د. أحمد عثمان عمر (١) بالطبع لا أحد تفاجأ من ارتكاب مليشيا الجنجويد المجرمة مجزرة قرية ودالنورة قبل يومين ، لأن هذا النوع من الجرائم البشعة هو السلوك المعتاد لهذه المليشيا المجرمة الذي صنعت من أجله ومارسته منذ تأسيسها في دارفور. فمليشيا الجنجويد التي تبشرنا بالديمقراطية وتمارسها عبر تنفيذ المجازر، ليست إلا عصابة للجريمة المنظمة، تمارس القتل والنهب المسلح، أسستها وشرعنتها الحركة الإسلامية لتوظيفها كبندقية مأجورة، لحين لحظة انقلابها عليها بعد الاتفاق الإطاري سيئ الذكر، الذي أسس لشراكة دم جديدة مع هذه المليشيا المجرمة والذراع العسكري للحركة الإسلامية المختطف للجيش. والمؤكد هو أن مليشيا الجنجويد تدرك أن ما تقوم به جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب في نفس الوقت، وأنه يستوفي كامل عناصر الجرائم الموصوفة في المادتين (١٨٦) و (١٩١) من القانون الجنائي السوداني، وأنه يشكل جرائم موصوفة في القانون الجنائي الدولي لا تسقط بالتقادم ، قد تستدعي تدخلا دوليا للتحقيق والمحاكمة مستقبلاً. لكنها لا تأبه لكل ذلك وتتجاوزه في سبيل تحقيق اهدافها الآنية ، من ردع وترويع و ترسيخ لحالة اللا دولة في المناطق التي تستولي عليها، في تأكيد واضح لطبيعيتها ولفشلها في التحول لسلطة أمر واقع مؤسسية، تقوم بمهام الدولة في ظل تغييبها بواسطة حرب فئات الرأسمالية الطفيلية اللعينة الماثلة. فالرأسمالية الطفيلية انتقلت من مرحلة اضعاف الدولة بعد مصادرتها عبر تغييب المؤسسية واحتكار جهاز الدولة لتنظيم الحركة الإسلامية ، الذي انتهى إلى تحالفات على اساس اثني عبر مراكز قوى التنظيم، إلى مرحلة تغييب الدولة نفسها في إطار تفسخ الرأسمالية الطفيلية وانقسام فئاتها على نفسها ، في ظل الصراع على الموارد والسيطرة الاقتصادية المؤسس للصراع الساخن على السلطة ، الذي وصل لمرحلة اشعال الحرب والفشل حتى في إدارتها من قبل الطرفين. (٢) والمجزرة بقدرما أنها أكدت المؤكد من حيث فضح طبيعة ديمقراطية الجنجويد التي تقوم على أساس الهجوم العسكري الواسع على المدنيين لممارسة القتل والنهب والترويع، أكدت أيضا انسحاب الجيش المختطف من قبل الحركة الإسلامية وتخليه عن واجبه في حماية المواطن، وتركه مكشوفا وفريسة سهلة أمام مثل هذا النوع من الهجوم الغادر غير الإنساني والمنافي لطبيعة الكائن الملتزم بأي حد أدنى من القيم الإنسانية. كذلك اكدت صحة ما ظللنا ننادي به من ضرورة عدم انخراط المواطنين فى هذه الحرب بأي صورة من الصور، ومنع طرفيها من التزود بالقود البشري اللازم لاستمرارها. فليس سرا أن عدد من شباب القرية المنكوبة قد تم تجنيدهم في إطار الاستنفار وأكذوبة المقاومة الشعبية، وتركهم والأبرياء من سكان القرية تحت رحمة المليشيا المجرمة التي فشل الجيش المختطف حتى الان في هزيمتها أو حتى لجمها ومنعها من ارتكاب مثل هذه الجرائم. فالخضوع للدعاية الكاذبة للحركة الإسلامية المتدثرة بالوطنية والمستغلة لقومية الجيش التي تم تدميرها منذ انقلاب الإنقاذ، والتي تستغل خوف المواطن ورغبته في الدفاع عن نفسه في مواجهة مليشيا الجنجويد المجرمة، محصلته دائما معركة غير متكافئة من حيث العدة والعتاد والتجربة -،إن حدثت، بين ثلة من الشباب المضللين والمليشيا عالية القدرات القتالية منعدمة الأخلاق والقيم، يدفع ثمنها المدنيون تقتيلا ونهبا وتشريدا، في غياب تام لمن حرضهم وتبنى مبدأ ادخار قوته ليحكم بها البلاد لاحقا كما يتوهم. فالمجزرة أفصحت بوضوح أن الجيش المختطف ليس في وارد الدفاع عن المواطن لأن القرية المنكوبة لا تبعد كثيرا عن قيادة قواته في مدينة المناقل، ولأن بعض شبابها من المنخرطين في استنفار ومقاومة الحركة الإسلامية المختطفة له المسماة زورا وبهتانا مقاومة شعبية وبالرغم من ذلك لم يحرك ساكنا للدفاع عنها، وهو في الغالب يعلم استخباريا أنها معرضة للهجوم. فالشواهد تثبت ان الهجوم لم يكن مفاجئا بصورة كاملة، بدلالة أن عضو المليشيا المجرم الذي صور الاقتحام ومن معه، كانوا يتحدثون عن اغراق المدافعين عن القرية للمنطقة حولها بالمياه لمنع تقدم المليشيا عبر سياراتها وناقلات مجرميها. وعلم من قام بعمل هذا التكتيك الدفاعي، يعني حتما علم الجيش المختطف ، ويؤكد أن تقاعس الأخير لم يكن حدثا منفردا بل سياسة متبعة، يؤكدها ما حدث في كل قرى الجزيرة التي تقع تحت رحمة الجنجويد.فلا يمكن بأية حال من الأحوال أن يتفوق علم المواطن البسيط على علم المؤسسة العسكرية، التي تملك مستنفرين بالقرية يملكونها المعلومات دون شك. وهذا يؤكد عدم جدوى المقاومة المزعوم أنها شعبية في حين أنها مجرد محاولة من الحركة الإسلامية لتوسيع دائرة التجنيد لمليشيا جديدة تقاتل بدلا عن مليشياتها المدخرة قوتها ، بجانب الجيش المختطف والمسيطر عليه والممنوع من القيام بواجبه في حماية المواطن. (٣) والمؤسف هو أن الحركة الإسلامية وسلطة الأمر الواقع التي تمثلها، لم تكتف بترك القرية المنكوبة لمصيرها المحتوم، بل سعت بعد وقوع المجزرة المروعة لتوظيفها سياسيا. وخرج إعلام مجلس السيادة غير الشرعي بتصريحات للانقلابي المزمن رئيس المجلس من قيادة الفرقة (١٨) بكوستي، أهمها تأكيده بأنه لا تفاوض او جلوس مع داعمي المليشيا من تنسيقية تقدم وقحت، وبأنه سيستمر في الحرب حتى آخر جندي في القوات المسلحة. وهو بذلك يؤكد رغبته في الاستمرار كسلطة امر واقع عسكرية تابعة للحركة الإسلامية بوصفها قيادة غير شرعية للجيش المختطف، وإستبعاد المدنيين الراغبين في التسوية وشركاء شراكات الدم بصورة واضحة لا لبس فيها، مع تبني تام لخط الحركة الإسلامية السياسي الرافض لوقف الحرب والمصر على استمرارها رغم فشله في حسمها عسكريا، الذي من المتوقع أن يستمر في ظل توازن القوى العسكرية الراهن. وليس غريبا تطابق هذا الموقف مع موقف حزب المؤتمر الوطني المحلول، الذي اصدر بيانا مطابقا لما ذكره إعلام مجلس السيادة غير الشرعي، تم ابتداره بالهجوم على المليشيا المجرمة واعتبار تنسيقية تقدم ظهيرا لها، وتذييله بالدعوة للمقاومة الشعبية المزعومة في اتجاه تسعير نيران الحرب بدعم الجيش المختطف، الذي يعتبره هذا الحزب ذراعا عسكرية ينفذ بها انقلاباته منذ انقلاب القصر وحتى انقلاب أكتوبر ٢٠٢١م، ويخوض بها حروبه ضد المواطن. ولسنا في حاجة في هذه الحالة للقول بأن هذا التطابق في الموقف ليس صدفة، بل هو استراتيجية عمل للحركة الإسلامية، تهدف إلى استمرارية حربها مع المليشيا المجرمة وضد المواطن. والمطلوب طبعا هو منع سلطة الأمر الواقع ومن خلفها الحركة الإسلامية الحاكمة بالفعل ، من توظيف هذه الجريمة المروعة في اتجاه تجييش جديد يوسع من نطاق الحرب، والعمل على توثيق ماتم توطئة لمحاسبة المجرمين وتقديمهم للمحاكمات العادلة عن هذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، بالتنسيق مع المجتمع الدولي ومؤسساته القضائية الجنائية، مع رفض تام للحرب والمناداة بوقفها وتحميل طرفيها المسؤولية عنها وعن تداعياتها. الرحمة والمغفرة وحسن القبول للشهداء ، والقصاص لامحالة قادم. وقوموا إلى ثورتكم، يرحمكم الله!!! ٧/٦/٢٠٢٤
06-07-2024, 06:04 PM
Yasir Elsharif Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 51130
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة