* نعم، إنها معالجات في الزمن بدل الضائع.. معالجات دبلوماسية عالية المستوى، تتمثل في زيارة مالك عقار وكوكبة من ذوي الاختصاصات المهنية إلى روسيا، و زيارة أليكسي لا فروف إلى دولة غينيا و دولة تشاد، و زيارة شمس الدين كباشي إلى دولتي مالي والنيجر..
* هذه زياراتٌ تعكس تكتيكٌاً لا يشبه تكتيكِات أمريكا في أفريقيا و لا في أيٍّ من دول العالم الثالث، حيث تعتمد تكتيكات أمريكا على (العصا والجذرة ) لقضاء حاجات في نفس الدولة العميقة في أمريكا..
* أما روسيا، فإن حاجتها لمنفذ إلى البجر الاحمر حاجة معلنة (بالواضح)، بينما حاجة السودان إلى السلاح الروسي وإلى (حق الڤيتو) الروسي في مجلس الأمن متى حاولت أمريكا ضرب السودان ضربة تجت الحزام، كعادتها..
* وبقراءة التاريخ نجد أن الحكوماتُ السودانية المتعاقبة ظلت تهرول لكسب وُد أمريكا والحرص الشديد على عدم إغضابها.. وأنن رغبة أمريكا في الهيمنة على السودان برُُمَتِه، عبر عملائها، ظلت هي البند الأول في مخططاتها تجاه السودان..
* و لو تأملنا ما كان يدور في ميادين (اعتصام القيادة العامة) و التحركات غير المنضبطة التي كان يقوم بها الدبلوماسيون الأجانب،خاصة الأمركان، و القاءات غير دبلوماسية التي كانوا يقيمونها مع الثوار، داخل وخارج تلك الميادين المزدهرة بالشباب، لأدركنا مدى تورط أمريكا والدول الغربية في الأزمة السياسية السودانية التي أنتجت الحرب الحالية..
* لم تكتفِ أمريكا و أتباعها بما قام به دبلوماسيوهم من أدوار غير دبلوماسية، بعد ثورة ديسمبر المتحدة، إنما توغلوا في الشأن السوداني سياسياً، بصورة فاضحة، اختلقوا خلالها (الآلية الثلاثية) التي كونوها من فربق متجانس يضم قوى الحرية والتغيير (قحت) و مبعوث الأمم المتحدة، فولكر بيرتس، و المكتب التنفيذي للاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد؛ و كان هؤلاء كلهم يتحدثون بصوت واحد ذي نبرات مختلفة لكنها تُوصِل لنفس الديمقراطية التي يدعو إليها القحاتة ولا يمارسونها داخل أحزابهم..
* و ذلك ما نقرأ شيئاً منه في قول السفير الروسي، ألكسي شيرنوفول، لإحدى الصحف السودانية وقتها:- " أن الغرب زرع (قنبلة موقوتة) في عام 2019،بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، لتكييف السودان مع المعايير النيو-ليبرالية الغريبة في البلد، وهو ما أدى في المحصلة لأزمة سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة.."
* و كرر السفير الروسي نفس الكلام في موقع المجلة الروسية (اسبوتنك) في أبريل ٢٠٢٤ قائلاً:- "إن المحاولات المهووسة لتكييف السودان مع المعايير النيو-ليبرالية الغريبة أدت بطبيعة الحال إلى أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة"..
* لقد إنكشف، لكل ذي بصيرة، أن أمريكا كانت تبذل قصارى جهدها لوضع كل صيد ثورة ديسمبر المجيدة في جوف (قحت).. و أن الديمقراطية التي يناﮂي بها القحاتة تتسق مع برامج الغرب الليبرلية، نظرياً فقط، و أن القحاتة كانوا يُساقون للوقوف سداً منيعاً يحول دون تغلغل روسيا في السودان باسم السيادة الوطنية.. خاصة وأن علاقةَ مصالحٍ متينةٍ كانت تربط حميدتي، قائد ميليشيا الجنجويد برئيس مرتزقة ڤاغنر الروسية، يفغيني بريغوجين، في الوقت الذي كانت ميليشيا الجنجويد، جزءاً من القيادة العسكرية المناوئة لتنظيم (قحت) السياسي..
* ولا ننسى العلاقات العميقة التي كانت بين السودان وروسيا، علاقات عميقة في المجال العسكري والصناعي والتقني، علاقات أصابها الفتور تبعاً للتقلبات السياسية المتتالية التي حدثت في البلد، تقلبات من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين وما بينهما..
* لم ييأس الروس من استعادة علاقاتها القديمة مع السودان، خاصة وأن التسليح الروسي يكاد أن يكون أحد أهم عناصر التسليح في الجيش السوداني، منذ عقود و حتى الآن.. و لعدم اليأس هذا لم يهرب السفير الروسي كما هرب سفراء الدول الكبرى الأخرى من السودان، خوفاً من إسقاطات الحرب الجارية، بل ظل مقيماً في البلد، و تَعرَّف، عن كثب، معرفةً (حيةً) بما يحدث.. و عرف أن هناك شرعية شعبية عميقة اكتسبتها القيادة العسكرية بالتفاف الشعب السوداني حول الجيش..
* لقد تلمس السفير الروسي الأوضاع من جميع جوانبها.. و اعتماداً على المعلومات الراسخة التي قدمها لرؤسائه في (الكرملين)، قام رئيسه، ميخائيل بوغدانوف، نائب وزيرالخارجية الذي يتولى وظيفة المبعوث الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، قام بزيارة إلى بورتسودان، وأعلن أمام الملأ عن دعم روسيا لسيادة السودان، معترفاً بالشرعية القائمة، ومندداً بالتدخلات الأجنبية في شؤون السودن وبالمخططات الساعية لتمزيقه، كما وعد بدعم السودان دعماً لا محدوداً بالسلاح!
* هذا الدعم الروسي هو ما كانت تحتاجه القيادة العسكرية السودانية، و كان أحوج ما تكون إلى المد (غير المحدود) للسلاح كي تواجه به ما تبذله عدة دول إقليمية ودولية من إمداد ميليشيا الجنجويد بسيل من أحدث وأفتّك الأسلحة المنقولة جواً وبراً لإضعاف قوة السودان العسكرية و إخضاعه لإيقاف الحرب ومن ثم التفاوض مع القحاتة والجنجويد، و العصا مرفوعة فوق رأس القيادة السياسية المكتسِبة للشرعية الشعبية..
حاشية... حاشية... حاشية... حاشية
- إن ما يجري في السودان الآن، ليس حرباً عبثية، كما يطلق عليها البعض، إنها الفوضى الخلاقة في أبشع معانيها.. و وصف الحرب بأنها (صراع بين طرفين)، إصرار على مداراة الحقيقة التي تؤكد أن الحرب حربٌ دولية، تقودها ميليشيا الجنجويد، بالوكالة، ضد الشعب السوداني..
- عقب الاعلان عن قرب عودة العلاقات السودانية الروسية إلى طبيعتها، حذَّر المبعوث الأميركي، توم بيرييلو، من انزلاق الحرب في البلاد إلى أسوا السيناريوهات، وقال:- "أن كل الاحتمالات باتت مفتوحة".. وهذا القول يدقع المرء للمطالبة بعدم التغافل عن أن أمريكا لن تسكت على عودة تلك العلاقات، ومع أنها لن تستطيع تغيير مجرى التاريخ الذي بدأ يتشكل في السودان، وفي أفريقيا كلها، إلا أن الحذر من مؤامرات الدولة العميقة في أمريكا واجب وطني..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة