فقه الاستيلاء الثقافي الانصرافي وملهمه حسين خوجلى كتبه فيصل خليفة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-15-2025, 11:51 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-06-2024, 04:54 AM

فيصل خليفة
<aفيصل خليفة
تاريخ التسجيل: 06-06-2024
مجموع المشاركات: 1

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فقه الاستيلاء الثقافي الانصرافي وملهمه حسين خوجلى كتبه فيصل خليفة

    04:54 AM June, 05 2024

    سودانيز اون لاين
    فيصل خليفة-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر





    بمثل ما اننا لا نتوقع من حرب، اي حرب ان تكون نظيفة وعادلة وتتقيد بأبسط المبادئ الاخلاقية او تكون حرب (فاضلة)، بمثل ما اننا لا نتوقع من حرب ان تجلب لنا خيرا لان الحرب هي الشر المحض، وبالضرورة كل ما تنتجه الحرب يفوقها شرا. من أبرز هذه الظواهر الشريرة والمصاحبة للحرب والتي تساهم في تفاقمها يوما بعد يوم هم لايفاتية الحرب المنهمكين في سعار متوحش لإعلاء كلمة الحرب في مواقع التواصل الاجتماعي مع او ضد الجيش والدعم السريع. على راس حمي الحرب هذه يتربع الانصرافي الذي في هذا المقال سنتناول بعضا من محاولاته المحمومة لدفع السودانيين للالتفاف حول الجيش وتأييد الحرب من خلال عدة اساليب يستخدم فيها النصب العاطفي ان جاز التعبير مثل العصبية المناطقية والعرقية والدين، والدين من اهم حقول النصب السياسي التي يجيد الاسلاميين استثمارها على أكمل وجه. سبق وان تناولت الانصرافي الى جانب عدد من اللايفاتية السودانيين في مقال بعنوان (اللايفاتية: الانبياء الكذبة). لكن هذا المقال سيتطرق الى ظاهرة (الاستيلاء الثقافي) التي يمارسها الانصرافي ضمن تكتيكات النصب السياسي والتي يسير بها على خطي سلفه واستاذه ومصدر إلهامه حسين خوجلى والتي تخدم الدعاية السياسية (بروبوقاندا) الاخوان المسلمين للقضاء على ثورة ديسمبر والعودة للحكم من خلال الحرب.
    تعريف الاستيلاء الثقافي:
    اولا علينا تعريف مصطلح الاستيلاء حتى نتمكن من تطبيقه على نماذج من دعاية الاخوان المسلمين في السودان لتسويق الحرب والتي يتصدرها الان الانصرافي في الحاح لا يكل لاستغلال اي تراث ثقافي او فني عزيز على الشعب السوداني لاستخدامه في الدعاية للحرب. بعد تعريف المصطلح سنتناول امثلة مختارة من نماذج الاستيلاء التي يستخدمها الاسلاميين السودانيين للوصول لقلوب السودانيين من مصادر ليس فقط خارج اطر ملكيتهم الايديولوجية، بل وفى احايين كثيرة متضادة فكريا وعقائديا مع مصادرهم الابستمولوجية. كذلك سنورد امثلة مشابهة من العالم للاستيلاء الفكري والثقافي استخدم فيها الاستيلاء لترويج مزاعم ضعيفة ليس لها سند من المنطق او تلفيقات وادعاءات فقيرة اريد ان يضفي عليها الاستيلاء مشروعية معرفية او اصالة تاريخية مما يساهم في تسويقها للجمهور الذي يشكل هذا التراث جزء من وجدانه وذاكرته الحميمة او استخدام هذا التراث في سياقات لا تمت لهذا التراث باي صلات تاريخية او اجتماعية او فكرية مقابل منافع مادية او سياسية.
    الاستيلاء الثقافي في اللغة الانجليزية هو "cultural appropriation ". اصطلاحيا، قاموس اكسفورد يعرف الاستيلاء على انه استيلاء مجموعة ثقافية على اشكال او ممارسات ابداعية او فنية من مجموعة ثقافية اخرى. ويحمل هذا الاستيلاء دلالات الاستغلال والهيمنة. عليه الاستيلاء الثقافي يتضمن استغلال اي من المنتجات الثقافية المادية او المعنوية لأغراض سياسية، تجارية او فردية نفعية. ظهر اول استخدام لمصطلح الاستيلاء الثقافي في اربعينيات القرن المنصرف عام 1945، في مقال للبروفسور الامريكي آرثر كريستي، الذي كان يكتب عن “الاستيلاء الثقافي الأوروبي من الشرق” (Oxford Dictionary). لم يستخدم هذا المصطلح بتوسع الا بعد عدة عقود لاحقة في ثمانينات القرن الماضي ثم تطورت بعد ذلك استخداماته. اهم تعريفات الاستيلاء الاصطلاحية التي تهمنا في هذه المقاربة تقول - يحدث فعل الاستيلاء حينما تستولى ثقافة ما على عناصر من ثقافة اشخاص تعرضوا للاضطهاد الممنهج من قبل تلك الثقافة – هذا الاضطهاد الممنهج يمكن ان تقوم به مجموعة سياسية، او دينية، او اثنية او دولة.
    الاستيلاء الثقافي في عصر حسين خوجلى:
    بدأ استخدام الاستيلاء الثقافي والفكري من قبل اعلامي الانقاذ خاصة حسين خوجلي عندما كانت الانقاذ تعاني من عزلة داخلية كبيرة في التسعينات في وقت كان فيه شعراء الشعب ومطربيه اما في المعتقلات او مطاردين او منفيين. حسين خوجلي بوجه خاص انغمس في عملية استيلاء متطاولة مع تراث الشاعر اليساري المعروف صلاح احمد ابراهيم. لا يخفي على أحد لماذا اختار حسين خوجلى شاعر يساري راحل ليمارس فيه نوع من الاحتفاء المزيف لسبب سياسي بحت ان لم نقل بدافع الكيد السياسي وهو ان الشاعر الراحل منشق من الحزب الشيوعي وانه كما يدعى الاسلاميين كان ضحية لعملية (قتل لشخصيته) من قبل عبد الخالق محجوب وهي واحدة من الدعاوي المسمومة التي استخدمها الاسلاميين ببراعة لتشنيع الحزب الشيوعي. ولان الشاعر صلاح احمد ابراهيم يعتبر من الراحلين عن دنيانا الفانية توفى عام 1993م، يجد حسين خوجلى نفسه بكل اريحية في حل من اخذ موافقته لاستخدام تراثه في مزايداته السياسية الرخيصة. من الاسباب التي شجعت حسين خوجلى بدافع سياسي خبيث للتلاعب بتراث الشاعر صلاح احمد ابراهيم هي كراهيته، اي صلاح، المتأججة للحزب الشيوعي ونقمته الشخصية على منصور خالد. هذه الكراهية جعلت احكامه السياسية مضطربة وتفتقر للموضوعية في بعض الاحيان خاصة فيما يتعلق بحكمه المشوش على انقلاب العسكر في 30 يونيو1989 مقابل تحامله المفرط على الحركة الشعبية لتحرير السودان ورئيسها جون قرنق وقتها وبالطبع مستشاره منصور خالد (يمكن الرجوع لمقترحاته للخروج من الازمة السودانية وعدم جدوى التفاوض مع قرنق الموجهة للبشير ونائبه حينها الزبير محمد صالح في سبتمبر 1989) (الراكوبة)(1).
    من يتأمل احتفاء حسين خوجلى بشعر صلاح احمد ابراهيم يظن لوهلة بان صلاح احمد ابراهيم انشق من الحزب الشيوعي والتحق بجماعة الاخوان المسلمين. استنكارنا لهذا الاحتفاء الزائف يرتكز على حقيقة ان هذا الاحتفاء اهدافه سياسية ودعائية ان لم تكن كيدية لان حسين خوجلى يحاول – في مرحلة من اقسي مراحل الجدب الثقافي التي مرت على السودان – النفاذ الى وجدان الشعب السوداني والاستيلاء على مساحة من ذاكرته الادبية والفنية لتكتمل شرعيته الناقصة، شرعية الاستيلاء بالقوة على السلطة. لكن دعاوى الاحتفاء بالفن والفنانين سرعان ما تتبخر عندما نستحضر في نفس هذه الفترة القاتمة اقامة "حد الجلد" على المطرب الاكثر شهرة حينها في السودان محمود عبد العزيز في مكان عام بعد ان تم اجباره على الامساك بعمود خشبي في مبني النظام العام وضرب بالكرباج على ظهره امام الجمهور. صورة محمود عبد العزيز وهو ممدود اليدين ممسكا بالعمود الخشبي وهو يتعرض للضرب في ظهره (بالدرة) لازالت ماثلة في اذهان ملايين السودانيين. (انظر صورة محمود عبد العزيز في قائمة المصادر وهو يتعرض للضرب) (2). الاذلال الذي تعرض له محمود في ذلك اليوم كانت دلالاته تتعدي شخصه، وهو يقف مهيض الجناح بجسده النحيل، لتصيب الصدمة والغضب جمهوره الشبابي الواسع في كل ارجاء البلاد.
    ولكنهم للأسف نجحوا فيما بعد في اجبار محمود عبد العزيز على الرضوخ الى مشيئتهم بعد محاولات لم تتوقف من الابتزاز والتخويف والحصار والملاحقة والتضييق فوافق على المشاركة في حملة انتخاب المخلوع البشير. تخيل دولة بقضها وقضيضها بعسسها واجهزتها النظامية تكرس كل جهدها ومواردها للنيل من حرية وارادة فنان لأنه مصدر الهام لقطاع واسع من الشباب الثائر وهو التيار الضخم الرافض المعروف بالحواتة، فكيف يتفق في نفس الوقت ان اعلام هكذا نظام يمكن ان يحتفى بالفنون، والفنانين والشعر والشعراء.
    استيلاءات حسين خوجلى لم تكن اعترافا او احتفاء بالفنون، بل كانت عملية استهبال سياسي. الإنقاذ لم تكن مجرد حكم شمولي يكمم الأفواه ويستخدم الفنون لإلهاء الناس والترفيه عنهم، ولكنها قبل ان تكون فعليا حكم شمولي يكمم الافواه كانت مشروع ايديولوجي متكامل ليس فيه مساحة للفنون إلا إذا خدمت مقاصد المشروع الحضاري الذي يسعي لوضع الفنون في اسر الدين وجعلها من الشعائر التي تسبح باسم الدولة. حسين خوجلي يود ان يصبح مثقف لكل الفصول، يتظاهر بتقديره للفن، ينزع قناع الإنقاذ القبيح ويرتدى قناع المتذوق للغناء والمتبتل في محراب الفنون والآداب ونحن كسودانيين ما علينا الا ان نصدق ذلك، بل ان ندمى اكفنا بالتصفيق لمهارته الفائقة في ان يكون الشيء وضده.
    حسين خوجلى يعتبر نموذج مثالي لانعدام الحساسية الفاقع الذي يعاني منه المثقف الاسلامي المتعدد الاقنعة ويتميز بمهارته في ارتداء عباءات الاخفاء في محاولته ان يكون الشيء وضده في نفس الوقت. بعد المفاصلة حاول ان يصلى خلف الترابي وان يأكل في موائد على عثمان محمد طه والبشير في ان واحد، لكن عندما تم زجرة بخشونة عاد الى صفوف السلطة واستمر في لعب دوره المعتاد كبوق للتضليل الاعلامي وتسويق الاستبداد. حاول لعقود من خلال قناته الاعلامية (امدرمان) مسنودا ببطش وموارد السلطة، السطو على تاريخ الغناء والشعر السوداني والتبشير بصداقة الانقاذ للفنون والفنانين. حسين خوجلى من شدة مكره كان يريدنا ان نصدق ان هنالك فرق بينه وبين حكومة الانقاذ عندما نأتي للحديث عن الفنون والادب، يريدنا ان نتصور انه شيء والانقاذ شيء اخر. ولكن عندما يجد الجد وتتعرض الانقاذ للخطر تظهر وظيفته الاساسية وينبري بكامل هيئته المعممة والمتبجحة للدفاع عن الانقاذ او ربما للدفاع عن الدكتاتور شخصيا ضد وصف الشعب له (بالرقاص). لكن حسين خوجلى لم يكن استثناء بين المثقفين الاسلاميين في السودان، معظمهم الا قلة قليلة جدا، بل اقل من اصابع اليد الواحدة، كانوا لحمة وسداة الانقاذ يقاتلون في صفوفها بالقلم والكلمة والبندقية الى اخر لحظة حتى سقوطها المدوي. ساهموا بشكل مباشر في توطيد اركانها وتورطوا في كل جرائمها. انظر حتى الان لم توات الشجاعة اي منهم للاعتذار للشعب السوداني او حتى ان يقدموا نقدا مخلصا لتجربتهم المدمرة في حق الوطن لكن بدلا من ذلك يعملون بكل الطرق بما فيها الحرب للعودة للسلطة بما فيهم حسين خوجلى رغم تواريه عن الأنظار مؤقتا.
    الاستيلاء الثقافي في عصر الانصرافي:
    الانصرافي او يونس محمود في نسخته المحدثة، يمثل آخر فصول العرض الختامي لانحطاط جماعة الاسلام السياسي التي تريد العودة الى الحكم على جماجم السودانيين. الانصرافي في استيلاءاته الفنية والثقافية تحديدا في حق المطرب الراحل محمود عبد العزيز والشاعر الراحل صلاح احمد ابراهيم يقتفى أثر استاذه وملهمه حسين خوجلى وقع الحافر على الحافر الذي كان يمارس الاستيلاء الثقافي والفني باعتباره الوجه الناعم للاستيلاء على السلطة بالبندقية. استيلاءات الانصرافي في نسختها القديمة الجديدة في مسيرة النصب السياسي للحركة الاسلامية تحيل المتأمل الى مقولة كارل ماركس بان "التاريخ اولا يعيد نفسه في شكل مأساة وثانيا في شكل مسخرة" لان غفلة الضمير وخفة العقل بسبب الجهل بالتاريخ تجعل المرء دائما على ثقة من انه يكتشف العجلة لأول مرة. الانصرافي لم يستولى او اذا توخينا حسن النية لم (يستعير) هذا التراث لغرض التقدير والاحتفاء بل لاستخدامه خارج سياقه، من سياق الخير والجمال الى سياق الحرب والدمار. لان التقدير والاحتفاء بالأثر الفني او الشعري في ذاته يوجب انتفاء المنفعة الشخصية ولا يخرجه من حالة الفن للفن او الفن لخير الانسانية، اي لا يخرجه من الحيز الذي فيه الفن ينفع الناس في كل مكان على وجه الارض مثله مثل الاخلاق في كونيتها.
    السؤال الاخلاقي هو هل الشاعر الراحل صلاح احمد ابراهيم كان سيسمح لو كان حيا بالزج باسمه في حملة سياسية تدعو للحرب؟ وما هو موقع الشاعر الراحل صلاح احمد ابراهيم من ايديولوجية الاخوان المسلمين؟ وهل عندما اختلف مع الحزب الشيوعي تحول الى اعتناق فكر جماعة الاخوان المسلمين حتى يصبح جزء من تراثهم الثقافي؟ صلاح احمد ابراهيم من شدة تمرده وتوقه لكسر القيود الايديولوجية خرج من عباءة الحزب الشيوعي فهل كان سيرضي بان يصبح مجرد مادة للمزايدة السياسية ومن من؟ من اعداء الحرية والخير والجمال الذي تغنى له في كل اشعاره. لا ينبغي للفكر الفاشي ان يدعى قرابة ونسب بالفنون والآداب حتى ولو من باب المزايدة والاستهبال السياسي. في لقاء مع مأمون عبد العزيز، شقيق محمود عبد العزيز مع قناة احمد دندش , المضيف دندش ذكر بان الانصرافي ساعد عائلة محمود عبد العزيز , شقيق محمود اقر بان الانصرافي ساعد والدتهم في الخروج من السودان اثناء الحرب وهى خدمة ربما يتوقع الانصرافي ان ترد بأحسن منها دعائيا.
    بالإلحاح والتشويش والإرباك والاكاذيب، لايفاتية الحرب وعلى راسهم الانصرافي يتطفلون بالظهور على الناس يوميا ويدفعونهم دفعا لشراء بضاعتهم حتى أدخلوهم في سعار الحرب. تمكنوا فعليا من تجريد الناس من فطنة الحكم السليم على الأمور عندما البسوا الحق بالباطل. هذه الحالة من التغييب شهدناها عشية ٣٠ يونيو ١٩٨٩ عندما كان الناس بسبب عقيدتهم مشوشين في الحكم على الاخوان المسلمين. عندما كان يقال لهم هؤلاء تجار دين كان البعض يقول (لا باس بهم إذا أرادوا تطبيق شرع الله) وبعد انقلابهم قال البعض "من غشنا بالدين غششنا له", واستمر الشعب في منحهم الثقة على بياض لثلاثين عام ولا ندرى كم ستستمر هذه المرة. التأثير الحقيقي لهذه الحرب ليس فيما نراه من تحطيم للبنية التحتية او توقف الحياة وإرجاع البلد إلى عصور ما قبل الدولة. التأثير الحقيقي هو ما حدث من تقهقر في وعى الناس من إيمانهم بالدولة المدنية إلى الخضوع للابتزاز والقبول بالمعادلة الجبرية لخيار البؤس (الحرية مقابل الامن).
    كلمة السر التي يستخدمها الاخوان المسلمين لفك شفرة الشعب السوداني هي الوعي الديني العروبي. لا نعنى بالوعي العروبي الجانب العرقي، ولكن مقدرتهم على استخدام التلاعب الثقافي الهوياتي، اشغال الناس بحيثيات الوعي العروبي فضلا عن الوعى الوطني وهذا ينجح دائما للارتباط الوثيق للوعي العروبي بالوعي الديني مثل حكايات الجنيات (fairy tales) للعميد طارق كجاب. حافظوا على زخم خطاب التحريض المرتبط برهاب التخوين بالطرق المستمر والالحاح اليومي على ان كل من يقف ضد الحرب يقف خارج اجماع الشعب والأمة. هنالك عبارتين مفتاحيتين في هذا الخطاب: الجيش والشعب. ومن هذا الترتيب يمكننا أن نستشف الهدف الأساسي الذي يسعي إليه الخطاب وهو تحويل الجيش الى بقرة مقدسة يعبدها الشعب ويقدم روحة قربانا من اجلها، يتشرد، يبيت في العراء، يتعرض لكل صنوف الاذلال والمهانة بسبب النزوح، ولكن يظل الجيش هدفا اسمي وغاية قصوى وسدرة منتهى تتقاصر دونها كل تضحيات والام الشعب.
    الحديث محرم عن معاناة الناس لدي لايفاتية الحرب، قد يسال المرء نفسه لماذا لا يتحدث لايفاتية الحرب عن معاناة الناس؟ لان الحديث عن معاناة الناس يقود منطقيا إلى البحث عن كيفية إيقاف المعاناة، ولا يمكن إيقاف المعاناة من غير إيقاف الحرب. لن يتحدث دعاة الحرب عن عدد القتلى وضحايا الحرب المباشرين او الغير مباشرين. لن يتحدثوا عن الآلاف الذين يموتون بصمت في الظل كل يوم وكل ساعة ودقيقة بسبب انعدام الدواء وانعدام الرعاية الصحية، بسبب تدمير أو إغلاق المستشفيات والمراكز الصحية، مرضى السكر ومرضى ضغط الدم ومرضى الفشل الكلوي ومرضى السرطان وندرة الطعام وامراض سوء التغذية ووفيات الاطفال والرضع دع عنك الأمراض النفسية الناتجة عن صدمة الحرب ورعب الموت الذي يحوم فوق الرؤوس في كل لحظة. لن يتحدث لايفاتية الحرب عن ذلك لان قلوبهم قدت من حجر لان الحرب بالنسبة لهم وظيفة وهوية وانتماء ومجد شخصي صنع منهم نجوم لامعة في مواقع التواصل الاجتماعي إذا توقفت الحرب أصبحوا عديمي الاهمية وفقدوا وظائفهم ومصدر رزقهم. لن يتحدثوا عن معاناة الناس وهذا مكمن الضعف في خطابهم الذي يفضح زيف دعاواهم بأنهم صوت الشعب وضمير الامة.
    استيلاءات النازية في التاريخ:
    المثال الاول للاستيلاء الثقافي من المانيا النازية حيث استولى نظام هتلر وقتها على افكار الفيلسوف الالماني نيتشة واستخدمها كمرجعية فكرية للعقيدة النازية. بدأ الاستيلاء باستخدام بعض العبارات الفلسفية التي صاغها نيتشة مثل "ما وراء الخير والشر" , "الوحش الاشقر" ,"الانسان الخارق" رغما عن انه ولا اي منها كان يمثل مفهوما عنصريا يجعل من نيتشة مفكرا نازيا, (حسب كاتب سيرته الذاتية)(3). لكن بريق نيتشة وكونه فيلسوف الماني و سلطة معرفية واحد ابرز معالم القرن التاسع عشر الفكرية، واحد مفاخر المانيا، جعل منه هدف للاستيلاء من النازيين حتى يخدم بروبوقاندا بول جوزيف جوبلز لحشد الالمان خلف الحرب. مفهوم ارادة القوة الذي صاغة نيتشة قبل موته قامت اخته اليزابيث وهى نازية ومن اقوى حلفاء هتلر، بعد موت نيتشة بتجميع قصاصات و ملاحظات كتبها اخيها واضافت اليها من بنات افكارها النازية الكثير واصدرت كتاب "ارادة القوة" ونسبته الى نيتشه ليصبح نيتشة بإرادة اخته كاتبا نازيا (4).
    في هذا المثال لم يحدث فقط نزع افكار نيتشة، خارج سياقها، بل تم تزوير مواقفه وافكاره كفيلسوف انساني وتصويرة كوطني متعصب وكاره لليهود مع العلم لم يعرف عن نيتشه تعصبه او تبنيه لمقولة نقاء الجنس الاري كما انه في مناسبات كثيرة اثبت تعاطفه مع اليهود. البعد الاخر الذي يجعل نيتشة برئ من هذا التدليس هو ان احد اهم كتاباته التي تثبت عدم تعصبه هي احتفائه الكبير بأثر صوفي كبير من التراث الانساني واحد اقانيم الحكمة الشرقية من خارج المركزية الاوربية وهو زرادشت في كتابة الذائع الصيت (هكذا تكلم زرادشت) مما يؤكد بانه فيلسوف ومفكر كوني (universal) لا يمكن حصرة في الاطر القومية او الاثنية.
    استيلاءات الفاشية في التاريخ:
    رغم ان اللغة اللاتينية لغة ميتة او قل مندثرة منذ قرون، ففي مثال اخر للاستيلاء الثقافي في اوروبا استخدم موسوليني والفاشيون الإيطاليون بسبب ولعهم بالقوة والهيمنة والتوسع، اللغة اللاتينية لأنها في تقديرهم لغة القياصرة والامبراطورية الرومانية المترامية الاطراف. هذا الاستيلاء الغرض منه تصوير الفاشيون أنفسهم على انهم الورثة الشرعيين للإمبراطورية الرومانية وبذلك يستحقون ان يكونوا قادة اوروبا. كما تكشف من جهة اخرى احلام موسوليني في انشاء امبراطورية رومانية جديدة. تم استخدام اللغة اللاتينية لترجمة خطاب النصر في حرب اثيوبيا الى اللغة اللاتينية وهي رمزية ذات دلالات تاريخية وسياسية وثقافية للفاشيين الايطاليين وقتها.
    في اجابته عن سؤال لماذا قرر الزعيم الفاشي الإيطالي ترجمة خطاب (النصر) نصر ايطاليا الفاشية في حرب اثيوبيا إلى اللغة اللاتينية؟ اجاب هان لاميرز وهو الباحث الذي أجري هذا البحث مع زميل اخر هو بيتينا ريتز "أستطيع أن اقول أن الأمر قد يبدو غريبًا للوهلة الأولى. عندما يتعلق بالترجمة واللغات الكلاسيكية، فقد اعتدنا ان نبدأ من الماضي الى الحاضر، اي الترجمة من اللغات الميتة الى اللغات الحية الحديثة. لكن ما فعلة الفاشيون هو العكس تماما. " لان رغبتهم في الترجمة من الايطالية الى اللاتينية كانت مستمدة من حاجتهم الى ايجاد صلات عميقة لأيديولوجيتهم مع التقاليد الرومانية القديمة." (5)
    المثال الاخر على الاستيلاء الفاشي يعود للعلاقة المضطربة للفاشية والنازية القديمة والحديثة مع الفنون الحديثة مما جعلها تتجه للتبني الكامل للفنون الكلاسيكية الرومانية الاغريقية في مسعى لتأسيس مرجعية تاريخية وشرعية سياسية مستمدة من الماضي. هذا الاهتمام بالفنون الكلاسيكية حسب الباحث ادم جي ساكس "يتعدى الاهتمام البريء بالهندسة المعمارية ليفصح عن محاولة الفاشية للاختباء في اللبنات الاولي للثقافة الاوربية" مع ذلك رغم مشاعر الفاشست والنازيين الحفية بالفن الاغريقي القديم قام موسوليني بغزو اليونان اثناء الحرب العالمية الثانية لكنه تعرض لمقاومة من اليونان. وتعتبر اليونان من الدول التي ساهمت في تدمير احلام الفاشست والنازيين من خلال بلائها الحسن في الحرب وساهمت رغم تمكن المانيا من احتلالها في اخر الامر من تأخير غزو دول المحور للاتحاد السوفيتي وكان تمكن اليونان من صد هجوم ايطاليا اول انتصار لدول التحالف حيث منه بدأت نهاية الفاشية والنازية في اوروبا. ادم جي ساكس يختم مقالته بالقول " إذا كان الفن اليوناني الروماني قد ورث الانسانية مُثُل الانسجام والجمال وازدهار الفلسفة، فإن مقلديهم في القرن العشرين (الفاشست والنازيين) قاموا بتمجيد الهيمنة، والغرور، والطيش والتهور". (6)
    الفنون تحت حكم الاسلاميين:
    مأخوذين بالنصر المؤزر، فورا شرع الاسلاميين عقب نجاح انقلابهم العسكري في 30 يونيو 1989 في تطبيق منفستو دولة الخلافة تحت شعار "المشروع الحضاري" والذي من مراحله العاجلة "صياغة الانسان السوداني". اول ما قاموا به في شان الفنون هو تحطيم منحوتات كلية الفنون الجميلة بوصفها "اصنام". ومن ثم توالت الاجراءات المتطرفة والمعادية للفنون فشرعوا في حظر الكتب ومنع الغناء واغلاق المراكز الثقافية والمعاهد الفنية. في شهادات لمركز الاتحاد للأخبار تحت عنوان "الانقاذ والثقافة السودانية ... السنوات العجاف", قدم كل من القاص والروائي منصور الصويم والناقد والمسرحي السر السيد والمسرحي والقاص والروائي بركة ساكن افادات مهمة تبين حجم التدمير الذي تعرض له قطاع الثقافة والفنون بأجناسه المختلفة في السودان ابان حكم الانقاذ.
    الصويم افاد بان "النظام فور سيطرته على الحكم عمد إلى إزالة الأرشيف الإذاعي والتلفزيوني "أغاني ودراما"، قام بتحطيم تماثيل النحت في كلية الفنون بوصفها "أصنام". لم تتوقف عمليات ملاحقة المبدعين وتشريدهم ودفعهم للهجرة الى خارج السودان عبر ممارسات مثل المحاولات البائسة للسيطرة على الإنتاج المسرحي والغناء وتوجيهه لخدمة مشروع النظام. كذلك استهداف الكتاب والكتب، والسيطرة على الملفات الثقافية بالصحف أو إيقافها". السر السيد في افادته ذكر ممارسات بعينها للدلالة على موقف الانقاذ المعادي للثقافة والفنون. قال "أول ما فعلته الإنقاذ في بداية حكمها انها جمدت نشاط المسرح القومي فلم يقدم ولا عرض مسرحي واحد في الفترة من 89 إلى 94، كما تم إغلاق المعهد العالي للموسيقى والمسرح في الفترة من 90 إلى 94 وقد تزامن مع هذا الموقف من الفنون أن تم إيقاف تسجيل ما وصف بـ "الأغاني العاطفية" في الإذاعة والتلفزيون والذي لا يزال مستمرا حتى الآن (هذه الافادات كانت بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لانقلاب الانقاذ) ، وفي ذلك الوقت تشكلت لجنة عرفت بلجنة "تنقية الأغاني" التي تبث من الإذاعة والتلفزيون من "الشوائب" والتي تعني هنا كل ما يمس "العقيدة والأخلاق" فقد منعت كل الأغاني التي ترد فيها مفردات مثل خمر أو كأس أو أي إشارات وصفية للمرأة، كما منعت بعض الاغاني التي وصفت بأنها "شركية" كأغنية "لا وحبك" للمطرب الراحل عثمان حسين بسبب أنها تقوم على القسم بغير الله والنماذج أكثر من أن تحصى". (7)
    خلال هذه الفترة تراجع الانتاج الثقافي في السودان الى ادني مستوياته. توقفت حركة النشر الذي كانت تقوم به وترعاه الدولة ممثلة في وزارة الثقافة. توقفت مجلتا الثقافة السودانية والخرطوم كما توقفت مجلة الإذاعة والتلفزيون. تدهورت اوضاع فرقة الفنون الشعبية وفرقة الأكروبات. تم منع ومصادرة العديد من الكتب الفكرية والأدبية بشكل لم تشهد له البلاد مثيلا في الأنظمة التي سبقت الإنقاذ. أغلقت وصودرت ممتلكات عدد من المراكز الثقافية كمركز الخاتم عدلان بالخرطوم، ومركز الدراسات السودانية. تعرضت الآثار السودانية للإهمال المتعمد ومن ثم للنهب المنظم. (7)
    في افادته لمركز الاتحاد للأخبار، الروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن، الذى معظم أعماله كانت ممنوعة بأوامر صادرة من هيئة المصنفات الابداعية السودانية, قال "دور الدولة ظل ضعيفاً في بناء المؤسسات الثقافية التي تعنى بالفنون وإنتاجها ونشرها، ومعيقا لحد بعيد. . "، واعاد الى الاذهان المراقبة الأمنية التي اتبعتها الحكومة والفرز السياسي والديني من قبل مؤسساتها وإعلامها لما هو أدبي وفني ودعم ذلك بقوانين نافذة وان كل ذلك "صَعَّب مَهَمَّة الكاتب والمكتوب والمُؤلِف و المؤلَف، والفن من طبعه الموت تحت القيد ولو كان من الحرير: أظن أننا قد عبرنا ربع قرن إلى. . الوراء".(7)
    في مجال المسرح كانت هنالك افادات مهمة ادلى بها القاص يحيي فضل الله ولفيف من المسرحيين في موقع سودان فوراول (sudanforall) عن استهداف الفنون المسرحية من قبل نظام الانقاذ (8). انظر رابط الافادات في قائمة المراجع. التشكيليين والمسرحيين السودانيين يعلمون الفشل الذي الت اليه مدارس فنية للإخوان المسلمين مثل منظمة نمارق للآداب والفنون في مجال الغناء والمسرح ومدرسة "الواحد" في مجال التشكيل التي برزت للوجود في الثمانينات من القرن الماضي عقب ندوة شهيرة فيها الترابي اعطى الاسلاميين الضوء الاخضر لاقتحام مجال الفنون باعتباره أحد الرافعات المهمة لنجاح مشروعهم الديني. لكن اخوان السودان مثلهم مثل ابائهم مؤسسي جماعة الاخوان المسلمين في مصر فشلوا في اختراق مجال الفنون واصاب مسيرتهم الخسران المريع ولم ينجحوا في استخدام الفن كزراع ضمن أذرعهم الاخطبوطية الاخرى مثل العمل التعاوني في مصر لإحكام سيطرتهم على عقول الناس.
    هجمة الانقاذ في سنواتها الاولي على الفنون والآداب تكشف الموقف العقائدي الاصيل للإسلاميين من الفنون لا يغير من ذلك تراجع الانقاذ فيما بعد في مجال الغناء باعتباره من اكثر قطاعات الترفيه شعبية حتى تقلل من مساحة الجدب الثقافي وتصنع حالة من الاسترخاء وتعزز الرضى الاجتماعي وتصنع انفراجه في المزاج العام بينما في قطاعات اخرى من الفنون مثل المسرح والسينما والشعر والرواية والقصة والنحت والصحافة والكثير منها يقوم على الجهد الجماعي المنظم او المؤسسي والاكاديمي ويتطلب دعم وتمويل الدولة كان موقف الانقاذ منها التجاهل والازدراء.
    موقف الاخوان المسلمين من الفنون:
    حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين يقول "إنّ الإخوان المسلمين لا يحاربون المسرح ولا المذياع؛ لأنّهم ليسوا من الجمود ليقفوا هذا الموقف، وإنّما يريدون أن يُطَهّروهما من الشرّ والإثم، ويزيلوا الأثر السيّئ المنصبّ على نفوس الشباب والفتيات؛ ولذلك أعدّوا للمسرح قصصًا كريمًا وأدبًا رائعًا، ومثلًا، وتوجيهًا صادقًا"(9). بناء على هذا التصريح حاولت جماعة الاخوان المسلمين منذ تأسيسها ان تقتحم مجال الانتاج الفني المسرحي والسينمائي في مصر. لكن بائت كل محاولاتهم بالفشل في ان يختطوا لأنفسهم مسار فني موازي للمسار الحر والمدني السائد حينها يعبر عن اهداف وتصورات الجماعة ما عدا بعض الاستثناءات.
    ولكن سيد قطب كعادته لا يداور او يتجمل فهو مثل المبضع يمضي حادا ومباشرا لهدفه. في مجلة الرسالة عدد (22) سبتمبر 1952 تحت عنوان “اخرسوا هذه الأصوات الدنسة”، موجها حديثة لمسئولي الدولة، كتب مقالا جاء فيه “إن الإذاعة لا تزال تبث على الناس ما كانت تبثه من قبل، وهي نفس الأصوات الدنسة التي ظلت تنثر على الشعب رجيعها، وتكثر من عرض أشرطتها المُسجلة بحجة أن الجماهير تُحب هذه الأصوات”. في كتاب صدر لاحقا تحت عنوان "سيد قطب وثورة يوليو" لوزير الثقافة المصري السابق حلمى النمنم افاد ان الاصوات الدنسة المقصودة في مقال سيد قطب هم الفنانين (عبد الوهاب، ومحمد فوزي، وفريد الأطرش، وعبد العزيز محمود، وليلي مراد، ورجاء عبده وغيرهم) (10).
    نجاح عمل اعلامي واحد او اثنين في مجال السينما او المسرح يعتبر استثناء، ولكن النجاح الحقيقي يقاس بنجاح المسيرة الفنية بكلياتها وهو مالم يحدث مع الاخوان المسلمين بسبب ان القيود الايديولوجية، الدينية منها والفكرية المسبقة، تعمل على قتل الفن وتجعل منه عبارة عن موعظة مملة وشعائر دينية رتيبة وبروبوقاندا سمجة خالية من الروح والحس الانساني . الحرية المطلقة هي الاساس والبيئة التي تنمو فيها الفنون ويزدهر فيها الابداع. ان اي قيود مسبقة او قوالب موضوعة تعيق انطلاق مخيلة المبدع لن تؤدي الى انتاج فنون حقيقية ومؤثرة ولا تساهم في تفجر طاقات الابداع الكامنة في المجتمعات. وبما ان الايديولوجية الدينية تعتبر نطاق مطبوع على التحيز والتعصب والانحياز للجماعة والامة ويلتبس فيها البعد الانساني الضروري لازدهار الفن والابداع، نجدها تتعارض مع المقصد الكلى للفنون الذي يتجاوز ويقفز فوق الحدود الاثنية والدينية ويعبر عن طابعه الكوني (universal). رغم ان الفن يمكن ان يعبر عن اثنية بعينها في الرقص والفلكلور مثلا لكنه يقدم تجربته للآخر المختلف عنه ليس باعتبارها (خاتمة المطاف) ولكن كمساهمة ضمن مساهمات الاخرين في قصعة الحضارة الانسانية.
    عودا الى مقتطف حسن البنا اعلاه، انظر الى نبرة الوصاية الايديولوجية في هذه العبارة "انما يريدون ان يطهروهما من الشر والاثم". الفن هو تمثل لشيء جميل او ذو معنى، اي ان جوهره ينزع للأخلاق، لكنه لا يخضع لمقياس الحرام والحلال بقدر ما انه يخضع لمقياس الجيد والرديء وهو امر يعود للذائقة الاخلاقية والثقافية للمتلقي. لكن تصريح حسن البنا عن الفنون يقصد المسرح والمذياع المصري حينها، ايضا نستشف منه اولا اعترافه بسلطة الفن وتأثيره على المجتمع ثانيا البحث عن سبل الاستفادة من هذه السلطة لخدمة ايديولوجية الاخوان المسلمين في اكمال السيطرة على المجتمع من خلال الفنون ثالثا ان الفن يشكل منافس لا يستهان به في امتلاكه ادوات السيطرة\توجيه المجتمع. لكن ما هو العائق الذي جعل جماعة الاخوان المسلمين تفشل في استخدام الفن لخدمة مشروعها الأيديولوجي الديني؟ موقف حسن البنا في تصريحه هذا لا يتضمن اعتراف جماعة الاخوان المسلمين بأهمية الفن كظاهرة انسانية لا تنمو وتترعرع الا في اجواء ومناخات الحرية. بل الدافع من هذا التصريح هو الاعتراف القهري بدور الفن كسلطة لا يمكن تجاهلها في سبيل السيطرة على المجتمع وهو ما يعكس النوايا البراغماتية للتنظيم تجاه الفنون ويحيل الى نوايا (فقه الضرورة). فشل الاخوان المسلمين يكمن في عدم استيعابهم للتعارض البنيوي بين الفنون من شعر وقصة وغناء ومسرح وسينما ورسم ونحت ورقص وتصوير الخ، من جهة، والايديولوجية الدينية الاصولية من جهة اخرى التي لا تعترف بأهمية الفنون بل تعتبرها اداة او مطية للوصول لأهداف متضادة في جوهرها مع القصدية المتجاوزة للفنون.
    في الحقيقة الاختلاف بين الاخوان المسلمين والتيار السني الرئيسي(mainstream) في موقفهم من الفنون ليس اختلافا في الاصول. لم يتفق الفقهاء (علماء الدين) حول الفنون، اي ليس هنالك اجماع حولها حتى داخل الطائفة الواحدة لكنهم لا يختلفون حول توجسهم وتحفظهم المتفاوت ان لم تكن كراهيتهم للفنون. السنة في مصر لهم راي مختلف عن السنة في السعودية او في تركيا حول حرمة او اباحة الفنون. راي الازهر كسلطة دينية في مصر على اعتداله يثير حفيظة ومعارضة الكثير من رجال الدين في مصر من داخل او خارج المؤسسة الدينية العريقة. محاولات استتابة الفنانين في مصر خاصة الممثلات ودفعهم او اغرائهم بارتداء الحجاب من أحد التكتيكات التي يستخدمها رجال الدين في مصر لمحاصرة وتذنيب الفنون وتعكس انقسام رجال الدين حول الفنون. في السودان، شهد الوسط الفني اعلان توبة عدد من الفنانين والفنانات (مطربين) عن الغناء بعضهم عاد الى الغناء مرة اخرى مثل الفنان الشعبي عبد الله البعيو. رغم ان الغناء لم يعد وصمة في منظور السودانيين خاصة غناء المرأة، لكن عملية الاستتابة دائما تستهدف النساء أكثر من الرجال وهو امر يعكس الموقع البائس الذي تشغله المرأة والفنون في ترتيب النظام الاخلاقي الديني لان الاستتابة او التوبة تعني الرجوع عن الذنب ما يضع الغناء في مرتبة المعاصي.
    رأي اخوان السودان في الفنون:
    يقول الترابي في احد أراءه حول الفنون "المشكل الأكبر الذي يواجهنا اليوم في شأن الفنون هو التوجه بها إلى الدين، وهي شكل يضاهي شأننا مع السياسة والاقتصاد والعلم وكثير من مقاصد الحياة التي انقطعت عن الوجهة الدينية، ومرقت على الأطر الشرعية وشكلت قطاع حياة بجانب الدين ويجعل وجودنا في الدنيا مؤسساً على ثنائية إشراك غير مقبول: بعض شأننا لله وبعضه لسواه “(11). الترابي في هذا المقتطف يوصف ما يمكن تسميته بمعضلة الدين مع الفنون. يتحدث بحسرة عن استقلال الفنون عن الدين ومروقها عن الاطر الشرعية واصفا هذه الاستقلالية "بثنائية اشراك غير مقبول". إذا ما هو المطلوب؟ المطلوب هو ادخال الفنون في حظيرة الدين. مع ذلك لم افهم قوله "لكنها انقطعت عن الوجهة الدينية", السؤال متى انقطعت الفنون عن الوجهة الدينية؟ او بالأحرى متى كانت الفنون في وئام مع الوجهة الدينية؟
    ايضا من اراء الترابي عن الفنون من نفس المصدر اعلاه قوله "منها أن فقه العقيدة الموروث الذي نشأنا عليه لا يجعل الفن شعبة من شعاب إيماننا وتوحيدنا ولا يهيئنا لأن نتذكر الله بالجمال وصنعه ولا نعبده من خلاله. وذلك يستدعي تربية إيمانية تأصيلية في المجال الفني تجند له شروح العقيدة بوجه يدخل الفن فيها ومنهاجاً للسلوك الإيماني يحقق ذلك في واقع التدين، ولا تنفصل العقيدة الإيمانية عن صور التعبير الشرعي عنها" (11). بناء على المقتطفات اعلاه يصل الترابي الى خلاصة مفادها ان الفن يجب ان يكون (اسيرا للدين) اي ان الفن يجب ان يكون (متدين) وهو امر يتعارض مع الطبيعة الجوهرية للفن. الترابي يريد ان يستخدم الفن اداة للتعبئة السياسية من غير اقرار واضح بالاقتران الذي لا ينفصم بين الحرية والفنون وان ليس للفن دين و الاعتراف بحق المبدعين في الاستقلالية وحرية التعبير الفني باعتبارها ضروريات لا غنى عنها لازدهار الفنون وبالتالي تطور المجتمعات ونمائها.
    رغم الفارق الزمني فان مقتطفات الترابي لا تختلف كثيرا عن مقتطفات حسن البنا في وجوب تسخير الفن لخدمة الدعوة. الترابي حينما يتحدث عن الدين فهو يتحدث عن الطريقة التي يتدين بها الاخوان المسلمين كجماعة اسلامية سياسية تسعي للسلطة ولا يتحدث عن الاسلام في فضائه الواسع والمتعدد. لذلك، افكار الترابي التجديدية هذه تجد الرفض من الكثير من التيارات والطوائف الاسلامية الاخرى حتى داخل جماعة الاخوان المسلمين السودانية نفسها. مقتطفات الترابي مأخوذة من مراجعة فقهية قدمها شيخ "السروريين" محمد سرور بن نايف زين العابدين عن افكار الترابي في عمومها ومحمد سرور رجل دين متشدد منشق من الاخوان المسلمين ويرى ان افكار الترابي منحرفة بما في ذلك موقفه من الفنون.
    الجدير بالذكر ان الترابي في اخر عقدين قبل وفاته اصدر العديد من الفتاوى الجريئة من ضمنها فتوى امامة المرأة وفتواه هذه عن الفنون, الشيء الذى عرضه لانتقادات قاسية وهجوم وصل الى حد الاتهام بالزندقة و التكفير من كثير من الجماعات والمفكرين المسلمين السنيين , المعتدلين منهم والمتشددين .لكن الملفت للأنظار هو توقيت هذه الفتاوى الذى حدث بعد صدمة المفاصلة وهى تعكس قدرة الترابي الهائلة على التكيف والمضي قدما وان المفاصلة كانت نقطة تحول مهمة في مشواره الفكري وكانت بمثابة صفعة قوية افاقته قليلا من سباته الايديولوجي الشيء الذى لم يحدث للأسف لتلاميذه . مع ذلك هذه الفتاوى على جرأتها لم تشكل اي خطر على حياته مثلما كانت افكار مماثلة في جراتها او اقل جرأة ربما سببا في اغتيال الشهيد محمود محمد طه بتحريض مباشر من حركته. عادة لا يظهر اسم الترابي الا وهو مقرونا بلقب المفكر لكنه رغم ذلك لم يتمكن من التنبؤ بمصير مشروعة الفكري الذي انتهى الى الفشل كما انتهى به شخصيا ان يكون ضحية لعقوق وخيانة أقرب ابنائه اليه في التنظيم رغم ان من اولي مهام المفكر المقدرة على هتك الحجب ورؤية ما وراء الاكمة واستشراف المستقبل. هل حدث ذلك بسبب الضلال الايديولوجي الذي يحد من نطاق رؤية المفكر ويحجم قدرته على التنبؤ؟
    الحرية عند الاخوان المسلمين:
    في موقع ويكيبيديا الاخوان المسلمين (اخوان ويكي) الدكتور محمد على عطا باحث في الفكر الاسلامي يورد بإسهاب راي الاخوان المسلمين في الحرية. الصفحة تتضمن آراء كافة مرشدي الاخوان المسلمين تقريبا بما فيهم حسن البنا الذي يقول عن الحرية "أؤكد لحضراتكم تأكيدا قاطعا أن سياسة الإسلام داخلية أو خارجية تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين سواء أكانت حقوقا دولية أم كانت حقوقا وطنية للأقليات غير المسلمة، وذلك لأن شرف الإسلام الدولي أقدس شرف عرفه التاريخ"(12). نعتقد بان السيد حسن البنا بمجرد قوله "سياسة الاسلام داخلية وخارجية تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين" فقد قام بكسر الجرة وسكب العسل لأنه بقوله هذا يؤكد بان دولته ستكون دولة دينية. الترجمة العملية لهذا القول متضمنة في المقتطف التالي من نفس الصفحة حول حقوق الاقليات في وثائق الاخوان المسلمين ضمن العنوان "حرية الأقليات داخل المجتمع: "فإن لها حق المواطنة الكامل في المجتمع، ولها نفس الحقوق السياسية المكفولة لكل مواطن، وفق منهج الإسلام ودستوره، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا.. ولا حجر عليهم فالجميع سواسية أمام القانون، ويستثنون فقط من رئاسة الدولة، حيث غالبية الأمة من المسلمين"(12).
    كيف يكون لهم حق المواطنة الكامل في المجتمع والجميع سواسية امام القانون ويستثنون (فقط) من رئاسة الدولة؟ الملاحظ ان الاخوان المسلمين يتحدثون هنا عن الحرية السياسية والحقوق وليس عن الحرية كمبدأ عام وشامل يجب ان يندرج تحته كل الناس كحق عام وخاص بما في ذلك الدولة نفسها. إذا كانت الدولة مؤسسة على دين يعني انها مقيدة لخدمة فئة معينة من الناس المنتمين الى ذلك الدين، يعني ذلك ان هذه الدولة تقف على النقيض مع من يتدين بدين اخر من مواطني هذه الدولة. بالتالي هذا المواطن سيجد نفسه خارج مظلة حقوق هذه الدولة في جانب من جوانب التزاماتها المتوقعة تجاهه كمواطن، حتى لو وفرت له كل شيء من امن وتعليم وصحة وفرص عمل لكن حرمته من حرية العبادة او حرية العقيدة او حرمته من احد حقوق المواطنة مثل ان يترشح لرئاسة الجمهورية او اي وظيفة عليا اخرى، هذا ينطبق ايضا على تقييد ممارسة الفنون.
    في الحقيقة هنالك التباس كبير في تعريف مفهوم الحرية في التراث الاسلامي والادبيات الاسلامية الحديثة. مصطلح الحرية كمفهوم اجتماعي وسياسي او في صيغة الاسم (حرية) في اللغة لا يوجد في التراث الاسلامي. دائما يرد في موقف التمييز في اسماء الصفات كأن نقول فلان "حر" او "عبد" او "مولى" او امرأة "حرة" او "امة". او لتحديد الطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها المتحدث عنه اي نشير اليه بانه "حر" من طبقة الاحرار او بانه "عبد" من طبقة العبيد والموالي والحرية تعنى في مواقع اخري كرم الاصل. كذلك كلمة حرية في لسان العرب تعني: "الخلُوص من الشَّوائب أَو الرقّ أَو اللُّؤْم" , و الشائع هو دلالتها على معنى "الخلوص من الرق". هذا الالتباس مردة الى ان العقيدة الاسلامية في جوهرها قائمة على التسليم والعبودية لله كما في قوله تعالي "وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون".
    للوصول الى صيغة توفيقية لمعالجة هذا الالتباس اقترح المفكر الاسلامي التونسي راشد الغنوشي قراءة ملائمة وعصرية قائمة على حرية الارادة والعقل كشرط للتكليف في محاججة لا تخلو من جرأة عندما لخص راية قائلا " إذا دققنا النظر في طبيعة رسالة الإسلام (ومقاصدها العليا) سيرتفع هذا التناقض المصطنع" (13) يقصد التناقض بين الحرية والاسلام. لم يكن تناقضا مصطنعا كما يدعي الغنوشي، لان المفكرين الاسلاميين يحتاجون الى الكثير من القراءات المبتكرة والجريئة للإقرار بالحرية الكاملة للمسلمين افرادا ومجتمعات من خلال التفكير بشجاعة في اخراج الدين من الحياة السياسية مما سيؤدي بدوره الى الاقرار بان الفنون من اهم صيغ التعبير الفردي والجماعي عن الحرية. وما الفائدة من الاقرار بالحرية ان لم تكن هناك قوانين تعبر عن هذه الحرية وهنالك مؤسسات تضمن وتصون ممارسة هذه الحرية. التعريف الاسلامي للحرية يتسق والسياق التاريخي الاجتماعي الذي فيه معنى كلمة حرية يدل على الطبقة الاجتماعية والدور الاجتماعي للفرد ولا تدل على المجتمع في كل طبقاته (اي مجتمع حر). في قرون لاحقة تبلور مفهوم الحرية في بعده الانساني بصيغته المعاصرة وتطور في بعده الفردي والاجتماعي والسياسي خلال عملية الصراع بين الطبقات المتناحرة من الاقطاعيين والكنيسة والملك من جهة والبرجوازيين وارباب الصناعة من جهة اخرى وبالتالي ظهرت السلطة السياسية والثروة والهيمنة كمحددات للحقوق والحريات في الغرب.
    إذا مع بدأ تخلق النظام الرأسمالي من احشاء النظام الاقطاعي بدأ بروز البعد الاجتماعي الانساني لمفهوم الحرية. مع ذلك الحرية كحاجة وكقيمة مجردة قديمة قدم الانسان نفسه، ارتبطت بوجود الانسان ككيان وماهية وهي حق للإنسان لا يجوز انتزاعه منه او تنازله الكامل عنه. الحرية قيمة انسانية مجرده ومتجاوزة بينما الدين مقاصده فئوية اي يتوجه الى (أمة او طائفة) ومن هم خارج الامة او الطائفة غير مرئيين. الحرية في التراث الاسلامي فئوية، طبقة حرة مقابل طبقة مستعبدة، او تخصيص فردي، عبد مقابل حر لكن لا يوجد مجتمع حر بمفهومة الحديث. الحرية تتعين بالشمول بينما الدين يتعين بالتخصيص بمعني هنالك امة مؤمنة مقابل امة اخرى غير مؤمنة او كافرة بينما الحرية حاجة ملازمة لوجود الانسان وماهيته ان كان ضمن جماعة او خارجها ان كان يؤمن بدين ما او لا يؤمن.
    الخاتمة:
    الحرب تعتبر من أفضل مناخات الفوضى التي يمكن ان يجد فيها خطاب الاخوان المسلمين مرتعا خصبا ومعينا لا ينضب للكسب السياسي. الاسلاميين دفعوا البلاد عن عمد الى فوضى الحرب، ورهانهم انه لن يكسب معركة الفوضى هذه الا من كان أكثر تنظيما وتخطيطا ومواردا. وهم في ثقة كبيرة بأنهم الوحيدون الاكثر استعدادا للنجاة من هذه الفوضى. ابلغ دليل على ذلك ان حميدتي في أحد تصريحاته اثناء الحرب ذكر بانه قبل اندلاع الحرب بقليل ذهب للبرهان وقال له ما معناه "البلد تنحدر الى الفوضى" وكان رد البرهان بكل برود "خليها تجوض في النهاية بتجينا راجعة" وكل من له عقل يعلم بان من يقول ذلك ليس فقط ممسكا بخيوط اللعبة بل هو مركز ومبعث هذه الفوضى. تصريح البرهان يؤكد بان "الفوضى" كانت ولازالت استراتيجية العسكر منذ الايام الاولي لسقوط البشير لابتزاز الشعب واغراقه في سيولة امنية لا تبقي ولا تذر ودفعه لليأس والتسليم بمبدأ "الامن مقابل الحرية", وما الحرب الان الا اخر محطات هذه الاستراتيجية.
    لكن ما اشبه الليلة بالبارحة، الزمن عشية انقلاب الانقاذ, ولا صوت يعلو فوق صوت الحرب. الناقل تلفزيون السودان من داخل احراش الجنوب في ميوم. رايته بأم عيني، كان يقف بثقة وثبات وهو في بزته العسكرية ويرتدي نظارات شمسية سوداء. كان يتحدث بطلاقة وترتيب وحينها سالت نفسي من هذا الرجل؟ انتابني احساس غريب ساعتها بان هذا الرجل ورائه ما ورائه. اذكر انه قال "دحرنا المتمردين الذين كانوا يعسكرون في هذا المكان، واشار بيده الى (قطية) من القش وقال هذا هو مقر قائدهم". اللقاء كان مرتبا بعناية ويبدو ان الغرض منه القاء الضوء على شخصية عمر البشير ضمن خطة الانقلاب وابرازه على انه القائد المقدام الذي سينقذ الجيش من الانهيار وسيكون رجل الحسم العسكري. في نفس هذه الفترة كان على عثمان محمد طه يقوم بجولة مريبة زار فيها جميع حاميات الجيش في جنوب السودان ضمن حملة نصرة الجيش التي كان ينظمها الاخوان المسلمين.
    في الاثناء كانت الحملات الاعلامية المسعورة يقودها نجوم اعلام الحركة الاسلامية حينها حسين خوجلي ومحمد طه محمد احمد واخرين في جريدة الراية والوان. وبينما كان الشعب السوداني يعيش في حالة من التشويش والارتباك والشكوك بسبب الاكاذيب التي يضخها اعلام الحركة الاسلامية كانت خطط الاسلاميين للاستيلاء على السلطة تمضي في سرية تامة. وصبيحة نجاح انقلاب الانقاذ سمع الناس لأول مرة صوت يونس محمود يصم الاذان من الراديو "ايها الشعب السوداني البطل", “ لن تستحيل حقائق التغيير في السودان الى عدم اذا اغمض الاعداء عيونهم حتى لا يروا شمس الانقاذ السطوع التي ايبست كل قيعة اسنة ركدت فيها المفاسد وطهرت الارض من ارجاسها فاصبح السودان مسجدا فسيحا في العلم والعبادة والجهاد والعمل" لم يترك يونس محمود من مهجور وغليظ في مفردات اللغة العربية الا واستعاره , مفردات خاوية ويابسة, ومن غير جدوى كانت مفرداته تبحث عن حياة ومعنى ولا تدركه.
    من اراد ان يدرك حجم اوهام وماضوية وظلامية هذا الخطاب وسذاجته وعدم نضجه ومجانبته للمنطق والصواب عليه ان ينظر الى الدرك الذي اوصلنا اليه العقل (mindset) الذي يقبع خلف هذا الخطاب. بعد هذه المالات الكارثية على المرء ان يسال نفسه ما الذي نالنا من هلوسات يونس محمود؟ إذا لم ينتابنا كسودانيين شعور بالعار لأننا وقتها (لم نتمكن) او كنا (عاجزين) او (غافلين) عن ان نحول دون حدوث ذلك فلن تكون هنالك اي ضمانات لعدم حدوث ذلك مرة اخرى وعودة انماط محدثة من يونس محمود تدخلنا في حلقة شريرة اخرى من مارثون البؤس.

    ثبت المراجع:
    (1) رسالة الشاعر صلاح احمد ابراهيم للرئيس البشير (الراكوبة):
    https://www.alrakoba.net/628492/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3/https://www.alrakoba.net/628492/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D8%AD%D9...1%D8%A6%D9%8A%D8%B3/.
    (2)(صورة محمود عبد العزيز اثناء تعرضه للجلد) https://lens.google.com/search؟ep=gsbubbandhl=enandre=dfandp=AbrfA8pvWWvTvBPitNSutnWqYWC3D_rbtqAqcXxhsUECMvGhn03j5n9S9OVvldikzNDYwwe-JFwvgQr1CoS05...NzU0MmI5ODQ5YTQiXV1d
    (3) مرجع نيتشة: صحيفة الغارديان:
    https://www.theguardian.com/books/2018/oct/06/exploding-nietzsche-myths-need-dynamiting
    (4) مرجع نيتشة:
    https://bigthink.com/thinking/how-the-nazis-hijacked-nietzsche-and-how-it-can-happen-to-anybody/https://bigthink.com/thinking/how-the-nazis-hijacked-nietzsche-and-how-it-can-happen-to-anybody/
    (5)استيلاء موسوليني 1
    https://www.thecollector.com/fascism-of-classical-art/
    (6) استيلاء موسوليني 2
    Sacks, Adam. "Fascist Misuse and Abuse of Classical Art" TheCollector.com, February 13, 2022, https://www.thecollector.com/fascism-of-classical-art/.
    (7) افادات من الوسط الفني والادبي (مركز الاتحاد):
    https://www.aletihad.ae/article/70527/2014/%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B0%C2%BB-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81...B9%D8%AC%D8%A7%D9%81
    (8) افادات من يحيي فضل الله ولفيف من المسرحيين:
    https://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php؟t=528andstart=20
    (9) مقتطفات حسن البنا عن موقف الاخوان المسلمين من الفنون:
    https://www.arab48.com/%D9%81%D8%B3%D8%AD%D8%A9/%D8%A8%D8%B5%D8%B1/%D8%B4%D8%A7%D8%B4%D8%A9/2020/11/17/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%81%D8%B4%D9%84%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9https://www.arab48.com/%D9%81%D8%B3%D8%AD%D8%A9/%D8%A8%D8%B5%D8%B1/%D8%B4%D8%A7%D8%B4%D8%A9/2020/11/17/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%...AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9
    (10)مقتبس سيد قطب عن الفنون:
    https://marsad.ecss.com.eg/58024/https://marsad.ecss.com.eg/58024/
    (11)مقتطفات الترابي عن الفنون:
    https://ketabonline.com/ar/books/9113/read؟part=1andpage=8andindex=2894050
    (12)موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي):
    https://www.ikhwanwiki.com/index.php؟title=%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%B9%D9%86%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86#%D8%A3%D9%88%D9%84%D8%A7_:_%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%84%D8%ADhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php؟title=%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%B9%D9%86%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%8...B5%D8%B7%D9%84%D8%AD
    (13)مقتطف الغنوشي عن الحرية فى الاسلام:
    https://www.aljazeera.net/opinions/2007/10/11/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85
    مراجع غير مباشرة:
    شهادة نانسي عجاج عن موقف اخوان السودان من الفنون:
    https://www.facebook.com/share/v/VxU45h3URjzPbLfW/؟mibextid=w8EBqMhttps://www.facebook.com/share/v/VxU45h3URjzPbLfW/؟mibextid=w8EBqM
    مرجع البحث الاصلى لاستيلاء الفاشية الايطالية للغة اللاتينية:
    Han Lamers (2017): "Latinizing Mussolini's Message: Nicola Festa's Latin Translation of the 'Proclamation of Empire' (1936/7)", International Journal of the Classical Tradition, Vol. 24. Iss. 2. pp. 198-218.
    مرجع استعراض بحث استيلاء الفاشية الايطالية للغة اللاتينية:
    https://www.hf.uio.no/ifikk/english/research/news-and-events/news/2019/using-language-as-a-weapon-how-mussolini-used-lati.htmlhttps://www.hf.uio.no/ifikk/english/research/news-and-events/news/2019/using-language-as-a-weapon-how-mussolini-used-lati.html
    روابط فيديوهات فرقة نمارق للغناء:
    https://youtu.be/5c-NP19GXVQhttps://youtu.be/5c-NP19GXVQ
    موقف اخوان مصر من الحرية:
    انظر منهج الإصلاح دراسة في رسائل الإمام البنا، د محمد عبد الرحمن المرسي رمضان،ص285، ط2،1430هـ/2009م.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de