بسم الله الرحمن الرحيم " كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ"
أهلنا في السودان جميعا كل عام وأنتم بخير، وجعله الله عيد سلام..
رحم الله شهداء الفتنة، وجعلهم فداء للشعب، ورسل بين يدي السلام القادم إن شاء الله.. وأعان الله الشعب المنكوب على محنته، ورفع عنه البلاء، ويسر له سبل السلام.. لقد ابتلينا أعظم إبتلاء، وأقبحه، يسر لنا الله مخرج منه، وأحل السلام في ربوع البلاد، وجعله مقدمة للسلام الدائم الموعود. نعني بالموقف من الحرب موقفنا نحن الجمهوريين.. فنحن أصحاب موقف مبدئي ثابت من قضية السلام، خلاصته ان الحرب دخلت في الوجود لحكمة، هي خدمة التفاعل الحضاري، وسوف تنتهي بنهاية هذه الحكمة.. والآن قد استنفدت الحرب حكمة دخولها، بصورة تامة، وقد آن لها أن تذهب، ويجيء بديلها: السلام الدائم والشامل.. كانت الحرب العالمية الثانية المنعطف الأساسي في تاريخ الحرب، فلأول مرة يفشل المنتصر في تحقيق المكاسب التي كانت تحققها الحروب في التاريخ.. فبرطانيا المنتصرة مع الحلفاء اصبحت بعد الحرب دولة من الدرجة الثانية، في حين ان المانيا، واليابان المنهزمتان اصبحتا بعد الحرب من دول المقدمة.. قال الاستراتيجي الشهير ليدل هارت عن الحرب العالمية الثانية: (وكانت المحصلة الأخيرة والنتيجة النهائية، للقيادات الغربية الرسمية المتحالفة، انها قد كسبت الحرب بالفعل، ولكنها خسرت السلام الذي ارادته، وتمنته وتوخته، فدفعت الثمن فادحاً باهظاً بالدماء، والمصالح، والارواح والاموال والمصائر) .. (كان السلام الذي حققته الحرب العالمية الثانية، سلاما من نوع فريد، وطراز خاص.. لم يعرف العالم ولا شهد التاريخ _على غرابته احيانا _، سلاما حقق مثل هذا القدر الضئيل، والنذر اليسير من الأمن والاستقرار للشعوب والدول) .. أما الميجر فللر فقد عبر تعبيرا رائعاً عن الحرب العالمية الثانية عندما اختار لها عنوان (الهزيمة عبر النصر). وقد فقدت الحرب حكمة دخولها في الوجود تماما بعد الوصول إلى الأسلحة الذرية والهيدروجينية، وأسلحة الدمار الشامل الاخرى، واصبحت حرب شاملة، مثل الحرب العالمية تعني فناء الحياة على الارض – الحياة وليس الحضارة!! وهذا اصبح مفهوما لكل انسان متعلم.. وبذلك اصبحت الحرب في هذا المستوى مستحيلة، واصبحت المعادلة إما السلام الشامل او الفناء!! اصبح قصارى ما تقود إليه الحرب هو الوصول إلى طاولة المفاوضات.. والرشد يقتضي أن نذهب إلى المفاوضات دون المرور بتجربة الحرب.. هكذا اصبح السلام حاجة حياة أو موت، خصوصا بعد توفر البديل للحرب، وهو التطور في وسائل الإتصال والمواصلات، وتوحد الكوكب الارضي. حسب ما تقدم اصبح موقفنا نحن الجمهوريين، الدائم الثابت، هو اننا ضد الحرب في أي صورة كانت، بل وضد العنف، ومع السلام الشامل.. لم تعد هنالك حرب عادلة، كما كانت تزعم الكنيسة.. الحرب في أي صورة لها هي خيار مرفوض، ويجب العمل ضده بقوة ووضوح تام.. هذا هو موقفنا الثابت، فنحن دعاة سلام شامل. الحرب بصورة عامة اصبحت حرب عبثية لا جدوى منها، ولا تقدم سوى الدماء والخراب.. أما حرب السودان، فهي اولاً حرب داخلية بين طرفين من الشعب السوداني نفسه: الجيش (الاخواني)، والدعم السريع .. وكلا الطرفين من مؤسسات نظام الإنقاذ البائد، لا خلاف بينهما في هذا الصدد.. واصبح معلوما الآن، أن تنظيم الإخوان المسلمين، هو وراء إشعال الحرب وهو حتى الآن الحريص على عدم الدخول في مفاوضات تؤدي إلى السلام .. فكلا الطرفين المتحاربين، هما يرجعان إلى تنظيم الاخوان المسلمين.. ولكن لاحقا اصبح تنظيم الدعم السريع يعلن عداوته للإخوان المسلمين، ويعلن وقوفه إلى جانب الحل السياسي والنظام المدني .. هذا موقف يحمد له، ولكنه لا يغير من موقفنا من الحرب، ولا يجعلنا ندعم فريق ضد فريق آخر.. فهذا الصنيع – دعم فريق ضد الآخر – هو عمل في دعم الحرب وتأييد استمراريتها، ولذلك هو مرفوض بصورة مبدئية، أضف إلى ذلك انه يعرض الإخوان في الداخل إلى تحرش الفريق الآخر، الذي لا ندعمه، بهم، على اعتبار انهم أعداء لهم، وفي ظروف الحرب القائمة يمكن أن يفعل بهم أي شيء، نتصوره أو لا نتصوره. مسئولية تنظيم الاخوان المسلمين عن نشوب الحرب وإستمراريتها، مسئولية كاملة وشاملة .. وهذا بفضل الله اصبح مفهوما عند أغلبية الناس في السودان، خصوصا الشباب .. فقد استمعت إلى العديد منهم في وسائل التواصل، شبان وشابات، وكانت رؤيتهم واضحة، ولا تجوز عليهم الأعيب الاخوان المسلمين المختلفة .. وكانوا دائما يتحدثون بمرارة الموجوع، المغدور به. إن موقفنا المبدئي يقوم على رؤية الفاعلين: الفاعل الحقيقي – الله ، والفاعل المباشر - البشر – هنا الإخوان المسلمين بالذات .. عن هذه الرؤية عبر الاستاذ محمود، في موقفه من المرحوم د. الترابي، حيث قال: الترابي موضع حبنا، ولكن من ينطوي عليه من زيف.... إلخ هو موضع حربنا .. وهذا هو مبدأ: تكره الكفر وتحب الكافر!! تكره الكفر وتكره الفساد هذا أمر واضح، وهو أمر الشريعة.. أما محبة الكافر أو المفسد فهو أمر يقوم على حقائق التوحيد.. يقوم على أن الفاعل المباشر إنما فعل بقضاء وقدر.. فالله تعالى هو الفاعل الحقيقي وراء فعله.. فعلينا أن لا نكره الإرادة!! بل نحبها ونؤمن بحكمتها، ولكن نكره الشر الذي دخل بواسطتها!! هذا الأمر، أمر دقيق جدا في التوحيد، ولا يتأتى لكل سالك، فعلينا أن نعلم أنه غاية عليا منشودة، ولكن في التحقيق قد نكون بعيدين عنه، فيجب ان لا ندعيه.. يقول الاستاذ محمود: (وقمة المعاملة ان تنشأ الصلة، بينك، وبين الاشياء، والاحياء، فتتصرف فيها وأنت تتوخى الحكمة التي ترضي خالقها، في تصريفها.. وهذه دائما ممكنة، في مستوى من المستويات للعارفين الذين تبلغ بهم المعرفة منازل المحبة، محبة الاحياء والاشياء).. أنا لست من العارفين الذين بلغت بهم المعرفة منازل محبة الأحياء والأشياء، ولذلك لا ادعي أنني أحب الترابي، أو أحب الإخوان المسلمين، هذا ليس مستواي وإن كنت اعرف أنه المستوى المطلوب!! حاولت ان أدعوا على الاخوان المسلمين لما قاموا به من فساد في أرض السودان، ولم استطع .. وحاولت ان ادعوا لهم، من منطلق محبة الأحياء والأشياء، ولم تطاوعني نفسي!! هذا هو مستواي، وإن ادعيت غيره أكون منافقا!! نعم إنني اتطلع إلى المستوى الأكبر، لكنني حتى الآن لم أحققه، فعليَّ أن التزم مستوى تحقيقي.. دعا الاستاذ محمود على الإخوان المسلمين، وكان نفس هذا الدعاء هو دعاء لهم.. فقد قال "الله يخزيهم خزياً يفتح بصيرتهم" !! وهو قد جعل الخزي لشرهم، وفتح البصيرة لأشخاصهم.. هذا هو المستوى من المعرفة الذي لا أدعي تحقيقه .. الفهم واضح، ولكن العبرة بالتحقيق وليس مجرد الفهم !! خلاصة الامر، موقفنا من الحرب هو اننا ضدها بصورة مبدئية، لا نميز بين المتحاربين، فكلاهما اجرم في حق الشعب السوداني، ولا يزال يفعل. التوجه عملنا هو التوجه ضد الحرب، والدعاء الدائم، عقب كل الصلوات، وفي كل الأوقات، خصوصا في الثلث الأخير من الليل، أن يطفيء الله نار الحرب، ويحيلها إلى سلام وأمن وذلك ليس على الله بعزيز.. هنالك من يرى أن التوجه عمل سلبي، وهذا تصور شديد الخطأ.. هو عمل إيجابي في قمة الإيجابية.. في الحقيقة لا يطفيء نار الحرب إلا الله، الفاعل الحقيقي.. وهو في إطفائه لها لا يحتاج إلى شيء فأمره إذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون.. فبالتوجه نحن نتجه إلى الفاعل الحقيقي بل الفاعل الوحيد .. فالحرب لا يمكن ان تقف إلا إذا أذن الله بذلك.. إتفاق السلام لن يحدث إلا بإذن الله وتوفيقه، ففي جميع الحالات الله تعالى هو من يوقف الحرب.. وهو تعالى يمكن أن يستجيب لدعائنا.. (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)!! على كلٍ، التوجه والدعاء هو واجبنا الذي لا نملك غيره، والإستجابة ليست مربوطة بأن تكون لنا مكانة عند الله كما يتوهم البعض.. فنحن ندعوه، ونلح في الدعاء بحاجتنا، ونطمع، طمعا لا حد له أن يستجيب لدعائنا فضل منه ومنة. بالطبع التوعية أمر ضروري جدا، فلا بد من تصوير بشاعة الحرب، والثمن الغالي جداً الذي يدفعه الشعب السوداني، من قتل الأبرياء في منازلهم، وترويع الآمنين، خصوصا الاطفال، ونهب الممتلكات وإهانة كل الناس بالصورة التي تنفر عنها ابسط القيم الانسانية.. والتشريد الواسع جدا، داخل السودان وخارج السودان.. فقد شردنا نظام الإنقاذ، وها هو يواصل عمله بالتشريد من خلال هذه الحرب اللعينة.. والصور البشعة لا حصر لها.. والخوف كل الخوف أن يصحب هذا القتل والتشريد مجاعة، وهي أمر وارد ويكثر الحديث عنها هذه الايام.. كما انه لا بد من فضح أساليب الاخوان المسلمين في جر المواطنين إلى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل من خلال التسليح، والدعوة إلى تكوين مليشيات تحارب نيابة عنهم.. وهذا أمر ظل يجري بصورة واسعة في العديد من قرى الجزيرة.. الحمد لله قام الشباب بعمل مجيد جدا في التوعية، وإدانة تنظيم الاخوان الذي هو السبب الاساسي في الفتنة.. والمطلوب المزيد من التوعية، يقوم بها كل من يستطيع. حرب السودان هذه، صورة من صور فتن آخر الزمان التي قال عنها المعصوم انها (كقطع الليل المظلم) .. وان (القاتل فيها لايعلم لما قَتل، والمقتول لا يعلم لما قٌتل) .. وحذر المعصوم من المشاركة في هذه الفتن بإي صورة من صور المشاركة، وقال (لأن تكن مقتولاً خير لك من أن تكون قاتلاً). معلوم عسكريا، أن الجيوش لا تنتصر مهما كانت قوتها في حرب العصابات، وحرب المدن !! وهذا أمر يكاد يكون بديهياً، لأن في مثل هذه الحروب لا يوجد جيش أنت تواجهه، ولا تعلم مكاناً محدداً للعدو.. فويلات العمل العسكري، في مثل هذه الحروب، تقع على الشعوب، وعلى الأبرياء من المواطنين.. ويضربون مثلا لحرب العصابات، حرب فيتنام، التي عجز فيها الأمريكيون على قوتهم من الانتصار.. وحربنا هذه حرب مدن، جل القتل والتجريح والتخريب، يقع فيها على المواطنين الابرياء.. بصورة خاصة، سلاح الطيران لا قيمة له في مثل هذه الحروب، ولأن موقع العدو غير محدد، فالضرب بالطيران دائما يكون ضد الابرياء.. هذه البداهة، لا يفهمها الاخوان المسلمون.. وهم لن يتراجعوا عن فتنتهم إلا إذا ثبت لهم عمليا أنه لا فرصة لهم في النصر.. ولأنهم مستدرجون، هم سيستمرون في الحرب إلى أن يظهر لهم بصورة قاطعة أنه لا فرصة لهم في الانتصار.. وحتى لو انتصروا لا قدر الله فقد اصبح حظهم من الوصول إلى السلطة الزمنية يكاد يكون معدوما .. وهم قد خرجوا من عقول الشعب، وبصنيعهم في هذه الحرب يخرجون من قلوب الشعب .. نهاية كيد الإخوان المسلمين بالتوعية وهذا الأمر يسير على أحسن حال خصوصا بين الشباب. بلغتنا النذارة قبل وقت طويل، وبعبارات شديدة ومخيفة.. ولكننا لم نفهمها في مستواها.. وقد قيل لنا أن سوء الاخوان المسلمين: يفوق سوء الظن العريض .. فكل ما أسئت بهم الظن هم أسوأ من ظنك السيء بهم .. الآن اصبحنا نخاف أشد الخوف من عبارات النذارة الشديدة، خصوصا فيما يتعلق بأمر المجاعة !! نسأله تعالى اللطف. اللهم نسألك أن ترحم ضعفنا وقلة حيلتنا، وتجنبنا ويلات هذه الحرب اللعينة.. اللهم أخزهم خزيا يفتح بصيرتهم، ويكفينا ويلات شرهم .. اللهم نطمع في فضلك في أن يعقب هذه الحرب السلام والإستقرار، بالصورة التي تجعل حالنا مقدمة للسلام الشامل والدائم المبشر به.. إنك نعم المولى ونعم النصير. ملحوظة: بالطبع مشهدنا في السلام ليس ملزماً لأحد غيرنا خالد الحاج عبدالمحمود الدوحة 18/6/2024
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة