دار العطاوة : مؤسس هذا المؤتمر هو الدكتور حسن الترابي ، الذي كان يهدف الى : بلورة السخط في العالم العربي بجمعه تحت شعار واحد و المسلحين الإسلاميين المتشددين و القوميين العرب " . فلبى عتاة البعثيين و الإسلاميين ، النداء تحت خيمة واحدة في سنة 91 في الخرطوم السجَانة . عندما وقعت واقعة المفاصلة إي الطلاق ، سنة 99 في دار الإخوان ، لم تمر وقتا حتى أسَسوا لهم حزبين ، المؤتمر الشعبي و المؤتمر الوطني ، و إنقسموا بينهما على خلفيات ليست إيديولوجية صرفة ، إنما غرائزية شبه عنصرية . حينها قال صديقي الإيفوري ، خريج جامعة أفريقيا العالمية : .. عندما كانت لغتي العربية إبتدائية و ليست جيَدة .. عندها كنت أظن دائما بأن كلمة مؤتمر تعني مؤامرة ، و حتى بعدما فهمت الفرق مازالت إخلط بينهما . و بما أن الأمر هنا ، يتعلق بالحركة الإسلامية و مهارتها في التلاعب و التمويهات المستمرة ، أي إجراء عمليات تجميل صورية لنفسها ، لتتواكب مع أية مرحلة معقدة . فهذة المرة جرَدت الحركة ، كل الحزبين من إية صفة إسلامية ، كما ألفناها دوما . و هذا بالضبط ، مما جعل المتربصون بها يميلون ميلا لتلك الشكوك التامرية . فأما صديقي الإيفوري يمضي مازحا : فعندما سمعت بإسم حزب المؤتمر الشعبي ، قلت في نفسي ، هذة مؤامرة ضد هذا الشعب الطيب ، أما بالنسبة لأغلبية الشعب السوداني ، فإن حزب المؤتمر الوطني ، هو مؤامرة كاملة ، ضد وجود كيان الوطن . اليوم معظم السودانيين يعتقدون بأن المؤتمر الوطني هو الذي مهَد لتجزئة الوطن و بيعه ، بتأسيس ميليشيات أستخدمت لتحقيق هذا الهدف النهائي تحديدا " الإحتلال ". لكن قبل تفشي ظاهرة إحتلال دور و منازل الناس في هذة الحرب ، لقد تم سلفا ، تحويل دار المؤتمر العربي الإسلامي رسميا إلى دار العطاوة ، بمباركة إسلاموية . نحن نعرف العاصمة المثلثة تمتلك أراضي شاسعة ، فلماذا تم إختيارهم فقط ، لدار مسكون بأفكار عقائدية ، أفكار ساهمت بشكل مباشر في إبادة الجزء الأكثر إنتماءا لحضارة السودان العريقة ؟ فقبل هذه الحرب ، كان مجرد الخوض في حقيقة الواقعية السياسية عن فكرة تأسيس دولة العطاوة ، سيجعلك هدفا جهاديَاعند زمرة الإسلاميين و ستتهم مباشرة بالزندقة ، لأنها كانت تتستر عليها . بينما اليوم الأحداث تجري بسرعة في إحتمالية تشظي الوطن الى دويلات مشوهة ، فلم يعد ذلك الإحتمال " ضرب رمل " . و من العجب ، بأن هناك بعض من إسلاميي الحداثة و الإصلاح يبثون حاليَا ، الفزع في نفوس السودانيين بأن دولة العطاوة ، أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من إبتلاع دولة السودان . الحرباء الملتحية : هذه الحرب ، لم تفاجأ أحدا بإنفجارها ، إنما ما لم يكن واردا في حسبان الجميع ، هو مستويات العنف التي وجهَتها ميليشيات الجنجويد ضد شعب السودان . بينما تبقى الصدمة العميقة عند الصفوة ، في أن تفقد المنظومة القديمة ، نخبة الجلابة ، زمام الأمور بهذه السرعة و السهولة لصالح المنظومة الجديدة ، النخبة البدوية . و لطالما لهذا الإخفاق تبعات " وجودية " مباشرة لحواضن تلك النخبة بالذات ، فها هي لأول مرة ،لا تتردد بإلقاء تهم عظيمة ، مثل الخيانة العظمى ضد البرهان و أركانه . لأنها ترى في تقييمها لأداء قيادة القوات المسلحة في ميدان القتال " مخيبة للآمال و وصمة عار لا تمحى ". علما بأن ، القوات المسلحة ما فتئت تؤكد لهم ، بإنها متماسكة و تنطلق من مبدأ تطبيق عقيدتها العسكرية و القتالية بفعالية و إحترافية ناجعة . غير أن مناصريها لا يرغبون سماع لغة دواوينية ، إنما نتائج ميدانية مبهرة ، ونظرا للظروف المزرية للسودانيين حاليًا ، فإن عددا من الساخطين يصطفون وراء هؤلاء ، في كل ساعة تمر بلا إنتصار. و الغريب بإن نخبة الإسلاميين بخاصة ، كانت تغض الطرف ، عندما إستمرت القيادة العسكرية في معاملة الجيش بإهمال و مكر خبيث و جعلت من الدعم السريع " الجنجويد " الصبي المدلَل ". و كانت الحركة لا تخجل للدفاع عن ذلك السلوك اللئيم و التميزي ضد الجيش . لذلك هذه الحاضنة النخبوية ، ترى الآن في الجيش بمثابة أفعى عجوز ، يستنجد بحرباء ملتحية ، ليدافع فقط ، عن جحره ، خاصة بعد سقوط العاصمة المثلثة و نيالا و ود مدني ، و التهديد لا يتوقف . أما رأيها في قيادات " قحت " فهي لا تجد لهم سوى مكان واحد تنتظرهم ، مقبرة جماعية ، ودفنهم فيها أحياء . و بالنسبة لمنظومتها الثقافية والسياسية التقليدية وماكينتها الإعلامية ، فبدت لها ، برمتها ، كالعقد المنفرط . و إسترجاع صوت هنا أمدرمان غير كافي بالتأكيد ، لإستعادة التوزان النفسي . المفجع هنا بأن النكبة الحقيقية ، قد وقعت ، و كأنها خطَطت لها أن تقع ، بأيدي حفاري القبور أنفسهم. لكن هناك ثمة حسنة ينبغي علينا الإحتفاء بها ، فلأول مرة أيضا ، رسَى إجماع شبه تام ، بين حواضن النخبتين ، في أن هذة النخبة الإسلاموعروبية ، هي المسؤولة عن هذا الإذلال و الإنهيار الغير مسبوق للدولة السودانية . غير إنه من الصعوبة ، لإي كان أن يزعم بإنه تنبأ ، على نقطة السقوط التي أدت لهذا التفكك المباغت لتلك المنظومة التي لطالما تلَونت دائما مثل الحرباء، لتفلت أمام تحديات مماثلة. لذلك سنستعين بإبن خلدون لضبط نقطة التفكك، هذة . فلقد كرَس أبن خلدون وقتا ثمينا لدراسة سلوك الأعراب ، فهي لا تختلف بأية حال ، عن تصرفات المستعربين في حالة السودان . يقول عن طريقة حكمهم " إن العرب إذا تغَلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب ..". فمنذ خراب مملكة النوبة ذائعة الصيت و خرابها المدوي ، بيد الأعراب لم تقم بعدها في السودان ، أية حضارة إنسانية أو معمارية سوى القتل و الدمار لأكثر من ألف عام . أما عن غاية أهدافهم لبلوغ السلطة ، ينبًه قائلا . " إنهم إذا ملكوا أمة من الأمم جعلوا غاية ملكهم بأخذ ما في الأيدي . " فالثروة الحيوانية و المعدنية التي تهيمن عليها القبائل المستعربة في أفريقيا و في السودان بخاصة ، في غالبها منهوبة بالكامل من القبائل المحلية القديمة . هذة ليست تهم و مزاعم جزافية ، إنما وقائع تاريخية يعترف بها بعض القبائل الرعوية الأفريقية المستعربة ، كلما خلوا بأنفسهم في لحظة صحوة ضمير عابرة . لذلك يأمَن الدكتور النور حمد : لم يكن القادمون الجدد مدفوعين بغير الحصول على السلطة من أجل الإمتلاك و الثراء كعادة الرعاة ، في الغزو و الإستحواذ ، خاصة عندما يجاورون بنية حضارية متقدمة و يلمحون فيها علامات ضعف عسكرية ". نخبة الجلابة المستعربة ، و التي تربعت على عروش السلطة في السودان لقرون ، مستمدة شرعيتها من ثقافة سياسية مجلوبة بالكامل من الخارج ، بدت أبدا و كأنها محصَنة تماما ، من أية مساءلة لشرعيتها السلطوية أو لحقيقة هويتها العروبية المزعومة ، حتى ظهور الجنجويد في الخرطوم . و بما أن المركز المهيمن عالميا مع وكلائها ، في هذة الحالة ، دولة الأمارات المتحدة ، النظام العربي الجديد ، دائما ما يخلقون أقطاب متنافسة بغية التزلف إليهم . فلقد دعموا هذه المرة ، النخبة البدوية ، من مهمشي مشروع العروبة في دول الساحل الأفريقي لتملأ الفراغ . ففي هذة المصارعة الدموية الغبية ، تطمح كلتا النخبتين من الفوز بعرش سلطة السودان ، لكنهما بطبيعة الحال، تبقيا دائما أسيرتا لإيديولوجية عروبية دينية مستوردة ، متأثرتين تماما بأفكار تفوق الهيمنة البيضاء . إنه مسلسل خراب سوبا يعاد إنتاجه بصورة أكثر مأساوية في القرن الحالي . لكن الأدوار البطولية هذة المرة ، يلعبها أشخاص من قبيل ، المك أبوشوتال " الفونج " فلهذا الثائر المثير ، قد يكون له مآربه الشخصية أو التكتيكية ، لكن هذا لا يبرأئه ، بأنه متواطء مع كل الجرائم القذرة التي ترتكبها ميليشيات الجنجويد . أما القائد الميليشياوي محمد حمدان دقلو ، فهو بالرغم من إدعائه بأنه أفريقي أكثر منه عربي ، كلما حلَ بين الأفارقة ، فهو يمثل النااصية الخاطئة لمشروع العطاوة " جهينة " العروبي . د النور حمد في تشخيصه للمخ الرعوي " .. تحالف الفونج ، والعبدلاب لم يكن في حقيقة أمره، سوى تحالف رعوي قح، تأسس لنهب ثروات سوبا، وانتزاع الملك من ملوكها”، وأضاف “ .. على رغم أن الإسلام ، كان حاضراً في ذلك الصراع، الذي انتهى بخراب سوبا، إلا أن حضوره كان حضوراً مساعداً فقط، ولغرض الحشد والتعبئة وإثارة الكراهية، وليس حضوراً قيمياً جوهرياً " . لكن هذة المرة قيادة الجنجويد مأدحلة بالإسلام العروبي ، و بإدارة غير ظاهرة من نخبة عروبية تحت دشداشة إسلاموية ، و لذا خطورتها تكن مضاعفة في تدمير و خراب السودان ، و بخاصة ضد السكان القدماء . المحارب الغامض ، و حسم عروبة السودان : و بما أن هذة النخبة البدوية الناشئة ولدت مباشرة ، من رحم شطحات النظرية الثالثة المنسوبة للقذافي، هي الأخرى تؤمن إيمانا قاطعا بوهم عروبيتها . فهي الآن جنبا على جنب مع مجموعات نخبوية بدوية أخرى في ربوع السودان ، في حالة تهافت عنيف مثير ، لانتزاع الملك عنوة من الحرس القديم لمشروع العروبة في السودان . المحارب الغامض ، الدكتور صلاح بندر ، يعتقد بأن مفكرين سودانيين ، د. بابكر كرار و آخرين صاغوا، بتمويل كامل من القذافي ، الإطار الفكري و الثوري لمشروع جهينة ، أي الجنجويد . لطالما الزعيم القذافي نفسه ، لعب دورا مزدوجا ، تارة لخدمة إستقلالية القارة السمراء و تارة العمل على كبح أي ظاهرة أفريقانية ريادية منافسة له في القارة . و هكذا ، فلقد تم مبكرا غرس حلم" أرض الميعاد " في قلوب و عقول مستعربي صحراء أفريقيا ليهبطوا بلا سلام ، إنما بوحشية و بربرية في السودان ، بمعنى صريح ، إحتلال السودان ، بداءا بإبادة زرقة ، سود ، دارفور . طبعا ، السودان كله أسود ،أفارقة ، بمعايير المركز المهيمن حضاريا . غير أن ، العقلية الإستعمارية ذرعت في عقولنا هذة الفوارق ، أي هناك عرب بيض و أفارقة زرقة ، التي تتلاشى بمجرد الإقتراب من مركز الهيمنة البيضاء ، بحيث تنكشف تلك الكذبة المروّعة ، فتليها سلسلة موجات إحباط من الصدمات العرقية. و النتيجة هي هذا الجنون ، هذا التدمير الذاتي ، سواءا كان ذلك عن طريق الحقد ، و الغضب و الشعور بالدونية أو الشعور بمرض العظمة الزائفة . فالتزلف لأي شئ أبيض ، هو بالنسبة لنا البلسم الشافي . فلقد أصبحت الجلابية البيضاء ، رمزا وطنيا ، و إرتداء أية جلابية غير بيضاء ، هي من التابوهات ، شبه محرم ، ستضعك تلقائيا ، تحت المجهر ، كمشعوذ ، كساحر أو كدرويش خطر، في براءة الأحوال . أما إبتلاءات كريمات التبييض بين النساء و الرجال ، فلا يبقى أمام الإنسان سواء الدعاء . فهذة هي أحدى تبعات تلقين الفكر الإيديولوجي الإمبريالي بين الصفوة لنشره بيننا ، عبر وسائل الدعاية و الإعلام . فالدكتور بابكر كرار إنه مفكر اسلامي عروبي ، يؤمن مطلقا بعروبة السودان "من مؤلفاته " حسم عروبة السودان " . و من سخرية القدر ، إنه من مواليد مدينة ود مدني التي إستباحتها ميليشيات الجنجويد ، حاليا . قد يجادل البعض بأن هذة الحرب لا علاقة لها بتاتا بقصة العروبة و الدين ، إنما الأمر برمته ، صراع سياسي سلطوي بين جيَاع الثروة و النفوذ و العمالة . لكن عندما يدقق المرء في قائمة أسباب هذة الحروبات ، يجد بأن كلمات مثل التهميش و العنصرية ضد أعراب التصحر أو الكراهية على أساس العرق أو اللون أو الجهاد لنشر الإسلام تأتي في المقدمة . إنه صراع الهويات المصطنعة التي تعد من أخطر مخلفات الإستعمار ، ووكلائه . و لهذا السبب تحديدا ، تتولى نخبة الجنجويد ، عملية تصنيف و إصطفاف عروبي جديد و هي من المرات النادرة ، التي فيها تتم مسائلة و تحدي نخبة الجلابة في شرعيتها و هويتها ، بدعم مباشر من بعض الدول العربية ، الفاحشة الثراء . و في هذه العملية التطهيرية ، تحاول النخبة الجنجويدية ، فرز من هو العربي الأصيل في السودان ومن هو المزيف ، و من هو المسلم و من هو الوثني ، إنها حالة مرثية ومسلسلة كوميدية في حد ذاتها . غير أن الصدمة الصاعقة في هذا الأمر ، هي إنها المرة الأولى ربما ، حيث إستيقظ السودانيون جميعا ، على حقيقة أن وطنهم في مهب الريح . و الان فكرة تفتيت السودان ، لم تكن قط من أضغاث أحلام منظري المؤامرات أو من مبشري إقتراب يوم الدينونة ، إنما هي تماما ، لحظة "خراب سوبا ". فنقطة الإنشطار كانت و مازالت هي " تعريب السودان "على مبدأ : و في ذلك فليتهافت المتهافتون. من هم العرَابون ؟ : لكن فصل الخطاب هنا ، إن السودان فعلا على مقصلة الجزار . أما العرَاب الكبير لهذة المأساة السودانية المستمرة ، فهناك ثمة من يؤمن قطعا بأنها ، خلية عروبية إسلاموية في قيادة الحركة الإسلامية ، نفسها . و هم بالأساس نخبة بدوية أتت بالكامل من كل أنحاء الريف السوداني . فهؤلاء لم ينصهروا مع مشروع السودنة التي كانت تتم ببطء تحت نار هادئة ، على العكس ، إنما كان يتم إعدادهم ، تحت نار الإسلاموعروبية المتطرفة ، بعيدا عن مفهوم الدولة الوطنية. أما عندما يتعلق الأمر ، بالجنرال عبد الفتاح برهان ، فهناك ما يعتقد جازما ، بإنه ليس متعاطفا إسلامويا ، فحسب، إنما هو بعثي عروبي حتى النخاع . لطالما علاقة الجنرال بتكوين ميليشيات الجنجويد " الدعم السريع " التي إرتكبت جريمة محرقة دارفور في 2003 ، لا تشوبها شائبة ، لذلك يشهد الجميع، بإنه بلا منازع، من المهندسين الفعليين، لتأسيس هذه الميليشيات التي تمت تمكينها بالإمتيازات المفتوحة من ثروات السودان ، لتصبح أكثر عددا و أعنف قوة تدميرية. فضلا عن هذة الميليشيات ، تعتبر الذراع العسكري و الثقافي لمشروع " دولة العطاوة " ذات النزعة العروبية و الإثنية العابرة للحدود . فلقد سمح لهذا المشروع بأن يتخذ مقر مكتب الترابي في دار المؤتمر العربي الإسلامي في الناصية الجنوبية لجامعة الخرطوم ، قاعدة فكرية لطموحاتها المستقبلية . فلذلك عندما نؤكد بإحتمالات نظرية الاحلال و الإستبدال الجامح ، فإنه ليس كلام نابع من فراغ ، إنما له دعائم مسنودة بالوقائع . غير أنه يبقى ، بأن الرعاة الحقيقيين لمشروع الهدم هذا، كانوا دائما هم الإسلاميون العروبيون ، و زمرة من نخبة الجنجويد ، من أمثال وزير الدفاع السابق برمة ناصر و النائب الإسلاموي للدكتاتور البشير ، السيد حسبو عبدالرحيم . وهذا الأخير ، سخر منه الشيخ موسى هلال ، بأنه أصلا منبت بلا جذر ولا يعرفون له نسبا ، و بأنه عاجلا أم اجلا سيدمر السودان بالمرتزقة . و لكن الموسف حقا ، هناك قلق جدي لظهور بوادر لإنزلاق غرائزي بدائ نحو درك عصبية القبيلة في هذا المنعطف الخطير . بخاصة عندما يصاب بهذة النزعة كوكبة فكرية وطنية كنا نعدهم دائما حصونا لتأسيس الوطنية السودانية الأصيلة ، ركائز الحكمة و الرزانة و الفكر الثاقب و الحصافة . فهذا التدحرج الجارف ، مع هذة العصبية الرجعية قد ينذر للبعض ، بأن أحدا من أبناء دارفور البررة ، سيصبح من الآن فصاعدا ، المنظر الجوهري لهذا لمشروع الجنجويدي ، أعني هنا الدكتور وليد آدم مادبو، الذي نكن له إحتراما جما. فالحديث عن أية خصلة صوفية للسيد محمد حمدان دقلو أو أية مقارنة بالمناضل الأسطوري جيفارا ، هي محض مسخ كامل للحقيقة . وهو أمر ما فتئ يكرره الدكتور مادبو عند تناوله شخصية محمد حمدان دقلو . فلا يمكن لرجل فارس و صوفي تقي و محارب من أجل المستضعفين ومناهض ضد الإمبريالية و الإستعمار و الإضطهاد العرقي ، أن يكون شريكا مباشرا و متورطا في جرائم إبادة ضد شعبه ، تحت أية ذريعة . فأية جدلية إسقاطية مبنية على أسس شبه رغائبية ، سوف لن تهز إية وقائع و حقائق معروفة . فالسيد حميدتي ، يستوفي تماما ، شروط النموذح المثالي لشخصية المرتزقة ، وفقا لكتاب " الأمير " لميكافيلي . و بهذا الصدد ، يقول الصحفي الخليجي أحمد الحامد" فالمرتزقة دائماً بلا أخلاق، بلا فروسية، بلا قناعات وبلا كرامة، يعيشون من دون ولاء ثابت ولا شيء سوى المال " . فأمثال هؤلاء هم من يتآمرون حاليَا ، على تفتيت السودان ثم تعريبه ، لصالح هيمنة مصالح الأقطار العربية و لصالح أيديولوجية التبييض ، الهيمنة البيضاء ، دون مصلحة الوطن . و بلا شك ، فهناك دوافع نفسية شخصية أيضا ، لهذة الحرب بالذات ، لتصفية حسابات أجيال و مرارات تاريخية قديمة بين النخبتين . وهكذا كشفت وقائع جرائم هذه الحرب حقيقتهم مرة واحدة . كغيرها من الحروبات الإستعمارية ، ففي هذه الحرب أيضا ، تظهر إيديولوجيا الإستعمار الإستيطاني في أوضح صورها الكلاسيكية . فتأتي مهمة الغنائم و االسبي و الإغتصابات و التهجير و الإبادات العرقية الممنهجة ، للسكان الأصليين و تدمير المعالم التاريخية و مؤسسات الدولة و المجتمع ، في مرتبة الأولويات القصوى . إنها إيديولوجيا المركز المهيمن لتحقيق هدفه الرئيسي ، الإستعماري بالوكالة " جلب مجموعات عرقية غير أوربية "، لإدارة موارد هذه الدول الغنية بإفقار سكانها الأصليين لصالح المستعمرين . فأما الوعود البراقة التي تحاول قيادة الميليشيات جاهدة ، تقديمها للشعب السوداني ، فتبدو نفخ في أنبوب مثقوب ، لأنها بالذات ، ربيبة الحركة الإسلاموعروبية في السودان . و ليس سرَا أيضا ، بأن تلك النواة من نخبة الإسلاميين العروبيين قد جنَدت ، منذ أمد ، كوادرها في دول الساحل ، للتمهيد لهذة الحروبات الجارية هناك من أجل تنفيذ نموذج الإستيطان الإستعماري و الصهيوني ، كطريقة مثالية لتوطين المستعربين في الشتات الأفريقي من خلال استئصال السكان القدماء في القارة . فمؤامرة فصل الجنوب هي مؤامرة ليست غربية فحسب إنما تبنتها هذه الحركة منذ البداية . كما هي فكرة دولة النهر و البحر، فإن نهر النيل و البحر الأحمر،هما موارد أفريقية سودانية ، فكيف يعقل أن تنهب هذة الثروات ، فقط بسبب أفكار لشذاذ الأفاق ، و من ثلة أخرى تعاني الهذيان ، في هويتها لصالح أمم أخرى ، قبل أمة السودان و أفريقيا ؟ و في ذلك يستخدم أيضا ، الدين كمصوغ شرعي لتأميم الموارد و سوء إستخدامها ، خذ مثلا " الصمغ العربي " بدلا عن الصمغ السوداني أو الأفريقي . فضلا عن إستغلال و مصادرة ثروات أولئك الشعوب المغلوبة ، التي وقعت تحت نفوذه لصالح المستعمر ، مثلا السودان " سلة الغذاء العربي " و هي في أفريقيا الفقيرة ؟ . و هي ما نشهدها الآن في أفعال الحرب التي تقودها النخبة البدوية الجنجويدية ، لتهريب معادن سودانية ثمينة لدولة الإمارات و دول أخرى، بينما شعب السودان يموت جوعا. الهرم الأول : جلال هاشم نحن نعترف بأن السودان تعج بأزمات متفاقمة منها القبلية السلبية و إنتشار الفساد، لكننا نؤمن أيضا بأن أس هذه الأزمات الكارثية ، هي السياسة المستمرة ، لتحويل السودان الى دولة عروبية إسلاأموية حصريَا . و من هنا نرسل تحياتنا الدافئة لصمام أمان حضارة السودان ، الدكتور جلال هاشم . و بسبب هذه الإيديولوجيات المجلوبة ، تدفع أجيال السودان الحالية و المستقبلية ، ثمنا باهظا . بل أصبحت هذة الدولة الغنية ، عالة على المجتمع الدولي ، فيما العملاء و وكلائهم يعيثون فسادا بخيراتها .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة