وأنا أتأهب لتلك الليلة الشعرية الزاهية، كلمات شاعرنا الرقيق حسن أبو العلا كانت تزاحم العقل قبل القلب، وفعلا حدث ما توقعته عندما تراكم الشجن وصوت الشاعر السعودي إبراهيم حلوش يملأ أصداء المكان .. في مقابلة صحافية سابقة أجريت معه، يقول حلوش: لو قلت إنني ولدت عندما كنت مع العصافير وبزوغ الفجر أبحث عن لحظة غائبة... فقد صدقت...!، حينها وجدت الشعلة وكانت اللغة البكر التي كنت أتهجاها مع حنين القبلات وأسراب القطا في «وادي بيش» مع صوت أمي الذي منحنى غناء النهارات وصوت أبي الذي كان يأذن للناي أن يستكين. البدايات كانت متصلة بموسيقى الشجر... وغناء الرعاة ربما أفاجئك بأنني كنت أحدهم: أَنَا شُرْفَةٌ لِلنَّاي نَايِيَ قَصِيدَةَ وَصَوْتِي مِنْ وَمْضِ اَلْمَسَافَاتِ يَسْبِكُ أَنَا كُلٌّ مِنْ أَلْقَوْا عَلَى اَلْأَرْضِ سِحْرَهُمْ أَنَا كُلٌّ مِنْ غَنَّوْا أَنَا كُلٌّ مِنْ بَكَوْا بِعَيْنِي يَنَامُ اَلطِّفْلُ مَلْءَ جُفُونِهِ وَأَلْعَابِهِ فِي رَاحَتَيْهِ تَفَكُّكَ يَقِينًا يُعِيدُ اَلطِّينَ تَشْكِيلَ ذَاتَهُ وَيَرْكُلُ عَنْ عَيْنَيْهِ مِنْ فِيهِ شَكَّكُوا عَلَى لَهَبِ اَلذِّكْرَى يَفُتْ ضُلُوعُهُ وَمُخْرِجُ أَدْوَارِ اَلْبُطُولَةِ مُنْهَكٌ بُكَائِيَّةً أُخْرَى لِمِيلَادِ ضِحْكَةٍ عَلَيْهَا دِمَاءُ اَلْأَبْجَدِيَّةِ تَسْفِكُ من الواضح جدا، أن الشاعر السعودي إبراهيم حلوش ابن المدرسة الرومانسية بلا جدال .. هذا الشاعر المجيد، وحلوش أعني، هو دون أدنى شك، تشرب مدرسة "الديوان" و"الرابطة القلمية" و"أبوللو" حيث يتبين من خلال مسيرته الشعرية وقوفه عند بدايات التجديد بدء بالبارودي وما تلاه من تطور على أيدي رواد مدرسة التجديد في الشعر العربي الحديث وعلى رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهما. وقد استشعرت في آهات حبه التي أطلقها ليلة أمس الصادحة بالشعر الرصين، همسات دكتور إبراهيم ناجي ومحمود طه المهندس وأبو القاسم الشابي وإدريس جماع رواد مدرسة الرومانسية العربية الكبار.. قَابُ مَوْتَيْنِ . . . مِنْ حُنَيْنْ وَلَهْفَةُ كَانَ يُجْتَازنِي اَلطَّرِيق بِخِفَّةِ مُسْرِعًا كُنْتَ . . . أَمْتَطِي أُمْنِيَاتِي كُلَّمَا اِجْتَزَّتْ ضَفَّةً . . . صِرْتَ ضَفَّةً لَمَّحَ اَلْحُزْنُ . . . فِي ضُلُوعِ اَلْمَرَايَا وَتَرًا ظَامِئًا يُشَذِّبُ عَزْفُهُ . . . شَجَرُ اَلرُّوحِ . . . مُثْمِر فِي اَلْحَنَايَا كَيْفَ وَارَى بِمُقْلَةِ اَلرِّيحِ نِصْفَهُ ؟ يَا فَنَارًا ! . . . أَضَاعَ فِي دَفْتَرِ اَلْكَوْنِ اِنْتِظَارًا رُؤَاهُ تُخْرِسُ نَزْفَهُ . . . رُبَّمَا فِي اَلسَّدِيمِ . . . تَقْرَأَ نَهْرًا مِنْ مَعَانِيكَ . . . فَامْنَحْ اَلنَّارَ رَشْفَةً . كان في إنشاد إبراهيم حلوش ليلة أمس، بمقهى هيفان، الشريك الأدبي، هذا الشريك المتميز بلياليه العامرة بالشعر والعطاء، إنشاد الحياة .. فالبصر دون البصائر .. وعمر الأصل ما يبقى صورة فإذا جاء حلوش بأصل القصيد فماذا يعنينا من باقي الصور
ثمة إشارات مُعلقة لحين سردها، وانطباعات مهمة خرجت بها من ليلة الشاعر السعودي المرهف إبراهيم حلوش في محايل عسير، حيث الطبيعة الخلابة ملهمة الشعراء .. إشارة أولى : التقديم الزاهي ألوانه، والذي جادت به قريحة الدكتور صالح بن أحمد السهيمي، وهو يقف مع شاعرنا وقفة إجلال وهو يتغنى لبلاده الحبيبة السعودية. إشارة ثانية : الكلمة الضافية التي القاها على مسامع الحضور عن الشاعر ضيف تلك الليلة، الأستاذ عبد العلام الفلقي رئيس اللجنة الثقافية بمحايل عسير، الفلقي إضافة حقيقية لكل ليلة يخاطبها بكلماته التي يختارها بعناية من ينسق الورد. إشارة ثالثة : بعد توقف دام 1300 سنة أعادت المملكة العربية السعودية إحياء سوق عكاظ التاريخي وتحديدًا في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عام 1428هـ، ليكون معلمًا سياحيًا من معالم المملكة، في ذات المكان الذي يقع فيه سوق عكاظ التاريخي، ويقصده العديد من السائحين من شتى أنحاء العالم، إضافة إلى كونه ملتقى تاريخي يجمع الفنانين والأدباء والشعراء وكافة المهتمين بتاريخ العرب القديم، ويقدم السوق قيمة معرفية من خلال الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية والأدبية، إضافة لتنظيم عدد من المسابقات والفعاليات الأدبية على مستوى العالم العربي وتشمل الشعر الفصيح والعامي. وبالأمس القريب أعاد لنا الشاعر السعودي المبدع إبراهيم حلوش، نسمات سوق عكاظ، في مكان غير المكان، ولكن بنفس الأجواء التي تصدح بالشعر الفصيح والشعبي أو ما يعرف بالشعر النبطي، وأعاد للروح أنواع الشجون الباسقات وأخيرا، خرجت من تلك الليلة العامرة، ولساني من عذوبتها الباذخة يستعير أهزوجة شاعرنا الكبير محمد الفيتوري فِي حَضْرَةٍ مِنْ أَهْوَى . . عَبِثَتْ بِي اَلْأَشْوَاقُ حَدَّقَتْ بِلَا وَجْهٍ . . وَرَقَصَتْ بِلَا سَاقٍ وَزَاحَمَتْ بِرَايَاتِي وَطُبُولِي اَلْآفَاقَ عِشْقِيٌّ يُفْنِي عِشْقِيٌّ وَفَنَّايَ اِسْتِغْرَاقٍ مَمْلُوكَكَ . . لَكِنِّي . . سُلْطَانْ اَلْعُشَّاقِ "
رئيس تحرير مجلة "النخبة الرائدة" للكاتب صورة طرفكم
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة