(١) يعول الكثيرون على العامل الخارجي في حسم الحرب اللعينة الماثلة ، إنطلاقا من توصيف مبسط لطبيعة الحرب وارتباطات اطرافها بالمحاور الاقليمية والدولية . وينسون في خضم ذلك ، الاسباب الداخلية الرئيسة التي ادت إلى إشتعالها بالاساس، ويفترضون ان التدخل الدولي سيفرض سلاما مستداماً ، ويؤسس لإستقرار مفروض، يقبلونه بغض النظر عن ماهية هذا الاستقرار المزعوم ، والمعادلة السياسية التي سينتجها. وبكل تأكيد هذا التبسيط مخل، فالتدخل الدولي لا يتم في فراغ، بل ينطلق دائمًا من المعادلة السياسية الماثلة بهدف تعديلها، واعادة صياغتها لإنتاج واقع جديد وخارطة سياسية تحمي مصالح الدول الراغبة في التدخل أولاً ، وحلفائها في الداخل ثانياً ، بتجاهل تام لمصالح الشعب المعني، مالم يشكل الشعب حضورا منظما وفاعلا يفرض ارادته وسيادته على ارضه. فالواهمون بأن التحركات الدولية الأخيرة سيتمخض عنها تدخل عسكري ينتج نظاما ديمقراطيا عليهم أن يتريثوا، وينظروا حولهم ليروا متى أنتج التدخل الدولي مثل هذا النظام، ولهم في العراق وافغانستان وسوريا أمثلة شاخصة وحية على ذلك. والذين يظنون أن انخراط الولايات المتحدة الأمريكية الأخير في المسألة السودانية كاف لإنهاء الحرب ، لأنها تستطيع أن تعطي دولة الإمارات العربية المتحدة تعليمات بوقف دعم المليشيا المجرمة لتقف الحرب، لا يعرفون طبيعة العلاقات الدولية وأسباب عدم قيام الولايات المتحدة الأميركية بذلك طوال فترة الحرب - إن صحت قدرتها، ولا ما يميله تقاطع وتعارض المصالح على الدول. (٢) صحيح أن وزير الخارجية الأمريكي إتصل على وزير خارجية المملكة العربية السعودية ، وناقش الجانبان بحسب بيان للمتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر "الحاجة الملحة إلى تحرك دولي جماعي لإنهاء الحرب في السودان ومنع المجاعة والمزيد من الفظائع في أكبر أزمة إنسانية في العالم. وواكب ذلك تصريح المبعوث الأمريكي الخاص بالانفتاح على جميع البدائل خلال ثلاثة لأربعة أسابيع في حال فشل موضوع السلام. وتزامن ذلك كله، مع مقال السفير الروسي الذي سخر من التحول الديمقراطي ونسبه للمجهول ، ووصف الجيش بأنه عقبة كؤود في سبيل ذلك التحول، وكلل ذلك بوصف تنسيقية "تقدم" (قحت الموسعة) بأنها أداة عميلة يرغب الغرب في وضعها على دست الحكم وبأنها سبب الحرب. ولسنا في حاجة للقول بأن هذين الموقفين يعكسان ما ذكرناه أعلاه، ويوضحان مدى تعارض المصالح الدولية وتناقض مواقف أطرافها المؤثرة ، الذي ينتج توازنا دقيقا على المستوى السياسي ، يستلزم اتخاذ قرارات تراعي هذه المصالح وترفع تعارضها وتبحث عن نقاط التقاطع لتكوين موقف موحد يصنع قرارات قابلة للتنفيذ، لا قرارات شبيهة بقرارات مجلس الامن في القضية الفلسطينية مثلاً. فالموقفان أعلاه ، يعرضان موقفا أمريكياً ساعيا الى وقف الحرب وأخذ جميع الخيارات في الاعتبار، دون انحياز فاضح لأحد طرفي الحرب بمستوى يدعم الموقف الأمريكي القديم الجديد ، الراغب في تسوية سياسية بواجهة مدنية هي تنسيقية "تقدم"، وكذلك موقفا روسيا رافضا رفضا صريحا لوجود "تقدم" بمستوى دمغها بالعمالة للغرب، ورافضاً بالتبعية للتحول الديمقراطي، وخالطا للأوراق بالهجوم على الجيش عدو تنسيقية " تقدم" المرحلي حسب خطابه الإسلامي المعلن، في موقف مبطن داعم لمليشيا الجنجويد المجرمة. (٣) والتعقيدات أعلاه تشي بأن روسيا ليست في وارد قبول صدور قرار من مجلس الامن بتكوين قوات حفظ سلام تتدخل عسكريا في حرب السودان لوقفها، لأن ذلك يعني وفقا للتصور الأمريكي صعود تنسيقية "تقدم" إلى السلطة كواجهة مدنية لتسوية مفروضة بقوة السلاح، وهذا يعني وصول قوى عميلة للغرب إلى السلطة وضرب المصالح الروسية بالطبع حسب قراءة روسيا للمشهد السياسي. ويقيننا انها من الممكن أن تصل إلى حد استخدام حق النقض "الفيتو" لمنع ذلك. وقد يقول قائل بأن "تقدم" هي الحليف الموضوعي للجنجويد حلفاء روسيا، وبالتالي ليس من المنطق وقوف روسيا ضدها بهذه القوة. وهذا القول ينسى أن التحالف الموضوعي يتم مع تعارض المشاريع وعند تقاطع المصالح فقط ، ولا تقاطع مصالح بين تنسيقية " تقدم " والروس حالياً ، لأنها حاصلة على دعم مطلق من الغرب عدو روسيا، مثلما ان الجيش المختطف مدعوم من أوكرانيا، التي تسبب دعمها له في فشل زيارة نائب رئيس مجلس سيادة الانقلاب غير الشرعي الأخيرة إلى روسيا، بالرغم من عرضه كل ما يمكن بيعه للبيع بثمن بخس. اما الزعم بأن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على اصدار تعليمات لدولة الإمارات العربية المتحدة لوقف الحرب ، فهو قائم على وهمين كبيرين: أولهما بناء هذا الزعم على القدرة بدلا من الارادة المبنية على المصالح المشتركة، وثانيهما افتراض ان العلاقة بين البلدين قائمة على اصدار التعليمات والأوامر لا التنسيق ومساحات الحركة واختبار البدائل . فمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في السودان لا تتعارض مع مشاريع دولة الامارات فيه!! فمشروع ميناء ابوعمامة وثيق الصلة بأمن البحر الأحمر وأمن اسرائيل وليس مشروعا تجاريا محضا ، والاستثمار الزراعي في الفشقة ضروري للإمارات وأثيوبيا معا ولأستقرار دولتين حليفتين للولايات المتحدة الأميركية ، ووصول ذهب السودان إلى دبي يحرم منه روسيا ويضعف أمنها الاقتصادي. (٤) وفي تقديرنا ، أن ما تقدم أعلاه ، يقدح في التصور القائل بأن هناك قوات حلف سلام ستتشكل خلال اربعة أسابيع للتدخل العسكري لوقف الحرب السودانية في حال فشل المفاوضات، لأن صدور قرار بتشكيلها من مجلس الامن غير وارد في ظل الموقف الروسي الماثل. ولكن قطعا هناك بديل المنظمات الاقليمية كالاتحاد الأفريقي او منظمة الايقاد، وهو الارجح والأكثر منطقية. فالولايات المتحدة الأمريكية تستطيع بما لها من علاقات بالدول الافريقية، أن تدفع في اتجاه تكوين مثل هذه القوات بدعم مطلق منها والدول الغربية ، للتدخل في هذه الحرب اللعينة ووضع حد لها. وفي هذه الحالة ستحقق هدفين: الحفاظ على قواتها وعدم خوض حرب مباشرة وتفادي الجدل الداخلي، وتجاوز اي معارضة دولية في مجلس الأمن. وهذا يأتي في اطار الحروب بالوكالة والتخلص من الحروب المباشرة بكل تأكيد ، لأن البديل الاخر هو إنشاء تحالف خارج نطاق الشرعية الدولية للقيام بالمهمة، تماما مثلما حدث في العراق، وهو أمر مستبعد تماما في ظل الظروف الراهنة. لذلك الارجح هو أن الموقف الأمريكي الضاغط الان ، الغرض منه فرض التسوية السياسية الموضوعة عبر منبر جدة خلال شهر، مع تهديد الطرفين بجدية الاستعداد للتدخل العسكري في حال فشل المفاوضات. فالولايات المتحدة الأمريكية كانت ومازالت راغبة في عمل تسوية تضمن سلطة بواجهة مدنية ، مع بقاء الطرفين المتحاربين كقوى عسكرية يتم دمجها في جيش موحد في فترة قادمة، تبقى خارج سلطة الحكومة المدنية كما كانت في ظل الوثيقة الدستورية المعيبة والاتفاق الإطاري ، ولا تخضع كمؤسسات للحل أو المحاسبة، بل يتم تقديم بعض منسوبيها فقط للمحاسبة، عن جرائم ثابتة سوف يتحملون وزرها بصفة فردية وشخصية. والخلاصة هي أن الموقف الدولي النشط مؤخرا هو أحد العوامل الهامة في ايقاف الحرب، لكن يجب تقييمه لمعرفة ما إذا كان حميدا أم أنه
06-22-2024, 00:06 AM
Yasir Elsharif Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 51130
Quote: أم أنه يهدف لفرض المصالح الدولية على شعبنا ، في إطار تغييب متعمد لإرادته الشعبية ، حتى يتمكن شعبنا – وهو قادر – من فرض ارادته ، وهو وحده من سيتمكن من وقف الحرب وفقا لمشروع يحمي مصالحه ويحقق اهداف ثورة ديسمبر المجيدة. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!! .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة