إدريس محمد جماع (قيثارة النبوغ والإنسانية) كتبه صلاح التوم إبراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 00:38 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-18-2023, 12:58 PM

صلاح التوم إبراهيم
<aصلاح التوم إبراهيم
تاريخ التسجيل: 11-15-2023
مجموع المشاركات: 22

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إدريس محمد جماع (قيثارة النبوغ والإنسانية) كتبه صلاح التوم إبراهيم

    11:58 AM December, 18 2023

    سودانيز اون لاين
    صلاح التوم إبراهيم-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر





    جاء في ديوانه(1)، أنّ إدريس محمد جماع :
    ولد في حلفاية الملوك سنة 1922م
    والتحق بكتاب محمد نور إبراهيم قبل التحاقه بالمدرسة الأولية .
    التحق بمدرسة حلفاية الملوك الأولية سنة 1930م .
    التحق بمدرسة أمدرمان الوسطى سنة 1934م وعاقته المصروفات فلم يمكث غير شهرين أو أقل .
    التحق بكلية المعلمين بخت الرضا سنة 1936م .
    عين مدرسا بمدرسة تنقسي الجزيرة سنة1941م.
    نقل إلى مدرسة الخرطوم الأولية سنة 1943م .
    نقل إلى مدرسة حلفاية الملوك سنة 1944م .
    استقال من وزارة المعارف السودانية وهاجر إلى مصر سنة 1947م
    والتحق بمعهد المعلمين بالزيتون ، ونقل إلى السنة الثانية والتحق بكلية دار العلوم في العام ذاته بعد أن اجتاز مسابقتها .
    وفي سنة 1951 نال شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية،
    ثم التحق بمعهد التربية للمعلمين ونال الدبلوم سنة 1952م.
    عين سنة 1952م مدرساً بمعهد التربية بمدينة شندي .
    في سنة 1955م نقل مدرساً بمدرسة السنتين ببخت الرضا،
    وفي سنة 1956م نقل إلى مدرسة الخرطوم الثانوية ، ثم إلى مدرسة الخرطوم بحري الوسطى .

    #من تلك العناصر تألفت حياة الشاعر إدريس جماع في شكلها الرسمي ، ونلاحظ أن معظم حياته قضاها في تحصيل العلم داخل وخارج السودان .
    #وعن نشأته يقول حامد إبراهيم في جريدة الراية القطرية: " ولد جماع في بلدة حلفاية الملوك بالخرطوم بحري في السودان عام 1922، ونشأ نشأة دينية في كنف أسرته المُحافِظة وكان والده محمد جمّاع بن الأمين بن الشيخ ناصر شيخ قبيلة العبدلاب، وقد بدأ إدريس تعليمه في سن مبكرة في خلوة حلفاية الملوك حيث حفظ القرآن الكريم ثم التحق بمدرسة حلفاية الملوك الأولية في عام 1930، ومنها إلى مدرسة أم درمان الوسطى بمدينة أم درمان في عام 1934 ولكنه لم يكمل الدراسة فيها لظروف مالية، والتحق في عام 1946 بكلية المعلمين ببخت الرضا، ثم هاجر إلى مصر عام 1947 ليدرس في معهد المعلمين بالزيتون، فكلية دار العلوم – جامعة القاهرة لاحقاً - والتي تَخرَّج منها عام 1951م حائزاً على درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية، ثم التحق بمعهد التربية للمعلمين ونال دبلوم التربية عام 1952"(2).

    #وعن مكانته يقول محمد حجاز مدثر في كتابه (إدريس جماع :حياته وشعره ): "إدريس محمد جَمَّاع شاعر سوداني مرموق له العديد من القصائد المشهورة التي تغنّى ببعضها عدد من المطربين السودانييّن، وأُدرج بعضها الآخر في مناهج التربية والتعليم المتعلقة بتدريس آداب اللغة العربية في السودان، ورغم شهرته في السودان كشاعر مرموق وله مكانة خاصة إلا أنّه منسي عربياً ، ولم تهتم به الدوائر الأدبية العربية، وهو لا يقل شاعرية عن صلاح عبد الصبور ومظفر النواب ومحمد مهدي الجواهري" (3).

    #أصدر إدريس جماع ديوان شعر وحيد باسم"لحظات باقية" وقال في مقدمته: "إن اتجاهي في الشعر ولا أقول مذهبي يحترم الواقع ولكن يريد له الإطار الفني وألا يضمن عليه بالنظرة الجمالية ويساهم في دفع الحياة إلى الأمام ولا يجرد الشعر من أجنحته ولكن يأبى التحليق في أودية المجهول ومتاهات الأوهام ويحب الجديد ليس لأنّه جديد ولكن للخلق والابتكار ويحب الإنسان وينفعل للطبيعة، وليس هو رد فعل لاتجاه أو تأكيداً لآخر.

    #ويواصل جماع بقوله: "هذا هو الطابع في شعري قد انطبع به شيء عامد أو لم أشأ فتكويني في جملته يتجه بي نحو هذه الوجهة، ولو أردت لشعري غير ذلك لعصاني وشق علي، فهذه القصائد هي من نفسي ومطابقة لها، وهي ومضات في حياتي بين الحداثة والكهولة، وأردت لها أن تكون لحظات خالدة".

    #وعن توجه شعره، يقول إدريس محمد جماع نفسه في إحدى قصائده وهي " من دمي " :
    ﻣــِﻦ ﺩَﻣـــِﻲ ﺃَﺳْــﻜُــﺐ ﻓــﻲ ﺍﻷَﻟـﺤْﺎﻥِ ﺭُﻭﺣـَﺎً ﻋَﻄﺮﺓْ
    ﻭَﺭُﺅَﻯ ﺍﻟــــﻨَّﻔْـــﺲ ﻭَﺃَﻧـْﺪاء ﺍﻷماني ﺍﻟــــﻨَّﻀِـــﺮﺓْ
    ﻭَﺷُــﺠُـــﻮﻧﻲِ ﻭَﺣــــــَﻴَــــﺎﺓً ﺑﺎِﻷَﺳَــــﻰ ﻣُﺴْﺘَﻌِـــــﺮﺓْ
    ﺧــــــَﻠَــــﻖ ﺍﻟﺰﻫْـــﺮﺓَ ﺗَﻔْﻨَـــﻰ ﻟِﺘَﻌِﻴـــــﺶ ﺍﻟﺜَّﻤَـــــﺮﺓْ
    ﺗَـــﺬﻫَـﺐ ﺍﻟـــﺴَّــﺎﻋَﺎﺕُ ﻣِﻦ ﻋُﻤْــﺮﻱَ ﻗــُﺮﺑـَﺎﻧـَﺎً ﻟِﻔَﻨِّــﻲ
    ﺃُﺗْﺒِــﻊُ ﺍﻟـــﻤَﻮﺟَــﺔَ ﻃﺮﻓِــﻲ ﻭَﻟَـــﻬــﺎ ﺃُﺭْﻫِــﻒُ ﺃُﺫْﻧِــــﻲ
    ﻭَﺍﻧْــﻄـﺒَﺎﻉُ ﺍﻟــﺰﻫْﺮ ﻓﻲ ﺍﻟــﻐُﺪﺭَﺍﻥِ ﻳَﺴْﺘَﻮﻗِﻒُ ﺟـَﻔْﻨِﻲ
    ﻭَﺍﻧــْﺘِــﻔــَﺎﺿـَﺎﺕُ ﺟـَﻨَـﺎﺣَـﻴْـﻦ ﻋَــﻠـَﻰ ﺃَﻭْﺭَﺍﻕِ ﻏُﺼْـــﻦ
    ﻭَﻟَــﻘَــﺪ ﺃَﺳــْﺒَــﺢُ ﻓِــﻲ ﺍﻟــﻨَّﻐْــﻤَــﺔِ ﻣِﻦ ﻛَــﻮﻥٍ ﻟِﻜَــﻮﻥِ
    ﻫــِﺒَــﺔٌ ﻟِــﻠْــﻔَــــﻦ دنياي ﻭَﺭُﻭﺣـــِـــﻲ ﻏَـــﻴْــﺮ ﺃَﻧِّﻲ

    #والمطلع على ديوانه (لحظات باقية: يلاحظ أن الشاعر إدريس جماع نظم الشعر في معظم أغراضه من وصف، وغزل ، وحماس ،ووطنية ، وهجاء ،ورثاء ، ومدح وغيرها من أغراض الشعر العربي المعروفة، ولكن ما يسترعي الانتباه في شعر جماع نزعته الإنسانية التي صبغت شعره ، ولونته حتى أصبحت سمته الغالبة.


    #وقد طبع ديوانه (لحظات باقية) ثلاث مرات حسب علمي، الطبعة الأولى بتحقيق منير صالح عبد القادرأبو ظبي 1984، والثانية دار الفكر الخرطوم 1989- والثالثة دار البلدية بالخرطوم 1998، والطبعة التي بين أيدينا هي طبعة دار الفكر بالخرطوم ، بتحقيق منير صالح عبد القادر، سنة 1989م ط2، واحتوت هذه الطبعة على ست وستين قصيدة، والجزء التالي يبين أسماء هذه القصائد حسب ترتيبها في الديوان:
    من دمي، نشيد قومي، هذه الموجة، رسالة الحياة، من سعير الكفاح، أصوات، نسمة الحرية
    ،وداع المحتل، نشيد العلم السوداني، نضال لا ينتهي، جنون الحرب ، نشيد جامعة الخرطوم،
    رحلة النيل، وفد البيان ، السودان، أنت إنسان،
    فجر من الصداقة، روح السودان، الغجر المرتقب، صوت الجزائر، في وجه العدوان، لحن الفداء، الشعروالحياة، لقاءالقاهرة، ظلمات وشعاع، في ركاب الأمل، طريق الحياة ، خلود الشعر، الشرق يتذكر، دفين الصحراء، صانع التاريخ، النضارة لا الجفاف، شعاع خبأ، لوعة متجددة، ذكرى شاعر، صوت من وراءالقضبان، مقبرة في البحر، مآسي الحرب، جمال الحياة، مجد إنساني، وقدة الصيف، الطفل ، نومة الراعي، بين رسمي واسمي، أنن السماء، أمنا الأرض، ابنة الروض، مصب الحياة، إني لاعجب، زاىر البستان، الصدى الخالد، ضميرله حدود، نحو القمة، رثاء لا هجاء، شاعر الوجدان والأشجان،،
    لحظات الحياة، ضريبة إنسانية، نحو الوثبة، هبة الخالق للإنسان، عناق قطرين، قيمة الإنسان،شاء الهوى، ربيع الحب، أنت السماء، يا ملاك.

    #نلاحظ في الديوان أنّ قصيدة "الفجر المرتقب" كُتب عنها، أنّها ألقيت بالمهرجان الأدبي بمدينة الأبيض 1945م وأحرزت جائزته وضاع جزء كبير منها، كما نلاحظ أنّ قصيدة "أنت السماء" تكررت في الديوان، وقد أثبتناها في الموضعين حسب ترتيب الديوان.

    #يقول شاعرنا إدريس محمد جماع عن قصائده التي ضمنها هذا الديوان وغيرها من القصائد الأخرى : "ليست هذه المجموعة هي كل ما كان من نظمي ، فبعض القصائد ما زال حتى الآن رهن الضياع ، وربما وجد مكانه في مجموعة أخرى غير هذه ، إذا اتسع لذلك العمر , وبعض نظمي من محاولات الحداثة التي كانت تجد احتراما ،ولكنني أراها دون ما أريد فلم أثبتها في المجموعة ولم أمنحها النسبة إلى شعري ."(4).

    #وكتب الشاعر السوداني الراحل منير صالح عبد القادر تصديراً لديوان إدريس جماع تحت عنوان (إدريس جماع في وادي عبقر) قال: "إنّه عَرف الشاعر جماع في أحوال متقلبة وفي أوقات مشرقة وعابسة مبتسمة ومكشرة، مزدهرة ويابسة وقد اقتحم ميداناً كان جديداً عليه وتركني خلفه أرتقب عودته فما ولا تزال قيثارته ووقعها الحزين اسمعها فأزداد شوقاً ، وقال إنّ شعر جماع هو صراع بين العقل فسار الشاعر إلى عالم المثاليات التي أحبها وعاش فيها قبل تحوله وفي عينيه الحزينتين بقايا دموع تنسكب ليروي بها أزهار وادي عبقر وكان في استقباله بنات عبقر يلوحنّ له بباقات الورود والرياحين وهو مقدم عليهنّ في وجل متردد، أهازيج الوادي تملأ سمعيه " (5).

    #ويغلب على موضوع شعر جماع التأمل والحب والجمال والحكمة كما كتب أشعاراً وطنية مناهضة للاستعمار، ويتسم أُسلوب شعره برقة الألفاظ والوصف فائق الخيال وكثيراً ما يعبر في شِعره عن وِجدانه وتجاربه العاطفية ووجدان أمته، واصفاً تلك المشاعر الإنسانية فرحاً، وألماً، وحزناً، كما يزخر شعره بوصف ثورة الثائر الوطني الغيور على حرية وطنه وكرامة أمته، وربط في أعماله الشعرية بين السودان والأمة العربية والإسلامية، فتناول قضايا الجزائر ومصر وفلسطين، ونظم شعراً في قضايا التحرر في العالم، وقد طارد البؤس «إدريس جماع» حيًاً وميتًاً(6)؛ حتى أصبح الرائح والغادي ينشد له أشهر أبيات البؤس(7) :
    أنا من حقي الحياة طليقا
    ليس إلا لأنني إنسان
    هي عندي معنى يجل ويسمو
    ليس شيئا تحده الأزمان
    وإذا عشت في سلام مع النفس
    فما همني السرى والمكان

    #كان الشاعر جماع أسيراً للجمال، له فيه نظرته الخاصة، وتعبيراته المميزة، جعلته يبدع أحلى القصائد التي تغنى بها الرائح والغادي من أبناء وادي النيل، وحظيت بنصيب وافر من الشهرة؛ منها رائعته التي يقول فيها:
    أَعَلى الجَمَالِ تَغَارُ مِنَّا؟مَاذَا عَليكَ إذَا نَظَرْنَا؟!
    هِيَ نَظْرَةٌ تُنْسِي الوقَارَ وتُسْعِدُ الرُّوحَ المُعَنَّى
    دنياي أنت وفرحتي ومني الفؤاد إذا تمنى
    أنت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا

    #جاءت لغة جماع معبرة عن إحساسه وشعوره ،ومنسجمة مع العصر الذي عاشه، وملائمة للآفـاق التي جابها أو التجارب التي عاشها، كما تنوع أسلوبه بتنوع الموضوعات التي عالجها، فوطنياته تمتـاز بالثورة والانفعال، وكأنّها مرجل يغلي، أو بركان يهدر" (8)، فلنستمع إليه يقول:
    قلوب في جوانبها ضرام يفوق النار وقدا واندلاعا
    سنأخذ حقنا مهما تعالوا وإن نصبوا المدافع والقلاعا
    وإن كتموه فليس يخفى وإن هم ضيعوه فلن يضاعا

    #في مقابل ذلك نجد الرقة والسهولة والبساطة هي أهم ما يميز لغته وأسلوبه في الشعر ، فانظر إلى قوله في وصف الطبيعة:
    مِزْماركَ المَسحورُ ينفُث مَا بنفسك من أثر
    فاسْمعْ لأنغامِ الطّبيعةِ مَازجت لحْنَ البَشر
    والزّهرةُ العَذراء تنْظُر للتدفقِ فِي حـَـــفر

    #نلاحظ وضوح المعاني ورقتها، والألفاظ واضحة جلية، كما تلفها البساطة .

    #والمتأمل لشعر إدريس جماع يلمح أن أسلوبه تأثر بالقرآن الكريم ، - ولا عجب في ذلك - فنشأته الدينية هي إحدى مصادر ومكونات ثقافته، فإذا نظرنا إلى قوله:
    مَا راعَها بل أثار النّار مِن دَمها
    فأورِد ظَالمَها شرّ مُــــــــــنْقلب
    نلاحظ أنّه اقتبس مفردات من القرآن الكريم، يقول تعالى :" وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ"{الشعراء: 227} . وقوله :
    حِقدٌ عَلى الإنْسانِ فِي جَنبيه عَششَ وانْتشَر
    ويَعيشُ مَحْسُوبا عَليه إنّها إحـْـــدَى الكُبر
    فقد ضمن أبياته، وأخذ مفرداته من قوله تعالى :" إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ" {المدثر :35}.

    #ونلاحظ أيضاً في أسلوبه التكراروهو مايعرف بلاغيا بأسلوب "الذكر"، وللتكرار دلالات وأغراض عديدة منها:التلذذ والتعلق بما هو محبب للنفس، والتخصيص، والتأكيد، والتنبيه، واستيفاء المعنى، ومن أمثلة ذلك قوله(21) :
    أنَا لِلفنِّ مَا بقيت وفِي مِصرَ
    حِمى يرام الفَنُون ويعْلِي
    منذ فَجرِ الحَياة مصر أنالتْ
    وثَبات الفنونِ أسْمَى مَحل
    بالْحِمى الحرّ والثّقافة والمَاضِي
    سَمت مِصرُ للمحلّ الأجل
    فتكراره لـ "مصر" لغرض التلذذ والتعلق ، فقد قضى فترة من حياته الدراسية في مصر كما مر سابقاً.

    #ومن تقنياته الأسلوبية نجد " تقديم ما حقه التأخير" ، ولعل خير شاهد على ذلك قصيدته " صوت من وراء القضبان " التي يقول فيها :
    عَلى الخَطبِ المُريعِ طَويتُ صَدري
    وبُحتُ فلمْ يفد صَمتي وذكْرِي
    وفِي لُججِ الأثيرِ يذوب صـــــــوتي
    كسكب قطرة في لج بحــــــــر

    #وعلى العموم يتسم أُسلوب شعر إدريس محمد جماع ، برقة الألفاظ ، والوصف فائق الخيال ، وكثيراً ما يعبر في شِعره عن وِجدانه وتجاربه العاطفية ووجدان أمته، واصفاً تلك المشاعر الإنسانية فرحاً، وألما، وحزناً، كما يزخر شعره بوصف ثورة الثائر الوطني الغيور على حرية وطنه وكرامة أمته، وربط في أعماله الشعرية بين السودان والأمة العربية والإسلامية كثيراً . ففي قصيدة «سعير الكفاح» يقول:
    سنأخذ حقنا مهما تعالوا
    وإن نصبوا المدافع والقلاعا

    #توفي شاعرنا إدريس محمد جماع - رحمه الله -، عام 1980 بعد معاناة مع مرض نفسي أقعده طويلاً بمستشفى الأمراض العصبيّة بالخرطوم بحري , أُرسل للعِلاج إلى لبنان في عهد حكومة الرئيس السوداني الفريق إبراهيم عبود وعاد إلى السودان دون أن تتحسّن حالته الصحيّة(9)، وقد ترك إرثًا وعمرًا خالدًا، يفوح حباً، فيقول في قصيدته "ربيع الحب":

    فى ربيع الحب كنا نتساقى ونغنى
    نتناجى ونناجى الطير من غصن لغصن
    ثم ضاع الأمس مني
    وانطوت بالقلب حسرة
    إننا طيفان في حلم سما وسرينا
    واعتصرنا نشوة العمر ولكن ما ارتوينا
    انه الحب فلا تسأل ولا تعتب علينا
    كانت الجنة مأوانا فضاعت من يدينا
    ثم ضاع الأمس مني
    وانطوت بالقلب حسرة
    أطلقت روحي من الأشجان ما كان سجينا
    أنا ذوبت فؤاديلك لحنا وأنينا
    فارحم العود إذا غنوا به لحنا حزينا
    ثم ضاع الأمس مني
    وانطوت بالقلب حسرة
    -------------------------------------------
    الهوامش:
    1.جماع، إدريس محمد: ديوان لحظات باقية، دار الفكر، الخرطوم، ط4، 1989، ص 137.
    2.إبراهيم ، حامد : إدريس جماع شاعر سوداني منسي عربيا ،جريدة الراية ، شركة الخليج للنشر والطباعة ، قطر ، فبراير2010 .
    3.مدثر ، محمد حجاز : إدريس جماع حياته وشعره ، الدار السودانية، الخرطوم، ص1.
    4.إبراهيم ، حامد : إدريس جماع شاعر سوداني منسي عربيا، مرجع سابق، ص34
    5.جماع ‘إدريس محمد : ديوان لحظات باقية ، مرجع سابق، ص 16
    6.صالح ، منير عبد القادر، محقق ديوان (لحظات باقية): أبو ظبي 1984، ص4.
    7.ديوان لحظات باقية، ص 124.
    8.عبد المجيد، محمد محجوب محمد: تشكيل اللغة وبناء الأسلوب في شعر إدريس جماع، مجلة دراسات اللغة العربية، العدد 6 ، 2014، ص107
    9. https://ar.wikipedia.orgاالإبرا محمد جماع
    (قيثارة النبوغ والإنسانية)
    صلاح التوم
    ______________________________________________________________________

    #جاء في ديوانه(1)، أنّ إدريس محمد جماع :
    ولد في حلفاية الملوك سنة 1922م
    والتحق بكتاب محمد نور إبراهيم قبل التحاقه بالمدرسة الأولية .
    التحق بمدرسة حلفاية الملوك الأولية سنة 1930م .
    التحق بمدرسة أمدرمان الوسطى سنة 1934م وعاقته المصروفات فلم يمكث غير شهرين أو أقل .
    التحق بكلية المعلمين بخت الرضا سنة 1936م .
    عين مدرسا بمدرسة تنقسي الجزيرة سنة1941م.
    نقل إلى مدرسة الخرطوم الأولية سنة 1943م .
    نقل إلى مدرسة حلفاية الملوك سنة 1944م .
    استقال من وزارة المعارف السودانية وهاجر إلى مصر سنة 1947م
    والتحق بمعهد المعلمين بالزيتون ، ونقل إلى السنة الثانية والتحق بكلية دار العلوم في العام ذاته بعد أن اجتاز مسابقتها .
    وفي سنة 1951 نال شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية،
    ثم التحق بمعهد التربية للمعلمين ونال الدبلوم سنة 1952م.
    عين سنة 1952م مدرساً بمعهد التربية بمدينة شندي .
    في سنة 1955م نقل مدرساً بمدرسة السنتين ببخت الرضا،
    وفي سنة 1956م نقل إلى مدرسة الخرطوم الثانوية ، ثم إلى مدرسة الخرطوم بحري الوسطى .

    #من تلك العناصر تألفت حياة الشاعر إدريس جماع في شكلها الرسمي ، ونلاحظ أن معظم حياته قضاها في تحصيل العلم داخل وخارج السودان .
    #وعن نشأته يقول حامد إبراهيم في جريدة الراية القطرية: " ولد جماع في بلدة حلفاية الملوك بالخرطوم بحري في السودان عام 1922، ونشأ نشأة دينية في كنف أسرته المُحافِظة وكان والده محمد جمّاع بن الأمين بن الشيخ ناصر شيخ قبيلة العبدلاب، وقد بدأ إدريس تعليمه في سن مبكرة في خلوة حلفاية الملوك حيث حفظ القرآن الكريم ثم التحق بمدرسة حلفاية الملوك الأولية في عام 1930، ومنها إلى مدرسة أم درمان الوسطى بمدينة أم درمان في عام 1934 ولكنه لم يكمل الدراسة فيها لظروف مالية، والتحق في عام 1946 بكلية المعلمين ببخت الرضا، ثم هاجر إلى مصر عام 1947 ليدرس في معهد المعلمين بالزيتون، فكلية دار العلوم – جامعة القاهرة لاحقاً - والتي تَخرَّج منها عام 1951م حائزاً على درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية، ثم التحق بمعهد التربية للمعلمين ونال دبلوم التربية عام 1952"(2).

    #وعن مكانته يقول محمد حجاز مدثر في كتابه (إدريس جماع :حياته وشعره ): "إدريس محمد جَمَّاع شاعر سوداني مرموق له العديد من القصائد المشهورة التي تغنّى ببعضها عدد من المطربين السودانييّن، وأُدرج بعضها الآخر في مناهج التربية والتعليم المتعلقة بتدريس آداب اللغة العربية في السودان، ورغم شهرته في السودان كشاعر مرموق وله مكانة خاصة إلا أنّه منسي عربياً ، ولم تهتم به الدوائر الأدبية العربية، وهو لا يقل شاعرية عن صلاح عبد الصبور ومظفر النواب ومحمد مهدي الجواهري" (3).

    #أصدر إدريس جماع ديوان شعر وحيد باسم"لحظات باقية" وقال في مقدمته: "إن اتجاهي في الشعر ولا أقول مذهبي يحترم الواقع ولكن يريد له الإطار الفني وألا يضمن عليه بالنظرة الجمالية ويساهم في دفع الحياة إلى الأمام ولا يجرد الشعر من أجنحته ولكن يأبى التحليق في أودية المجهول ومتاهات الأوهام ويحب الجديد ليس لأنّه جديد ولكن للخلق والابتكار ويحب الإنسان وينفعل للطبيعة، وليس هو رد فعل لاتجاه أو تأكيداً لآخر.

    #ويواصل جماع بقوله: "هذا هو الطابع في شعري قد انطبع به شيء عامد أو لم أشأ فتكويني في جملته يتجه بي نحو هذه الوجهة، ولو أردت لشعري غير ذلك لعصاني وشق علي، فهذه القصائد هي من نفسي ومطابقة لها، وهي ومضات في حياتي بين الحداثة والكهولة، وأردت لها أن تكون لحظات خالدة".

    #وعن توجه شعره، يقول إدريس محمد جماع نفسه في إحدى قصائده وهي " من دمي " :
    ﻣــِﻦ ﺩَﻣـــِﻲ ﺃَﺳْــﻜُــﺐ ﻓــﻲ ﺍﻷَﻟـﺤْﺎﻥِ ﺭُﻭﺣـَﺎً ﻋَﻄﺮﺓْ
    ﻭَﺭُﺅَﻯ ﺍﻟــــﻨَّﻔْـــﺲ ﻭَﺃَﻧـْﺪاء ﺍﻷماني ﺍﻟــــﻨَّﻀِـــﺮﺓْ
    ﻭَﺷُــﺠُـــﻮﻧﻲِ ﻭَﺣــــــَﻴَــــﺎﺓً ﺑﺎِﻷَﺳَــــﻰ ﻣُﺴْﺘَﻌِـــــﺮﺓْ
    ﺧــــــَﻠَــــﻖ ﺍﻟﺰﻫْـــﺮﺓَ ﺗَﻔْﻨَـــﻰ ﻟِﺘَﻌِﻴـــــﺶ ﺍﻟﺜَّﻤَـــــﺮﺓْ
    ﺗَـــﺬﻫَـﺐ ﺍﻟـــﺴَّــﺎﻋَﺎﺕُ ﻣِﻦ ﻋُﻤْــﺮﻱَ ﻗــُﺮﺑـَﺎﻧـَﺎً ﻟِﻔَﻨِّــﻲ
    ﺃُﺗْﺒِــﻊُ ﺍﻟـــﻤَﻮﺟَــﺔَ ﻃﺮﻓِــﻲ ﻭَﻟَـــﻬــﺎ ﺃُﺭْﻫِــﻒُ ﺃُﺫْﻧِــــﻲ
    ﻭَﺍﻧْــﻄـﺒَﺎﻉُ ﺍﻟــﺰﻫْﺮ ﻓﻲ ﺍﻟــﻐُﺪﺭَﺍﻥِ ﻳَﺴْﺘَﻮﻗِﻒُ ﺟـَﻔْﻨِﻲ
    ﻭَﺍﻧــْﺘِــﻔــَﺎﺿـَﺎﺕُ ﺟـَﻨَـﺎﺣَـﻴْـﻦ ﻋَــﻠـَﻰ ﺃَﻭْﺭَﺍﻕِ ﻏُﺼْـــﻦ
    ﻭَﻟَــﻘَــﺪ ﺃَﺳــْﺒَــﺢُ ﻓِــﻲ ﺍﻟــﻨَّﻐْــﻤَــﺔِ ﻣِﻦ ﻛَــﻮﻥٍ ﻟِﻜَــﻮﻥِ
    ﻫــِﺒَــﺔٌ ﻟِــﻠْــﻔَــــﻦ دنياي ﻭَﺭُﻭﺣـــِـــﻲ ﻏَـــﻴْــﺮ ﺃَﻧِّﻲ

    #والمطلع على ديوانه (لحظات باقية: يلاحظ أن الشاعر إدريس جماع نظم الشعر في معظم أغراضه من وصف، وغزل ، وحماس ،ووطنية ، وهجاء ،ورثاء ، ومدح وغيرها من أغراض الشعر العربي المعروفة، ولكن ما يسترعي الانتباه في شعر جماع نزعته الإنسانية التي صبغت شعره ، ولونته حتى أصبحت سمته الغالبة.


    #وقد طبع ديوانه (لحظات باقية) ثلاث مرات حسب علمي، الطبعة الأولى بتحقيق منير صالح عبد القادرأبو ظبي 1984، والثانية دار الفكر الخرطوم 1989- والثالثة دار البلدية بالخرطوم 1998، والطبعة التي بين أيدينا هي طبعة دار الفكر بالخرطوم ، بتحقيق منير صالح عبد القادر، سنة 1989م ط2، واحتوت هذه الطبعة على ست وستين قصيدة، والجزء التالي يبين أسماء هذه القصائد حسب ترتيبها في الديوان:
    من دمي، نشيد قومي، هذه الموجة، رسالة الحياة، من سعير الكفاح، أصوات، نسمة الحرية
    ،وداع المحتل، نشيد العلم السوداني، نضال لا ينتهي، جنون الحرب ، نشيد جامعة الخرطوم،
    رحلة النيل، وفد البيان ، السودان، أنت إنسان،
    فجر من الصداقة، روح السودان، الغجر المرتقب، صوت الجزائر، في وجه العدوان، لحن الفداء، الشعروالحياة، لقاءالقاهرة، ظلمات وشعاع، في ركاب الأمل، طريق الحياة ، خلود الشعر، الشرق يتذكر، دفين الصحراء، صانع التاريخ، النضارة لا الجفاف، شعاع خبأ، لوعة متجددة، ذكرى شاعر، صوت من وراءالقضبان، مقبرة في البحر، مآسي الحرب، جمال الحياة، مجد إنساني، وقدة الصيف، الطفل ، نومة الراعي، بين رسمي واسمي، أنن السماء، أمنا الأرض، ابنة الروض، مصب الحياة، إني لاعجب، زاىر البستان، الصدى الخالد، ضميرله حدود، نحو القمة، رثاء لا هجاء، شاعر الوجدان والأشجان،،
    لحظات الحياة، ضريبة إنسانية، نحو الوثبة، هبة الخالق للإنسان، عناق قطرين، قيمة الإنسان،شاء الهوى، ربيع الحب، أنت السماء، يا ملاك.

    #نلاحظ في الديوان أنّ قصيدة "الفجر المرتقب" كُتب عنها، أنّها ألقيت بالمهرجان الأدبي بمدينة الأبيض 1945م وأحرزت جائزته وضاع جزء كبير منها، كما نلاحظ أنّ قصيدة "أنت السماء" تكررت في الديوان، وقد أثبتناها في الموضعين حسب ترتيب الديوان.

    #يقول شاعرنا إدريس محمد جماع عن قصائده التي ضمنها هذا الديوان وغيرها من القصائد الأخرى : "ليست هذه المجموعة هي كل ما كان من نظمي ، فبعض القصائد ما زال حتى الآن رهن الضياع ، وربما وجد مكانه في مجموعة أخرى غير هذه ، إذا اتسع لذلك العمر , وبعض نظمي من محاولات الحداثة التي كانت تجد احتراما ،ولكنني أراها دون ما أريد فلم أثبتها في المجموعة ولم أمنحها النسبة إلى شعري ."(4).

    #وكتب الشاعر السوداني الراحل منير صالح عبد القادر تصديراً لديوان إدريس جماع تحت عنوان (إدريس جماع في وادي عبقر) قال: "إنّه عَرف الشاعر جماع في أحوال متقلبة وفي أوقات مشرقة وعابسة مبتسمة ومكشرة، مزدهرة ويابسة وقد اقتحم ميداناً كان جديداً عليه وتركني خلفه أرتقب عودته فما ولا تزال قيثارته ووقعها الحزين اسمعها فأزداد شوقاً ، وقال إنّ شعر جماع هو صراع بين العقل فسار الشاعر إلى عالم المثاليات التي أحبها وعاش فيها قبل تحوله وفي عينيه الحزينتين بقايا دموع تنسكب ليروي بها أزهار وادي عبقر وكان في استقباله بنات عبقر يلوحنّ له بباقات الورود والرياحين وهو مقدم عليهنّ في وجل متردد، أهازيج الوادي تملأ سمعيه " (5).

    #ويغلب على موضوع شعر جماع التأمل والحب والجمال والحكمة كما كتب أشعاراً وطنية مناهضة للاستعمار، ويتسم أُسلوب شعره برقة الألفاظ والوصف فائق الخيال وكثيراً ما يعبر في شِعره عن وِجدانه وتجاربه العاطفية ووجدان أمته، واصفاً تلك المشاعر الإنسانية فرحاً، وألماً، وحزناً، كما يزخر شعره بوصف ثورة الثائر الوطني الغيور على حرية وطنه وكرامة أمته، وربط في أعماله الشعرية بين السودان والأمة العربية والإسلامية، فتناول قضايا الجزائر ومصر وفلسطين، ونظم شعراً في قضايا التحرر في العالم، وقد طارد البؤس «إدريس جماع» حيًاً وميتًاً(6)؛ حتى أصبح الرائح والغادي ينشد له أشهر أبيات البؤس(7) :
    أنا من حقي الحياة طليقا
    ليس إلا لأنني إنسان
    هي عندي معنى يجل ويسمو
    ليس شيئا تحده الأزمان
    وإذا عشت في سلام مع النفس
    فما همني السرى والمكان

    #كان الشاعر جماع أسيراً للجمال، له فيه نظرته الخاصة، وتعبيراته المميزة، جعلته يبدع أحلى القصائد التي تغنى بها الرائح والغادي من أبناء وادي النيل، وحظيت بنصيب وافر من الشهرة؛ منها رائعته التي يقول فيها:
    أَعَلى الجَمَالِ تَغَارُ مِنَّا؟مَاذَا عَليكَ إذَا نَظَرْنَا؟!
    هِيَ نَظْرَةٌ تُنْسِي الوقَارَ وتُسْعِدُ الرُّوحَ المُعَنَّى
    دنياي أنت وفرحتي ومني الفؤاد إذا تمنى
    أنت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا

    #جاءت لغة جماع معبرة عن إحساسه وشعوره ،ومنسجمة مع العصر الذي عاشه، وملائمة للآفـاق التي جابها أو التجارب التي عاشها، كما تنوع أسلوبه بتنوع الموضوعات التي عالجها، فوطنياته تمتـاز بالثورة والانفعال، وكأنّها مرجل يغلي، أو بركان يهدر" (8)، فلنستمع إليه يقول:
    قلوب في جوانبها ضرام يفوق النار وقدا واندلاعا
    سنأخذ حقنا مهما تعالوا وإن نصبوا المدافع والقلاعا
    وإن كتموه فليس يخفى وإن هم ضيعوه فلن يضاعا

    #في مقابل ذلك نجد الرقة والسهولة والبساطة هي أهم ما يميز لغته وأسلوبه في الشعر ، فانظر إلى قوله في وصف الطبيعة:
    مِزْماركَ المَسحورُ ينفُث مَا بنفسك من أثر
    فاسْمعْ لأنغامِ الطّبيعةِ مَازجت لحْنَ البَشر
    والزّهرةُ العَذراء تنْظُر للتدفقِ فِي حـَـــفر

    #نلاحظ وضوح المعاني ورقتها، والألفاظ واضحة جلية، كما تلفها البساطة .

    #والمتأمل لشعر إدريس جماع يلمح أن أسلوبه تأثر بالقرآن الكريم ، - ولا عجب في ذلك - فنشأته الدينية هي إحدى مصادر ومكونات ثقافته، فإذا نظرنا إلى قوله:
    مَا راعَها بل أثار النّار مِن دَمها
    فأورِد ظَالمَها شرّ مُــــــــــنْقلب
    نلاحظ أنّه اقتبس مفردات من القرآن الكريم، يقول تعالى :" وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ"{الشعراء: 227} . وقوله :
    حِقدٌ عَلى الإنْسانِ فِي جَنبيه عَششَ وانْتشَر
    ويَعيشُ مَحْسُوبا عَليه إنّها إحـْـــدَى الكُبر
    فقد ضمن أبياته، وأخذ مفرداته من قوله تعالى :" إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ" {المدثر :35}.

    #ونلاحظ أيضاً في أسلوبه التكراروهو مايعرف بلاغيا بأسلوب "الذكر"، وللتكرار دلالات وأغراض عديدة منها:التلذذ والتعلق بما هو محبب للنفس، والتخصيص، والتأكيد، والتنبيه، واستيفاء المعنى، ومن أمثلة ذلك قوله(21) :
    أنَا لِلفنِّ مَا بقيت وفِي مِصرَ
    حِمى يرام الفَنُون ويعْلِي
    منذ فَجرِ الحَياة مصر أنالتْ
    وثَبات الفنونِ أسْمَى مَحل
    بالْحِمى الحرّ والثّقافة والمَاضِي
    سَمت مِصرُ للمحلّ الأجل
    فتكراره لـ "مصر" لغرض التلذذ والتعلق ، فقد قضى فترة من حياته الدراسية في مصر كما مر سابقاً.

    #ومن تقنياته الأسلوبية نجد " تقديم ما حقه التأخير" ، ولعل خير شاهد على ذلك قصيدته " صوت من وراء القضبان " التي يقول فيها :
    عَلى الخَطبِ المُريعِ طَويتُ صَدري
    وبُحتُ فلمْ يفد صَمتي وذكْرِي
    وفِي لُججِ الأثيرِ يذوب صـــــــوتي
    كسكب قطرة في لج بحــــــــر

    #وعلى العموم يتسم أُسلوب شعر إدريس محمد جماع ، برقة الألفاظ ، والوصف فائق الخيال ، وكثيراً ما يعبر في شِعره عن وِجدانه وتجاربه العاطفية ووجدان أمته، واصفاً تلك المشاعر الإنسانية فرحاً، وألما، وحزناً، كما يزخر شعره بوصف ثورة الثائر الوطني الغيور على حرية وطنه وكرامة أمته، وربط في أعماله الشعرية بين السودان والأمة العربية والإسلامية كثيراً . ففي قصيدة «سعير الكفاح» يقول:
    سنأخذ حقنا مهما تعالوا
    وإن نصبوا المدافع والقلاعا

    #توفي شاعرنا إدريس محمد جماع - رحمه الله -، عام 1980 بعد معاناة مع مرض نفسي أقعده طويلاً بمستشفى الأمراض العصبيّة بالخرطوم بحري , أُرسل للعِلاج إلى لبنان في عهد حكومة الرئيس السوداني الفريق إبراهيم عبود وعاد إلى السودان دون أن تتحسّن حالته الصحيّة(9)، وقد ترك إرثًا وعمرًا خالدًا، يفوح حباً، فيقول في قصيدته "ربيع الحب":

    فى ربيع الحب كنا نتساقى ونغنى
    نتناجى ونناجى الطير من غصن لغصن
    ثم ضاع الأمس مني
    وانطوت بالقلب حسرة
    إننا طيفان في حلم سما وسرينا
    واعتصرنا نشوة العمر ولكن ما ارتوينا
    انه الحب فلا تسأل ولا تعتب علينا
    كانت الجنة مأوانا فضاعت من يدينا
    ثم ضاع الأمس مني
    وانطوت بالقلب حسرة
    أطلقت روحي من الأشجان ما كان سجينا
    أنا ذوبت فؤاديلك لحنا وأنينا
    فارحم العود إذا غنوا به لحنا حزينا
    ثم ضاع الأمس مني
    وانطوت بالقلب حسرة
    -------------------------------------------
    الهوامش:
    1.جماع، إدريس محمد: ديوان لحظات باقية، دار الفكر، الخرطوم، ط4، 1989، ص 137.
    2.إبراهيم ، حامد : إدريس جماع شاعر سوداني منسي عربيا ،جريدة الراية ، شركة الخليج للنشر والطباعة ، قطر ، فبراير2010 .
    3.مدثر ، محمد حجاز : إدريس جماع حياته وشعره ، الدار السودانية، الخرطوم، ص1.
    4.إبراهيم ، حامد : إدريس جماع شاعر سوداني منسي عربيا، مرجع سابق، ص34
    5.جماع ‘إدريس محمد : ديوان لحظات باقية ، مرجع سابق، ص 16
    6.صالح ، منير عبد القادر، محقق ديوان (لحظات باقية): أبو ظبي 1984، ص4.
    7.ديوان لحظات باقية، ص 124.
    8.عبد المجيد، محمد محجوب محمد: تشكيل اللغة وبناء الأسلوب في شعر إدريس جماع، مجلة دراسات اللغة العربية، العدد 6 ، 2014، ص107
    9. https://ar.wikipedia.org























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de