فشل منبر جدة عدم خبرة الوساطة Mediation أم غياب الإرادة ؟
تُعتبَر المفاوضات هي الوسيلة الفاعلة لفض النزاعات والوصول الى تسوية حقيقية ترضي جميع الأطراف وتحقق المصلحة المشتركة من خلال التوصل إلى تسوية في القضايا ذات الاهتمام المشترك. منبر جدة الذي تم تثبيته في نوفمبر 2023 ما هو إلا محاولة لقطع الطريق امام تأسيس اي منبر آخر . يعاب على وساطة جدة قلة التجربة وعدم الأدراك الكافي لجوهر الأزمة السياسية التي تعيشها السودان ، لاشك أن الطريقة الأمثل لنهاية الأزمة السياسية السودانية ينبغي أن تنتهي بوقف فوري للحرب مشروطا بخروج العسكر من المشهد السياسي و يليه دخول مباشر في مفاوضات جدية تتعلق بإصلاح المؤسسة العسكرية ودمج كل الأطراف المسلحة في جيش واحد و في فترة قصيرة تنتهي بانتهاء الفترة الانتقالية. الجانب الاخر من المفاوضات يتعلق بحكومة الفترة الانتقالية وهنا لابد أن يضم التفاوض المجتمع المدني والثوري في حوار جامعي وشامل يستثني منه حزب البشير و واجهاته، و الخلاصة هي استعادة سلطة مدنية كاملة الدسم ، و عندئذٍ نستطيع ان نقول بملء الفم لقد تحقق شعار العسكر للثكنات ، على الرغم من أن منبر جدة لن يحقق ذلك الإنجاز لعدة أسباب : أولآ المملكة العربية السعودية نظام ملكي ديكتاتوري لا يؤمن بمبدأ التداول السلمي للسلطة و هو واحد من اهم أركان النظم الديمقراطية ، والخوف من الديمقراطية هو عقدة حضارية كبرى تخلت عنها الدول الغربية لكنه ما يزال مستوطناً في أغلبية دول العالم الثالث. أضف الى ذلك ان الوسيط الذي تبنى المنبر يُعتبَر من ضمن مثلث الشر الذي ساهم في قمع الثورات الشعبية في الدول العربية والسودان ، و يعي خطورة الحراك الشعبي لأن نجاح الثورة وتحقيق اهدافها سيجعل الثورة تتوسع لتشمل كافة شعوب المنطقة وبالأخص دول الخليج، وهذا ما أثار مخاوفهم فوقفوا ضد إرادة الشعوب في ثورتي الربيع العربي والسوداني. هذا السرد ليس من اجل إلقاء اللائمة على الوسيط وتبرئة اطراف النزاع من مسئولية استمرار الحرب بل من اجل كشف الحقائق وتسليط الضوء على أكثر من زاوية حتي تتضح الصورة للجميع.
حرب الخرطوم تحتاج الى وسيط لديه القدرة على استخدام سياسة العصا الغليظة Big Stick او ما يعرف ب خليط من الثواب والعقاب لحث طرفي الصراع الي الطريق المطلوب دون تلكؤ لأن الواقع لا يتحمل إطالة مدة الحرب. فشل الوسيط في استخدم السياسات المطلوبة التي تسهم في خفض مدة الحرب بل اكتفى بالرهان على امريكا لفرض بعض العقوبات على الشخصيات النافذة من الطرفين لكن ليس لها تاثير كبير في أرض الواقع، العصا المطلوبة هي حظر التسليح - الطائرات المقاتلة - المسيرة والمدفعية الثقيلة ، فإذا صدر مثل هذا القرار ستجدهم يركضون الى طاولة المفاوضات مثلما تركض الفريسة من الصياد.
غياب الإرادة: تمسك طرفي الصراع بالحسم العسكري وكسر شوكة الاخر دون تقديم تنازلات من اجل وقف الحرب ، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان ليس هناك إرادة حقيقية للمضي قدما نحو تسوية سياسية بسرعة تخفف الضغط الذي لحق ببنات وابناء الشعب السودانى من تهجير الملايين من الديار ، تقليل اعداد الموتى والجرحى ، اذ ان هناك مفقودين لا يُعَد عددهم ولا يحُصَى ، كذلك حدث إفقار شامل من خلال نهب مقدرات الوطن وأموال الناس.
قوات الدعم السريع تستخدم سياسة شد الأطراف من أجل توسيع نطاق وجودها وإرغام الجيش وجره الي طاولة المفاوضات، لكن الجيش وعناصره في الحركة الاسلامية يؤمنون بحقيقة واحدة مفادها أن الذهاب الى أي منبر تفاوضي سينتهي بخروج الطرفين من المشهد السياسي وهذا ما يخشاه عناصر التنظيم الذي يسيطر على الجيش ، لذا تجدهم يصرون على الحسم العسكري واذا عجزوا عن تحقيق ذلك فإن الخيار الثاني لديهم هو تقسيم السودان الى دويلات علي غرار دولة النهر والبحر التي ينادي بها بعض النشطاء من ابناء الشمال وهي تهديد صريح لوحدة السودان لكنها ستظل أحدى النتائج في ظل استمرار الصراع دون التوصل لاتفاق يوقف الحرب في وقت قريب و إستعادة الحكم المدني الديمقراطي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الصادق بوش سبيل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست