العلاقات السودانية الايرانية، سوف تطوي ثوبها البالي، وتخطر في ثوب قشيب، بعد أن كلفتها خطوب الحياة، وعنت الدول المستبدة، التي كانت تضيق بهذه الوشائج، التي توثقت في عهد الرئيس السابق المشير عمر حسن أحمد البشير، أشد الضيق، ولعل الباعث الذي دفع نظام البشير، لتوطيد صلاته مع ايران، التي أظهرت حباً له، وعطفاً عليه، العزلة التي فرضها عليه المجتمع الدولي، بعد أن حاد نظام الحركة الإسلامية، عن النظم المرسومة، والقواعد الموضوعة، وأراد أن يمضي في الحياة كما يريد هو، لا كما يريد الغرب، لقد رفض نظام البشير قيود الامبريالية، وذهب في عناده معها مذاهب مختلفة، فالجأته إلى ذلك البؤس الهادي المطرد، حتى قضت عليه، البؤس العاتي الغليظ، الذي جعل شرائح شعبه ومكوناته تتصايح، وتدعو بعضها بعضاً للخروج عليه، حتى ظفرت بالحرية قبل عدة أعوام، ثم فرطت في هذه الحرية، وأمعنت في هذا التفريط، حتى قادنا ذلك التفريط إلى هذه الحالة المنكرة، وإلى هذه المليشيا المارقة التي أودت بالناس في غرب الدولة، وشمالها، وفي وسطها، وأكبر الظن أن الساسة الذين جاءت بهم تلك الثورة التي لم تكمل غايتها، لم يكونوا على كل حال، هم القادة الذين سيبلغ بهم الشعب مأمله في العدل والحرية، وينهي بهم هذه السلسلة الطويلة من حلقات الخمول والجمود، فهم لم يقودوه إلى الأمل المنشود، ولم يقدروا جهده الدائب، وعمره القصير الذي أفناه، من أجل نيل التحرر والانعتاق، فتلك الناجمة لم تسعى إلا لأن تروي حقدها، وترضي حاجتها من التشفي والانتقام، وتمحو بأظافرها الحادة الملوثة، كل ما دونه التاريخ للانقاذ من محاسن، ولا تبقي إلا على غثاء، لا يحتاج منا أن نضبطه، أو نعلق عليه. وفي الحق، أن معارك النظام الإسلامي المحتدمة مع المجتمع الدولي، منحته بلا شك بصيرة نافذة، وذكاء متقد، وقدرة فائقة على المناورة والالتفاف، فاستطاع أن يكون لنفسه رأياً صارماً حازماً، خاض به العور والنوائب، على مدار عمره الطويل، حتى اشتد عليه المرض، واستيقن الموت، بعد أن صبر وأجمل الصبر، وسلك كل الطرق التي تبقيه حقبة من الدهر، قبل أن يلفظ آخر أنفاسه، وإيران كانت محطة من محطات تشبثه، محطة استطاع أن يعيد بها بناؤه العسكري والسياسي، ونحن إذا أردنا أن نرصد هذه العلاقة، فسنجد أن نظام البشير قد سار مع إيران سيراً رقيقاً عذبا، في بدايته، فوفق منها إلى ما أراد، ومنحها بعض ما تريد، ثم تنكر لها، وجحد فضلها، ليرتمي بعدها في أحضان دول الخليج التي كانت لا تتعصب له، ولا تثني عليه، بل تبغضه وتزدريه، وتوغل في مجه وازدرائه، فبغض دول الخليج للانظمة التي تلتحف برداء الدين، لا يحتاج منا، أن نضيع وقتنا، وقت القارئ، في التماس الأدلة والبراهين على حقيقته وصحته، وقد لجأ نظام البشير إلى الخليج العربي، بعد أن فقد الأمل، واستيئس من النجاة، وقد منح الخليج العربي "البشير" الأمان، وأخذه بالحزم، ورده إلى الاعتدال، وأجبره على قطع صلاته بايران، التي كانت أحدب عليه من أبيه، واستأنف "البشير" حياته الجديدة، مع حليفه الجديد، وكان يحرص على رضاه، أكثر مما يحرص على أي شيء آخر، والخليج الذي كانت النار تضطرم بين جوانحه، وتحرق قلبه غيظاً على" البشير وطغمته"، استخدمته أداة للدفاع عن نفسها، وأقحمته في تدخل عسكري عنيف في اليمن، وجعلت قواته تنتقل من ثغر إلى ثغر، ومن غور إلى غور، تغالب الطبيعة، وتواجه العواصف والأنواء، وتجابه المنايا، في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، أمسى البشير يحارب جماعة تعيش في وطنها، وبين أهلها، جماعة لم يجد السودانيون ما يدفعهم، إلى الجد، ويثير فيهم النشاط، لهضم مسوغات قتالهم، لقد اتخذ نظام البشير هذه الخطوة في كثير من التردد والاستحياء، ولم يكن ينظر، أو لا يكاد ينظر كما يقول -العميد- إلى عمق العلاقة التي لم تشبها شائبة مع الشعب اليمني الشقيق، واستطاع البشير كعادته أن يحصر الثائرين، والمستهجنين، تلك الطائفة التي لم تريد قتلاً ولا قتالا، ولا تبتغي شراً أو خصومة مع اليمن وأهل اليمن، استقبلت هذا التداعي واجمة أول الأمر، ثم سائلة مستفسرة، عن الدواعي والأسباب التي تحملنا على حرب اليمن ومعاداة شعبها، فأجبرهم الدكتاتور الحائر على الصمت، ومضى البشير في عزمه، وأرسل قواته إلى معمعة لا تحمل إليهم رضى ولا غبطة. والقوات السودانية التي كانت تقاتل هناك بأبخس الأثمان، كانت تستشعر الحرج، وهي تتبع الحريق هنا وهناك، وتعلم أنها مهمة أثقل من تستطيع أن تنهض بها، لأجل ذلك كانت الهزيمة تدركها في أكثر الأحيان، فهي غير مقتنعة بأنها قد حضرت هنا إلى هذه البلاد، حماية للكعبة، وبسطاً للعدل، وإنقاذاً للناس من ظلم الحوثيين، فالشيء المحقق أنها جاءت إلى هنا من أجل الطمع والطموح، الطمع في المال، والطموح إلى الترقية والتدرج في الرتب. ونحن إذا اردنا الانصاف، نقول أن" المشير البشير" الذي كان ينتظر من الخليج، أن يحميه من عاديات الأيام، كان مكرهاً أن يساير حلفائه الجدد، وأن يظهر لهم هذا الخضوع والإذعان، فهو واهي أقعد به الداء، ونظامه ضعيف ثقلت عليه العلة، و حركته أزرى بها الخلاف، نظامه الذي بات يكره نفسه على البقاء، مخافة السجون والملاحقات الدولية، أفاض على وجهه هواناً، جعله يستخذى نصرة من أطنب في معاداتهم، وكان يعد أصواتهم أكثر خفوتاً، وصورهم أشد بعداً، وانقطع البشير في هذه العلاقة مع الخليج الذي لم يظهر مطلقا أن نفسه راضية، وقلبه سعيد، بهذا التأخي، وحتى نترك عنا هذا التحقيق الدقيق لكنه المشاعر، نقول أن "المشير البشير" لم يفرغ للهوه ومتاعه، والتنقل بين الأقطار، فقد عالجته ثورة هادرة قضت على بحكمه، ثم أخذت الجموع تكثر من التردد على القصر الجمهوري غداة كل يوم، وهي ترسل صوتها الصريح بالانكار، حتى ظهر لنا شبح "الخبير الاقتصادي" المزعوم الدكتور عبد الله حمدوك، والذي اتضح انه أتى ليحارب عواطف الشعب ومثله العليا، لقد كنا على علم بأسباب هذه الثورة، ودوافعها الوطنية، ولكننا لا ندرك الكثير، أو نجد تفسير شاف لتصدر ممن هم على شاكلة "حمدوك" و طاقم حكمه الضعيف الهزيل، الذي لم يأتي إلا ليوقظ روح اليسار، ويجعل للخنا والفجور قيمة عظيمة، وخطراً جليلا، وقد رفق بنا الدكتور حمدوك حينما صاغ خطابه الشهير للأمم المتحدة، حتى لا نجتهد، ونضني أنفسنا بالاجتهاد، لكي ندلل على عمالته، خطابه الذي أتى "بفولكر" الثعلب الألماني العجوز، الذي قوى من شخصية" قحت" ودفعها إلى الثقة بنفسها، "قحت"مجموعة الأحزاب الهشة المنخوبة الفكر، المغلولة اليد، المحصورة بين ردهات مكاتب المخابرات الأمريكية، لا ندري كيف تصدرت المشهد، وكيف رضينا منها أن تبت في يسير الأمر أو خطيره، لأجل ذلك لاح على السواد الأعظم من الشعب الضجر، وأظهر التبرم والملل، من سماجة، وضعف مردود الدكتور حمدوك ومن "قحت" الحاضنة السياسية له، ولحميدتي قائد قوات الدعم السريع من بعده. ونحن نزعم في حدة وعنف، أن حكومة الدكتور حمدوك إنما وضعت لفئة محددة ولم توضع لعامة الناس، الفئة التي تجد ذاتها وسط الغرب، وحضارته الموغلة في العهر والانفصام، الفئة التي تنتهي آمالها إلى غاية تقتضي تغيير منهج الدين، وطرق التفكير المرتبطة بأصول شريعته، ولعل حدود المقال وأطره، تمعنا من أن نقدم عرضاً مفصلاً للأحداث والمآلات التي صاحبت تلك الفترة، ولكن تلك الفترة انجلت باستقالة الدكتور حمدوك، وتدافع غلاة الفكر الحر، ورواد المجون والزندقة، نحو المطارات والمعابر، وتركوا قائد الدعم السريع الفريق أول محمد دقلو، الرجل الذي لا يدري كيف يصانع من حوله، شريكا للبرهان في حركته التصحيحية التي انتزعت أرباب العمالة من الحكم. ولم تلبث "قحت" التي يملؤها الحقد والشر والكيد أن تبث العداوة والبغضاء في حنايا الفريق أول حميدتي تجاه شريكه وقائده في المجلس السيادي الفريق أول البرهان، فاندلعت هذه الحرب التي كان "فولكر وأحزاب الخزي والعار" أشد حدباً والحاحاً على تهييجها واضرامها، لأنها تحقق لهم كرامة أهدرها البرهان، وتتيح لهم أن يخاطبوا المنابر باسم الأفراد والجماعات. سنرفد هذا المقال بمقال آخر باذن الله. د. الطيب النقر -----------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
سرف المداد
ايران والسودان وجدلية الصلات2
كان جزع ايران على قطع نظام المشير"عمر حسن أحمد البشير" صلاته بها، قصيراً محدود الأمد، لأن حاجتها للسودان قليلة ضئيلة، لأجل ذلك لم تضيع وقتها في اللوم والعتب، وأدارت رأسها عنه، وتركت الديكتاتور مرتهناً بالوعود التي بسطها إليه حليفه الجديد، والتي لم يتحقق منها غير أطياف، ثم مضى البشير، الحاكم الذي منحته الأقدار من الوقت ما يتيح له أن يعدل، وأن يوفق لعهد زاهر، هو ورهطه، ولكنهم أصابوا بعض النجاح، وأخفقوا أفدح الاخفاق وأثقله. ثم شهد السودان تطورات مختلفة، أجملنا الحديث عنها في مقالنا السابق"ايران والسودان وتوطيد الصلات" ونستطيع أن نزعم إذا أردنا تلخيص طابع الأحداث في ذلك العهد في ايجاز شديد، بأن الساسة قد فشلوا الفشل كله، حينما لجأوا إلى الغرب يستمدون منه الرأي والفكرة، وأدرك الشعب الذي جدّ في تنظيم مظاهراته المنددة بخطايا شركاء الحكم، وما كان يجري بينهم من خلاف، أن ساسته وما هم فيه من نزاع باطل كله، فانصرف عنهم، واستعان بالكد والاجتهاد، ليجابه ما أبتلي به من شقاء في حياته، وظلت شريحة الشباب على ما كانت عليه، تختلف إلى الشوارع والميادين، في مسيرات هادرة، تقام يومين من كل أسبوع، ولا تمضي ساعات إلا وتفضها القوات المعنية بفضها، في لغة تتقنها كل الاتقان، وحتى لا نسرف في تحليل الخطوب التي تكاثفت في تلك الفترة، ونترك هذه الأحاديث الطوال الثقال، كما يقول الدكتور طه حسين، نقول أن غمرتها انجلت بحرب ضروس بين القوات المسلحة، وبين قوات الدعم السريع، وفي الحق أن وقائع الحرب، أبعد من أن تحد، وأوسع أن تحصر، وحتى نترك عنا هذا الإسهاب، لنا أن نزعم، أن قوات الدعم السريع هي من ابتدرت هذه الحرب، وأنها حقا طمعت في غير مطمع، وسعت لنيل ما لا سبيل إليه. وانبرت الحكومة الشاحبة التي لا نكاد نتبين معالمها، في ظل هذه الحرب التي ما زالت مستعرة، تدير حوار الهدنة، ووقف الحرب، في عدة منابر، وهي موقنة أن من العسير أن تحقق لتلك الدول الراعية لتلك المنابر، فلسفتها التي تريد أن تنتهي إليها، فتلك المنابر، تريد أن تعيد قوات الدعم السريع إلى حياتنا الواقعة في هدوء ورفق، وألا نعرض عن مليشيا النهب والاغتصاب اعراضاً شديداً أو هيناً، وأن يعود الدعم السريع في صوره وأشكاله الغليظة، مستأثراً بكل خير، ومستحوذاً على كل نصيب، ونسيت هذه المنابر أن كل آآهة طويلة، وصرخة متصلة، صدرت من موجوع أو مفجوع، سببها تلك المليشيا التي تقمصت نهج التتار. الفريق أول البرهان، القائد الذي نعجب بذكائه، ونكبر عقله، وفلسفته في الحرب، بعد خروجة من جحيم الخرطوم، واستقراره في مدينة الثغر، ذلك الثغر الذي تحبه بعض الجهات وتتهافت عليه، وتتدله في لذات هذا الحب العنيف الحار، لدرجة تدفعها لأن تحيل خصب السودان وغناه لجدب قاحل، انتظم رئيسه في زيارات متصلة، تخالف العرف المعروف، فقائد الجيش يعود نفسه الحرمان، ويمكث مع قواته حتى ينجلي غبار المعركة، ولكن نستطيع أن نذهب، إلى أن الغاية الملجئة التي دفعت "البرهان" لكي يقوم بكل تلك الرحلات، هي أن تحتفظ قواته بحظها من الانتصار، و"البرهان" قائد الجيش الذي اشتد عليه سخط الناس، لخططه التي لم تلجم المليشيا التي استفحل خطرها، وعظم أمرها، اتضح الآن نجاعة تلك الخطط، التي حظ الصواب فيها أكثر من حظ الخطأ، لقد توقع الفريق أول "البرهان"، أن تفضي هذه الزيارات لدول الجوار لما ينفع ويفيد، تلك الدول التي تسأثر بقلب شعبه ولبه، قد يتاح لنا الوقت للتفكير عن ماهية الأسباب التي أجبرتها أن تملأ قلب "البرهان" حزناً وحسرة، وحتى لا نقول كلاماً مبهماً لا يفهمه الناس، نزعم في عنف وحدة، أن تلك الدول لم تنظر إلى "البرهان"، أو تسمع منه، كما نظرت إليه "الجزائر" نظرة تضج بالاشفاق، وسمعت منه في حرص واحتياط، هناك في بلد المليون شهيد، تحدث الرئيس "البرهان" بصوت مرتفع، ولم يكن خاطره كليل، أو فؤاده دامي، لأن لا الرئيس "تبون" ولا دولته تؤثر العافية عن اغاثة الملهوف، ولا تضن بنفسها عن نصرته، مخافة مشهد وجهد، أوضيق وضنك، قد يلحقها نظير نجدتها تلك. إذن الجزائر من الدول التي أظهرت وجهاً ناصعاً للسودان، وسرت فيها تلك الرغبة الصادقة في دعمه، وليست الجزائر وحدها من أقدمت على اتخاذ تلك الخطوة، فهناك دولة ايران التي لم تمتنع عن السودان، وتسرف في الامتناع، بحجة الخذلان الذي تورط فيه نظام البشير من قبل، ايران الدولة التي تحيفتها المكاره، وكثرت عليها الأحداث والخطوب، واضطرتها إلى هذا الخصام والجهاد، مع محيطها ومع دول الصلف والغرور، نلتقي ونختلف من أنها تبتغي أي جائحة، أو كارثة، "لقطر سني" حتى تتوطد العلاقات بينها وبين ذلك البلد الذي أزرت به المصائب والمحن، فخلافنا العقدي معها، وسيرتها التي ليست كلها صافية نقية، مع دول وشعوب المنطقة، تجعلنا لا ننخرط معها في مودة خالصة، ولكن الحقيقة التي لا يغالي فيها أحد، أن الدولة الفارسية أسرع إلى التعاون، وأقرب إلى الفهم، لادراك طبيعة المخاطر الهائلة التي تحدق بالسودان، ولأنها أيضاً لا تطرأ عليها علامات التردد والتلكؤ، وتشعرنا بأنها تريد أن ترى وتسمع وتفكر، كلا ايران، حرة الإرادة تنظم علاقاتها وتتطورها، دون أن تنظر لأحد، أو تنتظر رضا أحد، نعم هي ترقب الحوادث، وتهتبل الفرص، لتتصل أفراداها وجماعاتها وكياناتها الدينية والسياسية، مع بيئات وأمزجة الدول المهيضة، ولكنها على كل حال، دولة يمكن أن نعتمد عليها، وأن نعقد عليها أوسع الآمال في ظرفنا الراهن، بعد أن تجافى الأشقاء عن نصرتنا، بل هناك من الأشقاء من لم يرعى للسودان حرمة، وسعى إلى الغاية التي لا تدرك، وهي تفتيت شمل السودان ونهب خيراته. وايران التي تغيرت صورتها، فلم تعد هي الصورة المعروفة على صاحبتها، تلك الدولة التي تريد أن تخضع الجميع للاستسلام والاذعان لارادتها، استطاعت في جهد عنيف أن تقرب منطقها من فهم الناس له، وأن تنسجم في هذه المعاهدات التي تمس العقل، ولا تمس الشعور، وأن تنخرط في مباحثات كفلت لها تجاوز الخلافات مع أعتى خصومها، فاتفاق بكين، طوى خلافها الطويل العنيف مع الدولة الكبرى في المنطقة، ولكن مثل هذه الاتفاقيات في الحق، لا تحقق لايران هدفها الذي تبحث عنه، بغيتها الأزلية التي تتمثل في اغراق المنطقة بفلسفتها الساذجة إلى حد بعيد، فنحن مهما اتسعت أطماعنا، وتعددت مطالبنا التي نتظر تحقيقها من الدولة الفارسية، فلن نرضى أن نوفيها حاجتها، ونحقق لها أملها النديان، فدولة ايران التي تستقبل الآن الزائرين والزائرات من طاقم الخارجية السودانية، تعي تماما أن هذا الشعب الذي عرفته واختبرته من قبل، لن يخضع لحجتها، أو يذعن لجلالها، فحرياً بها، أن تكتفي بالورق المالي الصفيق- هذا إذا كان السودان ما زال يملكه- نظير عتادها العسكري الذي سوف تقدمه لقواته المسلحة، وأن تعلم أن السودان ينتظر منها أكثر من تلك المسيرات التي جلبها منها، والتي أسهمت كثيراً في تغيير دفه حربه مع المليشيا، السودان ينتظر من دولة ايران أن تسبغ على علاقتها به لونا من الجد، حتى لا تتعثر تلك العلاقة مرة أخرى، وأن تسالم وتصانع بعض الشيء، حتى تزول بينها وبين شعبه الكلفة، فالسودانيون يستطعيون أن يبصروا، رغم أعينهم المتورمة من فرط الألم، فهم ينظرون إليها بعين الحاجة، لا بعين الحب، وبشهوة البقاء، لا بشهوة الهيام، ولها أن تفكر في الاعراض عنه، إذا أرادت ذلك، وللسودان أن يطيل النظر والتمعن والتفكير، في خيارات أخرى خلافها، رغم ضعفه وهزاله الحالي، لن نكتفي بالشكوى أيها السادة، نسعل سعالنا المتكرر هذا، ولكن لن نموت، لن نستخذي أحد، وقريبا جداً سنظفر بكل ما نحتاج إليه، وسنشهد جنازة كل من سعى لقتلنا وترويعنا، ونشيعها إلى القبر. على السودان بعد أن تضع الحرب أوزارها، أن يعكف على اغلاق حدوده ويحكم اغلاقها، بعد أن فطن لأن "جيرته" قد أخذت من فلسفة "الآثرة" إلى أقصى حد ممكن، وأغرقته في انتهازية مروعة ، وتغاضت عن العاطفة وعن الشعور، وأن يتحفظ تحفظاً عظيماً تجاه الكثير من عاداته وتقاليده، وأن يترك عنه هذه الطيبة وهذه السذاجة، فهذه الخصال هي التي أحالته لهذا الوضع الضئيل، فهذه الحرب التي جشمته الأهوال، من الحق عليه ولنفسه أن يفكرفي حدوده وسواحله، وأن يخلق لها هذا الاتصال الوطيد مع الدول التي انغمست في نصرته، وأن يعمل على استقلال نظامه السياسي، فيطهره من كل شوائب الضعف والتبعية والاذعان، على السودان أن يوحد صفوفه، ويقوي جيشه، ليستعيد مجده وألقه ونضاره، وليحرر كل ذرة من تراب، شمخ فيها الشقيق بأنفه، على شعبنا أن يترك عنه هذا الخمود والخمول، وأن يتحرر من ربقة الفساد والاضطراب، وأن يعلم أن بلوغ الغاية التي يبتغيها ليس من السهولة واليسر، فهي تتطلب دأباً وجهاداً والحاحاً عنيفا، إنسان السودان لن يعيش آمناً مطمئنا، إلا إذا توثقت صلاته برحاب الدين، وهز بندقيته في الهواء ملوحاً ومحذرا، في كل وقت وحين، حتى يرعوي الطامع، ويخنع الصفيق، علينا أن نبذل كل مشقة، ونحتمل كل عناء، حتى تنفرج الشفاه، وتنبسط الابتسامة، وتتهلل الأسارير، ولن يحدث هذا إلا ابتعدنا عن محورالدول التي تتشدق بديمقراطية زائفة، وأظهرنا الود لبعض الدول الاشتراكية، ووثقنا صلاتنا مع قطر وتركيا وايران، فقد بان أصلهم في ظل هذه الهيجاء كأجمل وأبهى ما يمكن أن يكون. د.الطيب النقر
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة