كتبت في مقالة فائتة ان هناك عبارات تفضح عمرك مثل ان تقول (درست الابتدائي) ..ذلك ان ابناء هذا الجيل يقولون (الأساس ) ..او تقول (مشيت ضربت تلفون ) ذلك ان لا احد (يمشي )للتلفون ..التلفون يمشي لوحده ..وهكذا ..مازحنى احد اصدقاء الاسفير وكتب معلقا (اعملي تعويم لي عمرك زي جعفر عباس ..عمل تعويم وثبت عمره في 39) ...وعدته بان اكتب مقالأ بهذا الشأن ..تحت شعار الفكر النطاسي في تعويم العمر العباسي.
بادئ ذي بدء ..نقول ان جعفر عباس من الأشخاص القلائل الذين يحق لهم تعويم عمرهم متى شاءوا وكيف شاءوا ..ذلك انه كاتب عابر للقارات والأعمار ..يقرأ له الصغير والكبير بمختلف الجنسيات و(الجنادر) ..نحن فقط في حضوره نلتزم بلافتة (الركشات تلزم الجانب الأيمن من الطريق) ..كلو ولا زعل ابو الجعافر ..اذكر انني ذات مرة من (المراير) غمزت جانبه بكلمة ..فوظف كل امكانياته الكبيرة في الهجوم على شخصي الضعيف ..عشان كدا هذه المرة ناخد ساتر ونقول (انت ما مجبور علينا ..نحن مجبورين عليك).
المشكلة الأساسية التي تواجهني في تعويم العمر هو دراسة الجينات والتي جعلتني اتعرف على ما يسمى ب(التلومير) ..وهو جزء صغير في الكروموسوم داخل الخلية ..هذا التلومير يبدأ منذ صرخة الميلاد الأولى يتناقص حتى الممات ..(حسابة) التلومير التي تحسب ..كانت العائق الاساسي في تقدم عمليات الاستنساخ ..ذلك ان العلماء الذين نجحوا في ارجاع خلية عادية الى ما قبل التصنيف الخلوي .واستطاعوا ان يجعلوها تتوزع الى خلايا متعددة بوظائف مختلفة ..ومن ثم بعد ان تم زرعها في رحم الام ..صارت جنينا تطور حتى خرجت النعجة دوللي للوجود ..كل ذلك الانجاز ..احبطه السيد التلومير الذي كان قد بدا حساب العمر من الخلية الأم ..فكان ان أصابت الشيخوخة النعجة دوللي ..وماتت قبل أمها ..انه التلومير يا سادة ..لا مجال لرشوته او خداعه.
التلومير ينبه الخلايا التي تريد (التشبب وتعمل فيها صغيرة ).يرسل لها رسائل قائلا ( دا احنا دافنينو سوا) .. الذين يجتهدون في شد الجلد ..صبغ الشعر ..حقن التجاعيد ..كل هذه الاشياء لا تخدع التلومير ..ستجده يجلس واضعا رجل على رجل ...وهو يمد لسانه ساخرا (على مين؟)..ممثلة مشهورة تداول الناس صورتها وعليها تعليق انها بلغت الثمانين ..ووجهها مشدود ..كشابة صغيرة ..سمعتها قبل ايام ..صوتها يخرج بصعوبة تلازمه حشرجة ..انه الكبر ورب الكعبة ..فقلت لنفسي ..(الواحدة تجتهد في الوش ..يفضحها تلومير الصوت)..
اللهاث خلف العمر يجعلنا لا نلتفت لجمال التقدم في السن ..لتلك الحكمة التي تتنزل علينا كلما تناقص التلومير ..واستطال ظل الماضي ..كل عمر له مزاياه التي لا نعرفها الا عندما نبلغه ..الان صرت لا انفعل كثيرا كما كنت من قبل ..تمر علي لحظات اجلس فيها متأملة الأحداث كأنني احلق من فوق ..اضحك على أشياء كانت تثير غضبي حتى مرحلة الحنق ..اجد نفسي امازح الأطفال ..واتسامح مع الذين يخطئون في حقي ..عقدت مصالحة مع التلومير وجلست بجانبه مطمئنة اشاهد قطار العمر وهو يعبر المحطات واحدة تلو الاخرى...
تفاصيل قولي والمجمل ..ليست لدي نية لتعويم عمري ..مرجعي في ذلك مقولة كيجاب السباح السوداني المشهور ..(ما في حاجة عامت في البلد دي غير كيجاب والجنيه السوداني ) ..لكني احكي طرفة وجدتها مناسبة كخاتمة للمقال .. (محمد ) و (اواب )..صغار اقاربي ..التقيتهم سويا امام منزل خالتي ..القيت عليهم التحية ..(ازيكم يا اولاد) ..رفع محمد متوكل رأسه وقال (اهلا ياحاجة) ..قلت له بحدة (حاجة ؟ متين حجيت معاك ؟ قال حاجة قال ) ..تدخل اواب وقال (مش احسن ما يقول ليك شئ تاني ؟ ) ..انا (الليلة وووب ..شئ تاني زي شنو يا ولد ؟ )..هز كتفيه وقال (حبوبة مثلا).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة