تقرير:عباس حسن أحمد يعيش الحزب الشيوعي حاله من عدم القدرة علي التعاطي اليومي مع المتغيرات المتسارعة التي تشهدها البلاد. علي الرغم من أن الحزب أصدر عدة بيانات أوضح فيها بصورة جليه موقفه من الحرب ومن الأطراف المتصارعة، الا أن الحزب لم يستطع حتي الآن أن يتزحزح عن المنطقة الرمادية ويتخذ موقفا مبدئيا وواضحا من قوي الهبوط الناعم. و أكد الخبير الاقتصادي عضو المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب دكتور صدقي كبلو الذي كان يتحدث في الندوة التي اقامها فرع الحزب بالعاصمة البريطانية لندن امس أن الحزب ماض في تحالفاته الثنائية مع القوي السياسية كافة و بلا استثناء لبناء جبهة واسعة ضد الحرب. غير أن مراقبين للشأن السوداني يصفون موقف الحزب بالضبابي وذلك لإستحالة الجمع بين الشئ وضده في كيان واحد. في إشارة لمسعي الحزب لتكوين جبهة واسعة تضم القوي التي ظلت تشكل عقبة كؤد أمام الثورة مثل بقايا تحالفات نداء السودان و قوي الحرية والتغيير (قحت) التي تشتت دماؤها ما بين الارتماء في أحضان المؤسسة العسكرية المختطفة من قبل الإسلاميين وما بين مليشيات الجنجويد. تصريحات الناطق الرسمي باسم الحزب فتحي فضل بتاريخ الثالث من يناير ٢٠٢٤، حملت بين طياتها ترحيبا واسعا بلقاء رئيس الوزراء السابق د. عبدالله حمدوك وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي). بينما أصدر الحزب بيانا رسميا في السادس من نفس الشهر يعبر فيه عن موقفه غير الايجابي من اللقاء. وحمل البيان بعض المخاوف من مضمون الإتفاق الموقع بين الطرفين كإعادة الشراكة في الحكم او تمكين الطرفين المتصارعين من الافلات من العقاب، ولكن الحزب لم يدين الاتفاق بوضوح. الا أن الحزب وجه انتقادات حاده لاتفاق أديس أبابا علي لسان عضو اللجنة المركزية د.كبلو في ندوة الأمس. وقال كبلو أن اتفاق حمدوك حميدتي أسس لدور فاعل للدعم السريع واعطائهم الحق في ادارة المناطق في المستقبل مشددا علي أن هذا ما يرفضه الحزب. وزاد إن موقفنا الايجابي من تقدم تغير في أعقاب اتفاق أديس أبابا، وذلك ليس اعتراضا علي لقاء حمدوك بحميدتي بل اعتراضا علي ما نوقش مع حميدتي، مبديا اندهاشه من تقدم ككيان وسيط لحل الصراع بين الطرفين، فإذا بها توقع علي إتفاق سياسي مع الدعم السريع وقال: (الجودية عندنا ما بعملوا كدة). وذهب محللين الي أن الحزب بات يتستغرق وقتا طويلا في اتخاذ قرارات بشأن مواقف معلومة نهايتها بالضرورة، مشيرين الي قرار الحزب بالانسحاب من تحالف قحت الذي جاء متأخرا بعد حوالي عام وشهرين في نوفمر 2020، في ذات البيان الذي أعلن فيه انسحابه من قوي الإجماع الوطني، ما يشي بأن الحزب بات يحدد مواقفه و يتخذ قراراته من واقع معايشته للتجارب. و بعيدا عن المناورة السياسية أوضح صحفي ومحلل سياسي فضل حجب اسمه، أن الحزب الشيوعي إبان الثورة في العام 2019 كان به رأيان مختلفان. الرأي الأول تبناه عضو اللجنة المركزية للحزب صديق يوسف الذي كان يري ضرورة استمرار الحزب في قوي الاجماع الوطني باعتباره عضوا فاعلا ومؤثرا فيه، بالتالي يستطيع ان يقود صراعا وتنافسا سياسيا مع بقية مكونات قوي الحرية والتغيير لإنجاز ما يمكن إنجازه او بالإمكان انجازه من أهداف تتناسب مع فكره ورؤيته السياسية. بينما ناهض الخطوة رأي آخر يقوده السكرتير العام للحزب محمد مختار الخطيب الذي كان يري اذا حدثت تعارضات طفيفة أن يتركوا الحرية والتغيير تشارك في السلطة علي أن يكون الحزب من ضمن المشاركين في رسم السياسات العامة للفترة الانتقالية. و بالتالي يكون الحزب الشيوعي شارك في رسم وبناء السياسات من دون أن تقع علي عاتقه المسئولية المباشرة حال ارتكاب الحكومة التنفيذيه لأية أخطاء. وأضاف أن هذا الرأي كان يري ضرورة الإبتعاد عن أي تحالف مع العسكر وان يلتحم الحزب بالحركة الجماهيرية وقوي الثورة الحية. وزاد أن الرأي الذي كان يقوده صديق يوسف هو الذي تغلب علي الرأي الآخر، ما حدا بالحزب لأن يوقع علي الإعلان السياسي و الوثيقة الدستورية وان يكون جزءا من المرحلة الانتقالية في سنواتها الاولي الي أن خرجوا من تحالف قحت وقوي الإجماع الوطني في نوفمبر 2020. واضف أن الحزب بدأ يتبني مواقف الثوار التي صنعوها إتبان فترة الثورة الأولي حينها، بينما انتقد الشيوعي بعنف مواقف الحرية والتغيير التي لم تكن بحاجه الي انتقاد بقدر ما هي بحاجة الي الإبتعاد عنها، باعتبارها مواقف مهادنة وتسعي للسلطة حتي ولو بالشراكة مع العسكر المجرمين القتلة. وفي رده علي سؤال حول إمكانية الانضمام الي تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية (تقدم)، قطع د كبلو بعدم دخول الحزب في تنسيقية تقدم بشكلها الحالي مشيرا الي أن التكلات لا تتحدث بلغة واحدة ولا ببرنامج واحد. وأضاف انه في زيارته الاخيرة للنرويج التقي المبعوث النرويجي الخاص للسودان. وذكر د. كبلو أن المبعوث قال له بعظمة لسانه:(ان تقدم خذلتنا) بعد لقاء اديس أبابا. وعدد كبلو الذي تحدث بحسرة حول تجربة الحزب القاسية أثناء الفترة الانتقالية مستدلا علي ذلك قائلا:(ان اللجنة الاقتصادية بالحزب تقدمت بمقترحات بالبروجكتر للمجلس المركزي للحرية والتغيير، وعندما اجتمعنا معا مع رئيس الوزراء قالوا كلاما مختلفا، وده حصل في حاجات كثيرة). وعلي الرغم من هذه التجارب المريرة يصر الحزب الشيوعي علي المضي قدما مع ذات القوي السياسية مما يفرض السؤال بقوة وهو ألم تكن تجربة الحزب في قحت درسا بليغا ومدعاة لأن يتخذ الحزب موقفا حاسما من قوي الهبوط الناعم، أم أن الإصرار علي ذلك هو من أعراض الشيخوخة الفكرية والتكلس الايدولوجي؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة