ما زالت مليشيا الدعم السريع الإرهابية في السودان تؤكد استهدافها المواطنين العزل بالقتل والاغتصاب والنهب في صور بشعة لم يكن يمكن تصورها إلا في عصور بائدة، ومن لدن قوات مثل التتر والمغول. التقارير الدولية والأممية سارت بها رياح الإعلام ولم تعد الحقيقة خافية على أحد؛ أحدث المجازر الدامية كانت في قرى ود النورة بولاية الجزيرة، وحلة الشيخ السماني بولاية سنار؛ فهاتان الولايتان بوسط البلاد، أصبحتا موبوءتين بذئاب منفردة وكلاب مسعورة من عناصر هذه المليشيا، تهجم على حين غرة على هذه القرى الآمنة المطمئنة. فقرية صغيرة قد لا يتعدى سكانها ألف شخص تفقد نحو 200 من أهلها نتيجة لهجوم غادر مباغت من جانب المليشيا. إن سلوك هذه المليشيا أصبح محيراً ويدل على خلل نفسي ما، وهو سلوك ناتج عن فقدان التوازن العقلي؛ فلا تتوانى عناصر المليشيا في تسجيل وتوثيق جرائمها بنفسها وهي تبدي سعادتها بذلك. فقد أظهرت مقاطع مبثوثة من جانبهم إجبار مواطنين اختطفتهم على تقليد نباح الكلاب، ومرة أخرى صوت القطط، وهم يرددون في تهكم وسخرية: «نحن لم نسمع، ارفعوا أصواتكم». ومن قبل وثّقوا لعمليات اغتصاب ارتكبوها وقد تناوبوا على الضحية. إن الجرائم التي ترتكبها هذه الميليشيا ليست أقل بأي حال من جرائم مخزية تندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وهذه كلها جرائم تتعارض مع القوانين الدولية في المجال الإنساني. ومع كون الأزمة السودانية في مجملها يلازمها تجاهل وصمت دوليان - دبلوماسي وإعلامي - غير أن ما يبدو من الاهتمام يلفه فيه قدر كبير من الريبة، والشك حول دوافعه ونواياه؛ فبينما تكاد تغرق ولاية كولاية الجزيرة في جرائم المليشيا الدامية، نجد أن هناك تجاهلاً مريباً مقابل اهتمام بيّن لما يجري في إقليم دارفور لاسيما مدينة الفاشر، وولاية الجزيرة هي أكبر ولاية سودانية بالكثافة السكانية بعد ولاية الخرطوم، إذ يسكنها نحو 8 ملايين نسمة. ولعل القوى الدولية والإقليمية التابعة لها، ترى أن دارفور تشكل محوراً مهما في مشروع تفكيك الدولة السودانية وجعلها أثراً بعد عين، ليقف السودانيون حينذاك كما وقف امرؤ القيس على أطلال منزل محبوبته حزيناً باكياً بسِقْطِ اللِّوى بين الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ. ولولا أن مجلس الأمن غدا مشلولاً بسبب تنافر القوى الدولية صاحبة اليد العليا في استصدار قراراته، بسبب انغماسها في حرب عالمية مستترة في أوكرانيا، لتوالت قرارات المجلس تحت البند السابع بشأن دارفور ولما أبقت ولا ذرت. بالأمس القريب طالب مجلس الأمن الدولي، مليشيا الدعم السريع بإنهاء حصارها لمدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور. ودعا المجلس في إطار ضمن مشروع قرار صاغته بريطانيا وحظي بتأييد 14 عضواً في المجلس مع امتناع روسيا عن التصويت، إلى الوقف الفوري للقتال في الفاشر وما حولها وانسحاب المقاتلين. ولعل في الأمر محاولة لإنقاذ المليشيا التي تلقت ضربة قاضية الأسبوع الماضي في الفاشر وهلاك قائدها في ذلك المحور وكذا القائد الميداني وولى البقية هاربين مذعورين مخلفين الآف القتلى والجرحى. وفي منتصف الشهر الماضي، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن «قلقه الشديد» إزاء المعارك الدائرة في الفاشر. ومن جانبه أعرب مدعي المحكمة الجنائية كريم خان عن قلقه البالغ إزاء الاتهامات المتعلقة بارتكاب جرائم دولية واسعة النطاق في الفاشر ومحيطها. وناشد خان الشهود في السودان بإرسال الأدلة لمساعدة التحقيق العاجل الذي فتحه مكتبه بشأن اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في منطقة دارفور. بيد أن كل ذلك التداعي النفاقي لم يشمل الحديث عن انتهاكات المليشيا في ولاية الجزيرة وهي لا تقل فظاعة بل تتفوق عليها في بعض الأحيان. ويتم في حالة دارفور الحديث عن أطراف ومحاولة اتهام الجيش بنصيب من هذه الجرائم حتى يمهد مشروع التفكيك، فالجيش هو العقبة الكبرى أمام هذا المخطط المكشوف.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة