الفشل في التشخيص الصحيح لأساسيات الصراعات السياسية . إن من أسباب فشل أتفاق سلام السودان الذي وقع في العام ٢٠١٩ ؛ إشراك المكون العسكري في الحكم ؛ و إشراك الأحزاب السياسية و هي غير جاهزة لتحمل مسؤوليات الحكم و قد إبتعدت عنها زمانا طويلا ، فالعسكر قد حكموا السودان منذ الاستقلال و حتى الآن ، و لم يستفد السودان من حكمهم غير تراكم الازمات السياسية و التي أفضت إلى إنفصال جنوب السودان ، و الأحزاب السياسية ، في الفترات التي سنحت لهم بالحكم ، لم يظهروا للشعب من الجدية شيئاً إلا التشاكس و الخصام ، فهذا يرفض الائتلاف ، و ذاك ينسلخ عنه ، و ظهور كتلة المستقلين في الجامعات والمعاهد السودانية هو نتيجة لفشل العمل الحزبي الواضح في السودان ، فميل الأحزاب صار أقرب للقبائل و للعشائر أكثر من الوطن ، و لما كان دور العسكر الأساس في الأوطان المعروفة هو حماية الحدود و الحفاظ على الدستور ، كان دورهم عند تسلطهم على السلطة كدور سائق تحت التمرين تولى مسؤولية قيادة العربة ، غصباً عمن هم أكفأ منه في العمل ، فكيف تنجح دولة تحت قيادة سائق تحت التمرين ؟ إن الحرب الضروس الحالية هي نتيجة طبيعية لشعب أهمل و سلم أمره لسائق تحت التمرين لمدة ستة عقود كاملة ، كان يتفرج و يمتعض فقط للجرائم التي تقترف في بقية أجزاء الوطن بسبب القيادة غير المسؤولة لسائق تحت التمرين ، حتى وصلت هذه الجرائم إلى صرة الوطن ، و بعدها أدرك الخطر بعد فوات الأوان ، فتعرض لنفس نوعية الجرائم التي كان يظن واهما أنها حكرا على الأطراف ، و ما درى ، أن أساس الجرائم هي تولى الحكم سائق تحت التمرين ، فغابت العدالة . حتى تنجح مفاوضات جنيف ، ينبغي أن تكون الأجندة الأساسية هي : آليات خروج العسكر و الأحزاب السياسية من السلطة ، و آليات تسلم الشعب سلطته عبر حكومات تكنو قراط ، تتولى الحكم بديلاً للأحزاب و العسكر ، و أن تساعد الأسرة الدولية هذه الحكومات على إرساء دعائم الحكم المدني ، فتبني لها أجهزة نظامية بدمج ما صلح من القوات المسلحة و الحركات المسلحة و الدعم السريع في جيش قومي واحد ، و تكوين قوات شرطة بمستوى قوة FBI الأمريكية و نشرها في أقاليم السودان المختلفة ، و أن تساعد هذه الحكومات في تكوين أحزاب جديدة من مخلفات الأحزاب السياسية الحالية ، تتولى مسؤولية قيادة البلاد بعد بلوغ سن الرشد السياسي ، بديلاً لحكومات الكفاءات السابقة ، و أن تساعد هذه الحكومات الحركات المسلحة ماليا حتى تنخرط كليا في الأحزاب السياسية الجديدة ، و يندمج من يرغب من عناصرها في القوات النظامية الجديدة ، و أن تفتح الباب واسعاً أمام من يرغب من القوات النظامية في ممارسة العمل السياسي شريطة أن يخلي خانته في القوات النظامية ، و ينخرط بعدها في العمل السياسي كشخص مدني حر . . فإذا طوت جنيف صفحة قيادة سائق تحت التمرين ، و طوت صفحة قيادة الأحزاب السياسية المتشاكسة لصالح حكومات تكنو قراط ، و بعد ذلك أعانتهم بالخبرات الدولية و المساعدات المالية ، فيمكنها أن تغير واقع السودان للأفضل بلا ريب .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة