عندما نقرأ التاريخ قراءة اعتبار وتدبر، نجد أن أكثر ما حدث فيه من مآس وآلام هو نتيجة مصافحات آثمة بين رجال العلم والدين والثقافة مع رجال السياسة والسلطة، أو مع رجال المال والإقتصاد، أو مع رجال الجاه والشهرة فتلك المصافحات لا تمتد لليد فقط، بل تمتد قبل ذلك وبعده للقلب والعقل، فينغلقان انغلاقا كليا عن الحقائق والقيم، وينفتحان انفتاحا كليا على الأهواء والأغراض والشهوات، فيصبح عقل المفكر خادما لهواه، وهواه خادما لمن يوفر له رغباته. ولا يمكننا هنا أن نعدد المصافحات الآثمة التي حصلت في التاريخ، وتأثيراتها على عالم الأفكار والأديان والقيم، فذلك مما لا يعد ولا يحصى، ولكنا سنقتصر على هذه الأيدي الممدودة من التنويريين لجهات كثيرة مشبوهة، لم نر منها خيرا في الماضي، ولن نرى منها خيرا في المستقبل، ذلك أن كل تلك الكنوز التي وهبت لها لم تستفد منها إلا عتوا وغلظة وضلالة. تلك الجهات التي صافحت في عقود سابقة أيدي المتطرفين والإرهابيين لتحول منهم أداة لخدمة المشروع الأمريكي والغربي، ومواجهة القطب الثاني ليبقى المجال فسيحا أمام القطب الأول ليمارس كبريائه كما يشتهي. وعندما استنفذت أغراضها من المتطرفين والإرهابيين راحت تتبرأ منهم، وتمد يدها للمتطرفين الجدد، أولئك الذين يعتبرون أنفسهم متنورين، ولا حظ لهم من التنوير إلا حجب الحقائق والتلاعب بها، وإتاحة المجال لكل رويبضة أو #################### أو جاهل ليتحدث في الدين كما يشتهي، بل يضع فيه من الإجتهادات ما لم يسبقه إليه أحد، ومن غير أي دليل أو حجة. فكل يد تمتد لمصافحة قرن الشيطان، يمكننا أن نخاف منها أو نحسب لها ألف حساب. ولهذا يمكننا في هذا الوقت بالذات أن نخاف من اليد التي يمدها هذا القرن المشؤوم لأولئك التنويريين، ليعطيهم من الفرص ما أعطاه سابقا للمتطرفين والإرهابيين، ليقضي هؤلاء المتطرفون الجدد على ما بقي لدينا من قيم وحقائق جميلة، ويجعلوا من الدين كرة تتداولها الأيدي والأرجل، ويتفرج الناس على العبث بها، وهم في قمة السعادة والسرور؟ ان مايمر به الوطن من لأواء وشدة هو بسبب صراع بين حق وباطل ام هو صراع بين باطل وباطل وإذا طال الصراع بين طائفتين فأعلم ان كليهما على باطل فلا يطول الصراع بين حق و باطل وإنما يطيل الله الصراع بين الباطلين ليفنيهما معا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة