التشخيص السليم لأزمات الدولة المدنية السودانية أنها تنطلق من غياب البعد الأمني ، و بعد ذلك تتشعب لتدخل الجوانب الاقتصادية و السياسية والاجتماعية ؛ فمنذ الإستقلال ، لم يحدث الإستقرار المطلوب لإنجاز مشروع الدولة المدنية السودانية ، فتخرج الأمة من دوامة صراع ، لتدخل في أخرى ، و هكذا دواليك ، فكيف نتوقع نهضة أمة تعاني مكوناتها الأساسية البشرية من زعزعة أمنية أفضت إلى النزوح و اللجوء خارج الحدود ؟ من يصنع النهضة إذا كانت المكونات الاجتماعية الأساسية للدولة المدنية السودانية غير مستقرة ؟ فسؤال إستقرار المكونات السودانية الأصيلة التي لم تجد إجابة شافية منذ الإستقلال هو بيت القصيد ، و لب الموضوع الذي يجب أن نجاوب عليه قبل الحديث عن أي مشروع دولة مدنية في السودان .. الحرب أداة مهمة من أدوات السياسة ، هذه الجملة العميقة التي يتجاهلها البعض بسبب نتائج الحروب السلبية في بعض الأحيان ، و يتناسون تلك النتائج الإيجابية لبعض الحروب ، فالنار تحرق ، و كذلك هي ضرورية لإنضاج الطعام ، فهل نترك طهي الطعام بالنار لأنها تحرق ! الحرب الأهلية الأمريكية إستمرت زهاء أربعة أعوام ، لكنها في الاخير صنعت قيم الحرية و الديمقراطية التي مكنت الولايات المتحدة الأمريكية لتكون من أقوى الدول ، معركة عين جالوت ، التي هزمت فيها جيش المغول لأول مرة بعد تمدد لمدة ٦٠ عاما دون مقاومة ، هذه المعركة مكنت دولة المماليك في مصر من حكم مصر و الشام لمدة تقارب القرون الثلاثة ، و كانت على أعتاب التفكك قبل مجيء المغول لتخوم دولتهم ؟!. بعض من ملامح الخارطة الأمنية بعد الحرب : بعد بسط الجيش السوداني + المقاومة الشعبية سيطرتهم على كافة ولايات السودان ١٨ ، نحتاج إلى تكوين قوات أمنية جديدة تعالج هذه المرة القصور الأمني الذي تسبب في عدم إستقرار المكونات السودانية الأصيلة ، و بالنسبة للأمن الداخلي ، يحتاج السودان لتبني فكرة الولايات المتحدة الأمريكية المعروفة بالشرطة الفدرالية ، و التي تتمتع بصلاحيات أمنية و قانونية مكنتها من إحكام السيطرة على كامل الأراضي الأمريكية ، و تجاوزت مهامها إلى ما وراء الحدود عبر أنشطتها في سفارات الولايات المتحدة الأمريكية ، فالسودان بحدوده المترامي في حاجة لمثل هذه التجربة الثرة ، فعدد السكان فوق ٤٠ مليون نسمة يحتاج إلى ما متوسطه ٢٥٠٠٠ فرد شرطي في كل ولاية ، و عدد ٢٠٠٠٠ فرد عسكري في كل ولاية ، و بعد ذلك تراعى التفاوت السكاني بين الولايات ، فإذا كان عدد ولايات السودان ١٨ ، فإن العدد الكلي لأفراد الشرطة يكون ٤٥٠٠٠٠ ، و العدد الكلي لأفراد الجيش يكون ٣٦٠٠٠٠ فردا ، على أن تعطى أولوية التجنيد للذين تطوعوا من شباب السودان في المقاومة الشعبية ، و كذلك تعطى الأولوية للمكونات السودانية الأصلية التي وقع عليها ظلم المؤسسة العسكرية في الفترة السابقة و التي كانت تحتل أراضيها من قبل الدخلاء و تكتفي المؤسسة العسكرية بتقمص دور : شاهد ما شافش حاجة !. بل و تعين هؤلاء الدخلاء بتنظيمهم في شكل مليشيات لتحقيق بعض الأهداف السياسية التي تقوض حقوق المواطنين الأصليين في أراضيهم ؟ لذا أطلقت على هذه الحرب : حرب الغفران ، لمؤسسة الجيش السوداني حتى تكفر عبر هذه الحرب عن تقصيرها السابق في حقوق المكونات السودانية الأصيلة ، بسبب التوهان عن هوية المواطن السوداني الحقيقية ، و الصراع بين العروبة و الأفريقية ، فما بعد الحرب يجب أن تكون رؤية المواطنة واضحة ، أما المكونات الدخيلة ، و التي هي سبب الزعزعة الأمنية التي عانت منها الدولة السودانية قبل الاستقلال و بعده ، فيجب تحجيم دورها في التجنيد في القوات النظامية الجديدة ، لأنها تتمتع بفوضى عارمة ، تتحكم فيها الحكامات ، و تنتهك فيها كل الحقوق المدنية و السياسية ، فهي مكونات ضد النظام و الدولة ، فيجب تحجيمها إذا كنا نطمح في بناء دولة مدنية حقيقية في سودان ما بعد حرب ١٥/٤/٢٠٢٣ ، دعونا نجعل هذا التأريخ البداية الحقيقية لبزوغ فجر الدولة المدنية السودانية الحديثة ، التي يعتز فيها المواطن السوداني بهويته الحقيقية ، التي تضرب في عمق حضارة مروى و كوش و سنار .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة