روعت طوائف كبيرة من السودانيين بمقتل الملازم أول (معاش) محمد صديق إبراهيم، على يد "الدعم السريع" يوم الـ18 من مايو الماضي، عند مصفاة الجيلي شمال الخرطوم. وصدم الناس الفيديو الذي بثته العناصر التي قتلته، محاطاً بهم ينال الصفع من يدهم. وانتاب الروع لمقتل صديق من على ضفة القوات المسلحة التي ضحى بجانبها، ومن هم على ضفة "الدعم السريع"، أو بين ذلك قواماً بمن فيهم الإسلاميون. ومرد ذلك لأن سيرة الضابط مذ لمع اسمه في ثورة ديسمبر2018 تقاطعت مع هذه الطوائف جميعاً، فلا تملك أي منها إلا أن تواطئ طوراً من سيرته القصيرة الحافلة. فكان أيقونة الثورة على نظام "دولة الإنقاذ" وجيشها، بما في ذلك قوات "الدعم السريع"، واستشهد في صف الجيش ضد "الدعم السريع". فاستنفد المواقف جميعاً. فتجد من الفريقين من أخذ بجانب من مأثرته وتغاضى عن جانبها الآخر. فامتدح الصحافي ضياء البلال، الذي لم يتفق مع ثورة ديسمبر، لصديق وقفته بشمم أمام استجواب قتلته، وقال إن اسمه سيخلد وذكره "بأحرف من نور في صحائف التاريخ وسجلات البطولة وأناشيد المجد كرمز سوداني أصيل غير قابل للنسيان". ولم يأت ضياء نفسه، طالما عد صديق رمزاً سودانياً أصيلاً، بذكر وقفته الأخرى مع ثورة ديسمبر كرمز أصيل للسودان. ولم ينس ضياء نوع الكسب من استشهاده، فقال "فمن عليائه الماجدة، سيفتح الباب واسعاً لجحافل المستنفرين من كل حدب وصوب، ليقفوا جبالاً راسخة في وجه المتآمرين والكائدين والعملاء"، كأن لم تكن له هذه الوقفة العلياء في يوم آخر ليس ببعيد. وكأنه قابل للقسمة إلى شجاعتين. واتبع الصحافي الإسلامي عادل الباز محرر "الأحداث" ضياء في محو وقفة صديق المشهودة في القيادة، ليركز على بسالته في وجه المحققين القتلة من "الدعم السريع". فقال إن عبارة صديق "من ياتو ناحية؟" حين سألوه كيف وجد "الدعم السريع" وهو في قبضتهم "ستبقى هذه الكلمات طويلاً بذاكرة الشعب السوداني". ولم تطرأ للباز صنوها "محل رهيفة تنقد". وخاض نيابة عن صديق في النواحي التي وجدها عند "الدعم السريع" وكلها شرور وآثام. ولو كان ذكر لصديق مأثرته في القيادة لما اختلفت "الدعم السريع" في يومها عن أمسها.
واتفق القياديان في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، ياسر عرمان ورشا عوض على غض الطرف عن وقفته في القيادة العامة التي جعلته أيقونة لثورة ديسمبر. وهذا من المستغرب ممن يعتقد أن الجيش، والفلول من ورائه، بيتوا العزم على القضاء على ثورة ديسمبر واستعادة دولة الإسلاميين. فقال عرمان، بعد إدانة قتل صديق أسيراً بيد "الدعم السريع" إنه "ضابط شجاع له رمزية عند الطرف الذي يقاتل معه". ولم تذكر رشا هي الأخرى وقفة صديق في القيادة العامة. واستنكرت في فقرتها الأولى الإهانة التي تعرض لها كأسير من "الدعم السريع"، لتتوافق مع عرمان في أن إهانة الأسرى فاشية في جيشنا. فقال ياسر "نعلم تماماً أن الجيش ارتكب جرائم مماثلة". وتوسعت رشا في ارتكاب منظومتنا العسكرية من جيش ودعم وأمن واستخبارات الجيش جرائم مماثلة. واقتصرت تلك الإهانات مع ذلك على القوات المسلحة من دون "الدعم السريع". وبدا لي أنها وياسر تغاضيا عن سيرة صديق الأولى مع الثورة، لأن استشهاده في صف الجيش، مما لا يتفق ورأيهما فيه من لدن خروج "الدعم السريع" من رحمه، ورهن نفسه للإسلاميين الذين لم يدخروا وسعاً في كسر شوكة الثورة لاستعادة نظامهم المباد. لقد كان مصرع صديق على الجهة الخاطئة من التاريخ وكفى. ووجد بعض الكتاب من خصوم الجيش مخرجاً قريباً من الاحتيال في تثبيت وقفة صديق الأيقونية في اعتصام القيادة العامة للجيش، ومصرعه مع ذلك على جانب الجيش، الذي يقف الكاتب ضده في هذه الحرب. فقال الكاتب عمر التجاني إن صديق "ضحية الإسلاميين"، فكانوا احتاجوا بعد الهزائم التي تكبدوها من "الدعم السريع" إلى استنفار غرروا به الشباب، بينما أمنوا لأولادهم العيش الرطيب في غير السودان. فانتهوا بعد لسع الهزائم إلى أن الحرب بحاجة "إلى رفع الروح المعنوية لعامة الشعب بتقديم ضحية، وتكون شخصية تثير في الناس حفيظة حب الوطن"، وزيادة الحقد على "الدعم السريع". وكان قدر صديق أن يكون تلك الضحية مع أنه إنما "قدم نفسه فداء الوطن، وليس برنامجاً دعائياً للحركات الإسلامية البغيضة". واستنكر عمر ذهاب البرهان، وهو من جاء بقتلته "الدعم السريع" إلى ميدان السياسة، للعزاء في صديق، فهو من دفع به ليلقى ربه للمتاجرة بدمه. وختم قائلاً للبرهان "لعلمك أن الشهيد من صلب الشعب الثائر ضدكم، وضدك شخصياً. الشهيد ليس منكم فيكفي أن تبيعوا وتشتروا دماء الشهداء". وهكذا ثبت عمر الفضل لصديق في القيادة بأن جعل من مقتله نفسه امتداداً لبسالته التي استثمر الجيش والإسلاميون بمصرعه فيها.
وخلافاً لمن تقدم، وجدت من ثبت لصديق المأثرتين معاً بلا مراوغة حولهما أو ارتباك. فاتفق للصحافي الإسلامي راشد عبد الرحيم والإعلامي عثمان ذو النون أن صديق صاحب مأثرتين في القيادة كما في الحرب. فقال ذو النون "إنه رمانة التغيير، باستشهاده وكان لا يزال على سكة ثورة ديسمبر. فاختار صديق الموت، ولكن الشهادة اختارته". ولم يكن راشد صريحاً قاطعاً في تثبيت المأثرتين وكفى لأنه جنح إلى تصفية نوع حزازة على الثوريين لا الثورة. فقال إن صديق وقف بقوة مع قناعاته عند اعتصام القيادة، ثم وقف باسلاً مرة أخرى في الحرب، وهو "ينسلخ عن دوائر الخيانة الداعية إلى السلام والتمرد". وكأن صديق صحح "مسار ثورة ديسمبر بأنها ثورة ينبغي أن تكون مع الوطن وجيشه". ومهما يكن من استثمار راشد لاستشهاد صديق على الجانب الذي يؤثر، فإنه لم يجزئه - كما رأينا من الصحافيين - فعل فيما مر بنا. القول باستشهاد صديق في هذه الحرب على سكة ثورة ديسمبر في قول ذو النون وراشد، فكرة مزعزعة لأوتاد من جعلوا الثورة والحرب نقيضين، فإما إلى هذه وإما إلى تلك. فرأينا كيف أربكهم صديق الذي كان في الثورة والحرب معاً في شرطهما، ولكن بقراره وشجاعته نفسها. لم ينقطع عند جانب يتبتل في محرابه. رمى لا يبالي على أي شق كان للوطن مصرعه.
06-04-2024, 04:04 PM
زهير ابو الزهراء زهير ابو الزهراء
تاريخ التسجيل: 08-23-2021
مجموع المشاركات: 11796
تحليل نقدي لطرح مقال "الشهيد محمد صديق إبراهيم: أيقونة ثنائية": يناقش المقال مقتل الملازم أول (معاش) محمد صديق إبراهيم على يد قوات الدعم السريع، ويسلط الضوء على تناقض المواقف حوله بين مختلف الفاعلين السياسيين والإعلاميين في السودان.
النقاط الرئيسية:
اختلاف المواقف حول أيقونية صديق: الإسلاميون: يركزون على شجاعة صديق في مواجهة قوات الدعم السريع، ويتغاضون عن دوره في ثورة ديسمبر. القوى المدنية: تركز على رمزية صديق كأيقونة لثورة ديسمبر، وتتغاضى عن موقفه في الحرب ضد قوات الدعم السريع. بعض الكتاب: يرون في صديق ضحية للإسلاميين تم استغلالها لرفع الروح المعنوية. الإعلاميون: يثبتون لصديق مأثرتيه في الثورة والحرب دون مواربة. التناقض بين الثورة والحرب: يرى البعض أن صديق اختار طريقًا ثوريًا مخالفًا للثورة. يرى البعض الآخر أن صديق حافظ على ثوريته في كل من الثورة والحرب. أثر مقتل صديق على الفاعلين: أربك مقتل صديق أولئك الذين يرون ثورة ديسمبر وحرب دارفور نقيضين. أعاد طرح تساؤلات حول طبيعة الثورة وأهدافها. التقييم: نقاط القوة:يقدم المقال تحليلًا دقيقًا وواضحًا لمواقف مختلف الفاعلين. يطرح المقال تساؤلات مهمة حول طبيعة الثورة وأهدافها. يساهم المقال في فهم تعقيدات المشهد السياسي السوداني. نقاط الضعف: يركز المقال على تحليل المواقف دون تقديم تحليل عميق لسيرة صديق. لا يناقش المقال تأثير مقتل صديق على المجتمع السوداني بشكل كافٍ. يفتقر المقال إلى حلول أو مقترحات للتغلب على التناقض بين الثورة والحرب. التوصيات: إجراء بحث أعمق عن سيرة صديق ودوره في الثورة والحرب. تحليل تأثير مقتل صديق على المجتمع السوداني. طرح مقترحات للتغلب على التناقض بين الثورة والحرب. الخلاصة: يقدم المقال تحليلًا هامًا لمقتل الملازم أول (معاش) محمد صديق إبراهيم، ويطرح تساؤلات مهمة حول طبيعة الثورة وأهدافها في السودان. إلا أن المقال ينقصه تحليل عميق لسيرة صديق وتأثير مقتله على المجتمع. موضوعية أفكاره: هل أفكاره مدعومة بالأدلة العلمية والمنطقية، أم أنها مجرد آراء شخصية؟ تأثير أفكاره على الآخرين: هل أفكاره مفيدة للآخرين وتساهم في تحسين حياتهم، أم أنها تخدم مصالحه الشخصية فقط؟ سياقه الثقافي: هل أفكاره متوافقة مع القيم والأخلاقيات السائدة في مجتمعه؟ بشكل عام، من المهم أن نكون ناقدين للأفكار، وأن لا نأخذها على علاتها. يجب أن نقوم بتحليلها بعقلانية، ونبحث عن الأدلة التي تدعمها، ونقارنها بأفكار أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن نتذكر أن كل شخص لديه وجهة نظره الخاصة. قد لا نتفق مع كل ما يقوله الكاتب، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه خاطئ. يجب أن نكون منفتحين على الأفكار المختلفة، وأن نتحاور مع الآخرين باحترام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة