والذين يزعمون أنهم نخبة ، وصفوة لا يوجد غيرها ، ويخادعون النّاس منذ أن وجِدت الجامعات في السودان ، ويخدعوا أنفسهم قبل أن يخدعوا الآخرين . .. الذين يفعلون ذلك من أجل أن يميزوا أنفسهم ، ومن أجل أن يغرسوا في عقول البسطاء أنهم الأجدر بالكراسي ، وبالرئاسة ، وبالقيادة قد نجحوا في ذلك أيّما نجاح ، حتى أصبح من يدافع عنهم - في تعصب تام - وبعقول مغيبة لا تعي ، ولا تدرك ، هم بعض أفراد المجتمع الذي قتلوه ، ويقتلونه ، ويسحقونه كل يوم ، ويحاربونه صباح ، مساء ، مُنذ أن نال السودان استقلاله دون أن يحصل على حريته ، يدافع عنهم مهما كانت درجات غبائهم ، ومهما بلغت سفاهة أفكارهم ، وضحالتها ، ومهما بلغت درجات خيانتهم ، وعمالتهم ، وعدم كفاءتهم ، ومهما فشلوا في ما كلفوا به ، وفيما تحمّلوه من مسئولية مهما قل شانها أو صغر، ومهما كذبوا ، ودلسوا ، وابتعدوا ، وتخلوا عن شعاراتهم التي رفعوها ، ويرفعونها دوما حينما يكونوا ساعين طالبين للسلطة ، وللحكم وإن كانت الجيوش تُكون كمؤسسات دفاعية شرط تكوينها أن تقوم بمهمتها الاساسية دون غيرها ، ودون أن تتدخل في السياسة ، فلكل قانون في هذا الوجود استثناء ، وحتّى العالم الأول الذي أنشا هذا لا يلتزم به تماما . .. والحملة المسعورة ، الخبيثة ، الظّالمة ، الحملة التي أُطلقت منذ ذلك الزمان للتنديد بالعسكر ، ولتصويرهم للنّاس على أنهم أغبياء ، وجهلاء ، كان هدفها دائما أن يكون المجال مفتوحا لرابطي الكرافتات – رغم أنهم لا يجيدون حتى ربطها - ليحكموا كما يشاءون ، وكيفما يشاءون ، وليجربوا فينا مستخرجات عقولهم المعطلة ، دون أن ينازعهم في السلطة مُنازع ، فالعسكر الشرفاء ، هم الجهة الوحيدة التي تملك من القوة ما يمكنها من أن تنتزع منهم ما ليس لهم ، هي الجهة الوحيدة القادرة على الدوام ، على رؤية المشهد كله ، وبالتّالي على رؤية الاخطار التي تحدق بالتراب ، وبالمجتمع في أي وقت ، وفي أي زمان ، ولذلك يجب في قابل الايام أن تُملّك - دستورياً - حق التدخل في أي وقت ، متى ما رأت ضرورة ذلك ، وأهميته ، والحاجة اليه يجب ان يسن ذلك في أي تشريع قادم ، فلا شان لنا بقوانين الاخرين لأننا ليسوا تبعا لاحد .
لقد بقت النخبة ، أو ما يسمى بالنخبة السّياسية في السودان جهة دائمة الفشل ، لأنها جهة تفتقر للأمانة ، وللوطنية ، وللمقدرة على إدارة الامور ، ولعجزها عن قراءة الواقع ، والتعامل ، لقد كانت حجر العثرة الضّخم في طريق تقدم السودان، وفي تطوره، ونماؤه ، وازدهاره ، كانت - بعدم كفاءة المنتمين اليها - وبقلة نزاهتهم ، وبالصراعات ( الطاحونية ) التي يبتدعونها ، ويخترعونها ، وبداء الوهم العُضال المصاب به أغلب الذين انتموا اليها ، والى أجسامها ، القيد الذي أقعد السودان ، كانوا السلاح الذي أستخدمه ، ويستخدمه الأعداء - في كل مرة - لكسر أجنحة السودان ، وإعاقته عن التّحليق ، والطّيران ، في سماوات الأمن ، والنماء ، والازدهار، ولولاهم لما حدث الشقاق بين الدعم السريع ، والجيش ، ولما قامت الحرب ، ولحافظ السودان على ابنائه كلهم - جيشا ودعم - ذُخراً ، ورصيداً ثميناً ، ولما خسر أولئك الشباب الاصيلين ، الذين تم خداعهم بأكاذيب التّهميش ، والجلابة والاستحقاق ، والفلول ، وبدولة ستة وخمسين الظالمة ، ولأصبح الجيش بانخراطهم فيه أقوى جيوش أفريقيا كلها لما لمهم من البسالة ، والشجاعة ، والكثير من الصفات الايجابية .
إن التجارب السّابقة ، والتجربة التي مر بها السودان في السنوات القليلة الفائتة ، والتجربة التي تجري الآن قد أبانت للناس ، وكشفت لهم كل شيء إن كان النّاس يُبصرون ، أو يعقلون ، وأكدت لهم - بما لا يدع مجالاً للشّك - أن قيادة الدول تحتاج لأكثر من أربعة سنوات يقضيها صاحب عقل فارغ ، مُستلب فكرياً ، وثقافياً ، بين جدران مبنى يُسمى اصطلاحا بجامعة ، فشتان بين جامعة وجامعة .
وفي التاريخ القديم ، والحديث نجد أن أعظم القادة من بناة الدول ، ومِن صناع الحضارات ، لم يعرفوا أبواب الجامعات ، ولم يحصلوا على درجات البكالوريوس ، والماجستير ، كما أنهم لم يحملوا شهادات الدكتوراه ، أو الاستاذية ، وأنهم لم يهدروا أوقاتهم في تبني نظريات ، وأيدولوجيات تافهة ، مستجلبة ، أو مستوردة من عالم آخر ، ومن تجارب مجتمعات تختلف كلياً عن مجتمعاتهم ، وأن الانسان - المسلم - البعيد عن الله ، قريب من الفشل - مهما كان عدد الشهادات الجامعية التي يحملها - فالبعد عن الله هو أول دليل قاطع على الغباء ، والانحطاط ، وأن علينا - ان أردنا الفلاح - أن نقيس علاقة من سيتولون شئوننا وامورنا، بمؤشر علاقاتهم مع خالقهم ، لأنه لا يمكن لشخص متناقض مع فطرته أن ينجح ؟ حتى وإن بدا لنا في صورة العرّاب أو المنقذ . فأولئك الذين يَسِمونَ الجيش بالجهل ، ويطالبونه بالعودة الى الثكنات ، ويزرعون في العقول أن العسكري ما هو الا شخص جاهل وغبي ، وغير جدير بالحكم ، ولا بالقيادة ، ولا حق له في ممارسة السياسة يكذبون على الناس ، ويحجبون عنهم الحقيقة عن سبق إصرار وترصد ، وللأسف يصدق النّاس أكاذيبهم تلك ، ويهتفون ورائهم في تبعية ميكانيكية ، لا تحظي باي تدبر أو تفكير، فما مقاييس أولئك (الانبياء الكذبة ) المدّعون للشرف ، وللنزاهة ، والامانة ، والفضيلة ، والأخلاق ، والعلم للشخص النخبوي المثقف والذي يستحق أن يحكم أو أن يقود ؟ .. اليست هي تلك السنوات الأربعة العجاف ، التي يقضي ذلك الشخص أكثر من نصفها تحت ظلال الأشجار ، أوفي الكافيتريات ، رابطاً لوسطه بالأحزمة الجلدية الرخيصة ، من أجل نيل إعجاب الفتيات من الزميلات ؟ اليست هي تلك الأعوام التي يضيع أكثرها في سماع الأغاني ، أو عند بائعات القهوة ، والشاي ، أو في تبادل أدوار العشق ، والغرام ؟ اليست هي تلك الشهادات التي لا علاقة لها لا بالقيادة ، ولا بالإدارة ، ولا بالوفاء ، ولا بالولاء ؟ فما الذي ينقص الجيش ورجاله ؟ ما الذي ينقص العسكر حتى يستحق أولئك العسكر أن يحكموا ؟ ما الذي يوجد عند من عرفتموهم ممن صبوا الزيت على نار الصراع ، وابقوه مشتعلا لخمسين عام فقط من أجل ان يحكمونا ، حتى وان كان الثمن قتلنا ، وتدمير مقدراتنا ووطنا ، ولا يوجد عند من يدافعون عنكم بالمهج الغوالي ؟ ما الذي يوجد عند من سعوا بالفبركة ، وبالأكاذيب لحصارنا لخمسة وعشرون عاما من أجل اسقاط نظام يكرهونه ، غير مبالين بجوع اطفالنا ، ولا بمرض كبارنا وغير مهتمين بتدمير اقتصادنا ؟ ما الذي يوجد عند من أنشأوا المعسكرات مع الاعداء لحربنا ، وحملوا السلاح معهم ، فقتلوا ابناءنا وبناتنا وزعزوا أمننا لعشرات السنين ، وكانوا السبب الأكبر في ان نبقى حتى الان على هذه الحال ؟ ولا يوجد عن الاشاوس من أبناء المؤسسة العسكرية ؟ وهل للمقارنة أصلاً وجه ؟ هل تصح المقارنة أصلاً ؟ الا يحمل ضباط الجيش شهادات أكاديمية ؟ الم يتخرج أكثرهم من ذات الجامعات التي تخرج منها اولئك ( الانبياء الكذبة ) ، وزادوا عليهم بان أضافوا الى علومهم علوماً أخرى ، و بانهم تدربوا ليكونوا شرفاء ، ومخلصين ، ووطنين ، يضحون بمهجهم ورواحهم في سبيل عزة ، و كرامة ، وتقدم سودانهم الحبيب ؟
إن تلك الفكرة الحمقاء ، المتوارثة عن الجنود ( حماة الوطن ، والعرين ) والتي زرعها اولئك الدّجالون لهي فكرة خبيثة ، خاطئة بالكلية ، ففي الجيش السوداني نخبة مثقفة ، أفضل بعشرات المرات من النخبة المدنية التي توجد على ساحة السياسة السودانية ، ولا مبالغة في ذلك ، ولا تجاوز ولكنه اقرار للواقع واعتراف به ؟ فالجيش السوداني يوجد بين ضباطه الاطباء ، والمهندسون ، والإداريون ، وخريجوا الاقتصاد والعلوم والكيمياء، والسياسة ، وعلماء النفس والاجتماع ، فيه الاف ممن تخرجوا من نفس الجامعات التي تخرج منها أولئك ، وممن اضافوا الى علومهم تلك الكثير من العلوم الاخرى ، وفيه اسلحة كاملة متخصصة تخصصا كليا ، كالسلاح الطبي ، وسلاح المهندسين ، وسلاح الاسلحة ، وسلاح الطيران ، وسلاح الاشارة ، وسلاح المدرعات ، الخ . ان النخبة الموجودة بالجيش تتميز عن نخبة ( الانبياء الكذبة ) بالانضباط ، وبالوفاء ، وبالولاء للوطن وبحبه ، وهي بالإضافة لذلك لا تدخر وسعا في حماية التّراب ، متى ما دعى داعي الفداء ، ولا يركب أفرادها الطائرات ، فِرارا الى دول الغدر ، والخيانة ، والتآمر ، ولا يسارعوا لأرسال أسرهم ، وابناؤهم خلف الحدود ، تاركين بقية ابناء الشعب الضعفاء ، العزل، لمصائرهم المحتومة ، ولكنها تتقدم صفوف شعبها الصابر، تقاتل دونه بصدور مكشوفة ، وبقلوب عامرة بالإيمان ، وبالشجاعة والفداء. وبغض النظر عن كل شيء فان الحاكم المخلص - حتى وان كان غير متعلما - لهو خير من الحاكم الغادر الخائن حتى وان كان يحمل ارفع الشهادات . إن السودان الآن يمر بمرحلة ، لا يصلح فيها الا أن يحكم القوي الأمين حتى تستقر الامور، ويحِل الامان ، وتتنزل الطمأنينة ، ولا قوي أمين الان في السودان بطوله الا المؤسسات العسكرية ، وأولها الجيش الذي بذل من التضحيات ، ما يفوق التصور ، من أجل أن يفشل مؤامرات الاعداء التي اعتاد على إفشالها ، ومن اجل أن يسترد ما أُخِذ ، ولذلك على أبناء الشّعب السوداني إن ارادوا للسودان أن يستقر ، ان أرادوا له ان يمضي الى الامام ، أن يقفوا صفاً واحدا خلف جيشهم ، وخلف فترة انتقالية يقودها المجلس العسكري وضباط الجيش الشرفاء العظام متى ما انتهت الحرب ، ثم بعد ذلك ليكن ما يكون ففي ذلك وحده السلامة والنجاة .
# وسلام على شهدائنا الأبرار في الخالدين # بهاء جميل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة