|
الجزء الثاني.:إنجمينا...محطة دبلوماسية لا تشبه الأخريات. (Re: نصر الدين والي)
|
تكملة لمقال الأمس الذي نشر بتاريخ ١٤ أبريل
�ويوما ما، حدثني القائم بالأعمال لجمهورية الكمرون لدي تشاد محمد صلاح الدين عباس، عندما كنانجلس متجاورين علي مأدبة عشاء رسمي؛ (و إسم القائم بالأعمال الثلاثي يتطابق مع إسم سفير سوداني وأخ عزيز بوزارة الخارجيةالسودانية)؛ حدثني بشغف، تكاد تتقافز الكلمات الحبرة من عينيه؛ كيف إحتفلت الكمرون بمقدم الموسيقار الكبير وردي ضمن فنانين سودانيين أخريين جاؤوا بدعوة كريمة من الرئيس الكمروني السابق، (أحمدو أُهيجو) لأحياء حفل إحتفاءاً بزواج إبنته، وكيف أن الكمرونيين ذابوا ولهاً بأغنيات وردي خاصة مع كلمات أغنيته (عمرك تسعتاشر سنة)؛ ومضي محمد صلاح الدين عباس؛ يحدثني بأن جميع من رزقوا بمولود ذكر بعد حفل وردي، أطلقوا عليه إسم (محمد وردي)؛ إتفاقاً بين الزوجين؛ وتداخلت زوجة القائم بالأعمال في الحديث بأن بعض الأزواج إختلفوا في إضافة إسم (وردي) لمواليد ولدوا قبل وصول وردي الكمرون، إختلاف أدي في بعض الأحايين للطلاق!!. ومعلوم ان من عادة شعوب هذه البلاد، تشاد والكمرون عندما يعجبون بغناء فنان تلبسه النساء عقود وسلاسل الذهب الذي يلبسنه ويغدق الرجال علي المغني بكل الأوراق النقدية التي بحوذتهم ك(نقطة). هذا هو حال ثقافتنا وتراثنا الثقافي الشفهي غير المادي يرتحل عبر سواحل وسهول وأراضي وفوق جبال وهضاب وأنهار وسحنات وشعوب وتطرب له أذان وتهيم به ألباب، ويستعيرونه في عشقهم وحبهم وهيامهم؛ فيستعيرون أحاسيسنا ومشاعرنا وكلمات حبنا، وأهازيج نخوتنا وإقدامنا، ويطربون مثلنا تماماً؛ فيتغنون بمثل " أنت كلك زينة، وعايمة كالوزينة يحفظك مولاي؛"وَست البيت"؛ "وعزاز علينا...شالو نوم عينينا" وحتي أغاني الحماسة الموغلة في الدارجة السودانية "أب كريق في اللجج سدر حبس الفجج"؛ "الليلة إستعدوا وركبوا خَيل الكر وقدامن عقيدن باللغر دُفر ...جيناتن العزاز الليلة تتنتر... وَيَا الباشا الغشيم قول لجدادك كَر" ؛ " بتريد اللطام والواعي ما بوصو"؛ بتريد اللطام أسد الكداد الزام ...هزيت البلد من اليمن لي الشام...سيفك للفقر قلام" " الواعي ما بوصو من أمس الضحا ...توري أب زنود سأقو ...يا مقنع ولياتو"؛ "وطنا البإسمك كتبنا ورطتنا ...أحبك... أحبك مكانك صميم الفؤاد"؛ و كل ذلك الإنتشار الواسع للثقافة السودانية؛ وهي تسري كالنار في الهشيم دون أن نبذل في الأمر جهداً، ودون أن نعد له برامج ورؤي لنشره ثقافياً؛ أو حتي نرسل أدباءنا وشعراءنا وفنانينا، وموسيقينا لتلك البقاع. و العديد من تلك الشعوب لا تعرف حتي معني كلمات الأغاني السودانية، أو شعراءها، أو لحنها، أو موسيقاها، ولكنها تطرب حد الذوبان الحسي، تحفظها وترددها، ولا تجد بيتاً ليست فيه موسيقي وأغاني سودانية، بل إرشيفاً لأغاني، وقد لا تجد بعض تلك الأغنيات والدرر المنثورة من الشعر الرصين والرائع حتي في المكتبة الغنائية السودانية في أي بيت أو مدينة أو حتي لدي أي مهتم بالتراث وجامع للموسيقي والغناء السوداني. فطريق الحج، الذي يربط بين غرب أفريقيا وشرقها عبر السودان، وكافة شعوب تلك الدول الأفريقية الشقيقة تتردد فيه أصداء الثقافة السودانية، وشعوبها قاطبة مهتمة بها، حافظة لها، طربة بها، تسكن جوانحها ولبها. فالسودان، ثقافة وشعباً، بلداً كبيراً، وله قيمة في تلك البلاد؛ ولسنا بحاجة لا في السابق أو الغد لتسويق ثقافتنا؛ فقد سبقتنا بعقود وفرضت نفسها في نفوس ودواخل تلك الشعوب التي تحبنا بدفء وصدق ومودة. و في تشاد، تسمع الغناء السوداني في كل بيت، وفي بيوت الأعراس، لا تحي حفلة إلا بالغناء السوداني، والأغاني السودانية تأتيك من المطاعم والمحال الصغيرة، ونوافذ سيارات الأجرة وبصات نقل الركاب، وفي الأسواق، حتي الحملات الإنتخابية الرئاسية يستهلها التشاديون بالأغاني الحماسية السودانية، أما الدراما فهي سيدة الموقف الثقافي والإجتماعية في تشاد، وأذكر أنني عندما قائماً بالأعمال بالإنابة لدي غياب سعادة السفير الراحل حاج الفكي هاشم، طيب الله ثراه، في إجازته السنوية، طلبت من التلفزيون السوداني تزويدنا بنسخة من شريط فيديو (عادي) لمسلسل "سكة الخطر" وبطلة المحبوب آنذاك محمد عبدالرحيم قرني " ضبة"؛ وأهديته للتلفزيون التشادي، فقال لي المذيع لا يمكن أن يكون الأمر هكذا؛ فلا بد أن تأتي لنجري معك لقاءاً مباشراً ضمن فقرات النشرة الإخبارية المسائية للإعلان عن وصول نسخة المسلسل؛ فقلت له هذه مجرد نسخة من شريط (فيديو بيتاماكس)، ولا تستدعي ظهوري علي شاشة التلفزيون للإعلان عنها؛ فقال لي لا أظنك تعلم بأن تشاد كلها تنتظر ذلك المسلسل وأي مسلسل سوداني. وقد كان له ما أراد، فأصبح المسلسل حديث إنجمينا وتشاد كلها. وفي إنجمينا، البلد الدافيء بالحب للسودانيين وبثقافته وموروثاته وحياته الإجتماعية، لا تحتاج لكثير عناء للبحث عن أفضل التسجيلات للأغاني السودانية، ويدهشك التشاديين بمعرفتهم بأخر وأقدم التسجيلات والراحل وردي ومحمد الأمين والمبدع الراحل محمود عبدالعزيز. التشاديون شعب يحب السودان، لا جدال في ذلك؛ شعب مغرم بالسودان؛ بلداً وأرضاً وشعباً وثقافة؛ فذات مرة و قد كنت نائباً للسفير في إنجمينا، زارني الدكتور مختار بشر؛ الذي تلقي دعوة لزيارة السودان، و الدكتور بشر حاصل علي الدكتوراة في جامعة السوربون الفرنسية، وله ثقافة فرنسية رفيعة، فدلف لمكتبي؛ بعد أن أكمل له القنصل إجراءات سفره، من تأشيرة وتذاكر سفر، ليشكرني، ثم ودعني وذهب لحاله؛ وفوجئت به في اليوم التالي يطلب مقابلتي، وعندما جاء إلي مكتبي، بادرني بالقول "يا إكسلانس، والله سويتو لي مشكلة في لُب بيتي"؛ فقلت له "كيكيف؟"؛ فقال لي زوجتي الأولي سترافقني، ولكن عندما علمت زوجتي الثانية بذلك "قامت الشكلة، كيف ما نسوقا برضو للسودان؛ ولازم تحل لي المشكلة دي يا إكسلانس"؛ فقلت له لا مانع من إعطاءها هي الأخري تأشيرة؛ فطار الرجل من الفرح. وبعد عودتة من الخرطوم جاء للإلتقاء بي، فسألته "كيف كانت زيارتك للسودان يا دكتور؟"؛ فقال لي "يا إكسلانس تودونا الجنة وترجعونا منها!!". هذا فقط نموذج اخر من حب التشاديين للسودان، البلد والشعب والثقافة.
و تشاد ليست دولة جارة فحسب؛ فهي دولة ليست ككل الجيران للسودان؛ فهي رحم ودم وأهل ونسب وإخاء ومودة وتقدير، وهي عمق جيوإستراتيجي، وهي بلد للتشاديين ، كما للسودانيين؛ فالسوداني في تشاد معزز مكرم وله مكانة عالية من الإحترام، ولا ينظر التشاديين للسودانيين بدونية أبداً، فالسودانيون هم المثل الأعلي في القيم والأخلاق والتدين والتحضر.
وفي تشاد كان الصديق الوفي لأحد التجار السودانيين في إنجمينا هو الرئيس التشادي الذي نالت تشاد إستقلالها علي يديه، فرانسوا تمبلباي، الذي غير إسمه لإسم تشادي أصيل، إنقارتا تمبلباي، كان الرئيس صديقاً مقرباً لعمنا الراحل الأمين عثمان؛ وهو من الكاملين الحبيبة، الذي رباه في بيته منذ صغره؛ (إمتدت حياة عمنا الأمين عثمان في تشاد من العام ١٩٢٨ إلي تاريخ وفاته في العام ١٩٧٤) وكان الرئيس تملباي ينادي عمنا الأمين عثمان ب (أبا) وهي عبارة للتوقير والإحترام لكبار السن في تشاد؛ و قيل أن عمنا الأمين هو من أوعز لتمبلباي بمواصلة دراسته وتعليمه؛ ورعاه، حتي أكمل تعليمه ودخل سلك التعليم؛ وعندما أصبح إنقارتا تمبلباي رئيساً لم ينس ذلك الفضل، وظل محافظاً علي صداقته مع عمنا الأمين، وكان عندما يزور عمنا الأمين في بيته في إنجمينا ليستشيره في أمور سياسية ويأخذ برأيه، يترك حذاءه خارج مدخل الغرفة؛ بل زار عمنا الأمين في بيته في الكاملين؛ فأكرم عمنا الأمين وفادته، كرم أهلنا في الكاملين الحبيبة ، والسودان المعهود؛ وإحتفي بمقدمه وسط أهله وعشيرته؛ وعندما توفي عمنا الأمين أصر الرئيس تمبلباي علي حمل نعشه علي أكتافه؛ بل أمر بطائرة خاصة ومرافقة ستة من الوزراء الجثمان للخرطوم و لمسقط رأس عمنا الأمين ليدفن في الكاملين . أرأيتم كيف أن الود عند التشاديين للسودانيين قديم وأصيل ونابع من القلب!!.
وحدثني يوماً عمنا هجرو أدم السنوسي، وهو الشاويش في الجيش السوداني الذي شارك في محاولة إنقلاب البكباشي علي حامد، وأعتقل ثم أصبح أول شاهد ملك في المحاكمة في تاريخ السودان؛ بعد أن شاهد إتهام في القضية؛ ليطلق سراحه ثم يأتي لتشاد وفي معيته بندقية (أبو عشرة) كما قال لي؛ ليكون أحد مؤسسي جبهة فورولينا (الجبهة الوطنية لتحرير تشاد)؛ وبعد تأسيسها في السودان، دخلت الأًراضي التشادية لتصبح حركة تغيير سياسي وعسكري في تشاد. ولكنه قال لي أيضاً "أنه تعلم من زوجته خالتنا كلتوم عبدالرحمن جودة؛ حسن الهندام؛ وألا يخرج دون أن يكون في جيبه منديل كعنوان لأناقة الرجل".
وكما كان لعمنا هجرو السنوسي دوراً في الجبهة الوطنية التشادية؛ فقد شغل فيما بعد منصب وزير الأشغال ووزير الدفاع في تشاد؛ كان لإبنه وزميل الدراسة السابق، والصديق العزيز؛ السنوسي هجرو السنوسي دوراً هو الأخر في معية ثلة من المثقفين، بجانب أدواره وأدوارهم الوطنية الأخري، فقد أسس السنوسي مع كل من بشير السماني و الدكتور عباس عبدالواحد، رابطة مثقفي اللغة العربية في تشاد، والتي كان لها دوراً في إدماج الثقافة العربية في تشاد، بل وإقرارها ضمن الدستور التشادي كلغة ثانية في تشاد بجانب اللغة الفرنسية.
واللغة والثقافة العربية ليست وافدة إلي تشاد؛ علي الأقل في العصور التاريخية الحديثة، فقد كان حادي اللغة العربية الأول الشاعر التشادي ذائع الصيت إبراهيم الكانمب في القرن ١٢ ميلادي، قد وضع البصمات الأولي لمسيرة الثقافة العربية في هذا البلد العريق؛ و هو الذي قال هذه الأبيات العربية البليغة في حضرة الخليفة يعقوب الموحدي في المغرب.
أَزَالَ حِجَابَهُ عَنَّي وَعَيْنِي تَرَاهُ مِنَ الْمَهَابَةِ فِي حِجَابِ" وَقَرَّبَنِي تَفَضُّلُهُ وَلَكِنْ بَعدْتُ مَهَابَةً عِنْدَ اقْتِرَابِي " * (١) والشاعر والأديب والأستاذ الجامعي، حسب الله مهدي فضله ؛ شاعر فحل لا يشق له غبار.
وله أبيات رائعة يخاطب بها زوجته؛ فيقول،
"غيري عليكُن يا زهراءُ يصطبرُ لأن صبري على ذاك الهوى صَبِرُ لوني بلونك مُزدانٌ إذا اجتمعا كما يزين سوادَ المقلة الحَوَرُ فلا يسُؤكِ من الأغماد حالكها إن كان باطنها الصمصامة الذكَر" *(٢) و قد أشار الشعر والأديب التشادي المعاصر، حسب الله مهدي فضلة؛ إلي الشاعر العظيم إبراهيم الكانمي؛ في دراسة جامعية له.
ثم علي عهدنا بتشاد بزغ نجم زميل الدراسة الشاعر التشادي الكبير الدكتور عباس عبدالواحد؛ عضو رابطة مثقفي اللغة العربية في تشاد؛ والتي كانت تضم كل من موسي فكي، رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي الحالي، والسنوسي هجرو أدم السنوسي، وبشير السماني، وأخرين (و لهم العتبي لما إحترامي من نسي).
فبريق اللغة العربية لم يخبو حتي بعد معركة الكب كب (القتل بالساطور) والذي قتل فيها الفرنسيون ١٠٠٠ عالم يتحدثون باللغة العربية ويدينون بالإسلام؛ بل صقلته العهود كتبر مكنون؛ وكان المعهد الأزهري الذي أسسه عليش عووضه ( الذي تخرج في جامعة الأزهر) للناطقين باللغة العربية في أبشه في عام ١٩٤٢ كان أحد أهم الأعمدة الثقافية لإنطلاقة إحياء اللغة العربية في تشاد؛ حتي تم الإعتراف باللغة العربية ضمن دستور ١٩٩٦ كلغة ثانية مع الفرنسية في تشاد.
فالثقافة العربية هي محور إئتلاف الأديان في تشاد؛ فلا خلاف ولا صراع؛ بل حوار صامت يأخذ من عذوبة عربي إنجمينا ألق المعاملة؛ بينما تختلف وتتصادم الأجندات السياسية؛ وهذا دأب العديد من الدول وليس تشاد لوحدها. المرجع في (١) و(٢)
Alukah.net* * لقاء الشاعر حسب الله مهدي فضلة
و يجيء دور مدرسة (نميري) في إنجمينا في ترسيخ اللغة العربية وثقافتها في المجتمع التشادي بتدريس المنهج السوداني، وكان كل من أراد من التشاديين العفاف لإبنته أرسلها لمدرسة نميري، بل من أراد من التشاديين الزواج، كان للتفكير في خريجات مدرسة نميري نصيباً كبيراً. فهي مدرسة متفاعلة مع المجتمع التشادي وفاعلة ومؤثرة فيه؛ وقد تخرج في تلك المدرسة مئات من الطلاب النجباء التشاديين الذين واصلوا تحصيلهم العلمي؛ في جامعات عديدة؛ مهندسين، وأطباء، وعلماء، وغير ذلك من ضروب المعرفة والعلم؛ وكان أيضاً لدور ثلة من أساتذة الجامعات السودانيين؛ أمثال البرًفسور عبدالحميد بخيت، ودكتور عبدالله حمدنا الله، وأخرين دور في دعم التعليم الجامعي وفوق الجامعي في تشاد.
ويذكر أن الدكتور والموسيقي الكبير عبدالقادر سالم كان مديراً لمدرسة نميري في إنجمينا؛ وعاد في زيارات عديدة ضمن فرق موسيقية غنائية؛ لإحياء حفلات رسمية وخاصة في إنجمينا؛ فإن غني عبدالقادر سالم حينما كان مديراً للمدرسة لأخرج التشاديين بناتهم وأولادهم من المدرسة علي الفور لأن الغناء والتدريس لا يستقيمان عند التشاديين ؛ كما أن لَبْس الجلابية والعَبَايَة لا تكون عند التشاديين إلا للصلاة فقط وليست للغناء؛ وهذه نصيحة لفنانيننا الذين ينوون زيارة تشاد للغناء؛ لا تلبسوا الجلابية والعَبَايَة لتغنوا بها!!.
لمحة ليوم عادي في حياة التشاديين.
الإذاعة التشادية... ثقافة محببة.
التشاديون مولعون بسماع إذاعة إنجمينا، فتري البعض يحمل معه جهاز الراديو أينما حل؛ (وكنت أنا أيضاً. أحمل راديو (ترانزستور صغير عندما كنت دبلوماسياً هناك؛ وكان بعض زملائي يتندرون علي بذلك)؛ فالراديو هو وسيلة التواصل المحببة لدي التشاديين، وهناك فقرة تسمي (البلاغات)، وهي مجموعة من الإعلانات التي يكتبها أصحابها بطريقتهم ويقرأها المذيع أو المذيعة كما جاءتهم دون تعديل في كلماتها أو عباراتها؛ وهي في العادة للإعلان عن شيء ما؛ فإن ضاع (تور) أو بقرة مثلاً يعلن عنه صاحبه عبر الراديو فيقول باللهجة التشادية المحببه وتسمي (عربي إنجمينا، وهي بمثابة ال Lingua Franca ) لجميع التشاديين ،" يا أخونا حاج فلان تورا راح، الله يجمعا لي، ولا كان سرقو ما نأرفه، النادم (إبن أدم) الوصفا دا لي كادو (بالفرنسية cadeau ، يعني هدية، والنادم البيلقا دا كمان لي كادو كبيرة مره واحد" وبلاغاً أخراً أرسلته إمراة تشادية تشكر فيه من جاءتها مباركة لها الحج، فتقول في بلاغها "حاجة عشه، وهذا هو إسمها، بتشكر حاجة فلأنه وحاجة فلأنه الجن باركن ليها الحج، لكنها زعلانه من حاجة فلأنه اللي هسه ما جاتا"؛ وبلاغ آخر، "في يومناً الاليموم من فجور، وليد صقير وسمه ابكر عند شميس ابيض و وسروال ازرق . مرك من فجور لحس ما جا بيت. اي نادوم الشافي خلي يودي في كومساريه هن ٦ اروندسمه ول يودي في راديو شاد و ينتو عشر الف ريال "؛ ومن بين أطرف البلاغات التي ما زلت أستحضرها ، أن شاباً يحب فتاة يود التعبير عن إعجابه بها، وهو علي يقين بأنها ستعرفه؛ ويبدو أن هناك لغة غامضة مشتركة بينهما فيقول في البلاغ الذي أرسله لإذاعة إنجمينا "الولد النضيف بلا صابون، بيرسل تحياتا للبت الحلوه بلا ريحه". كما أن العديد من التشاديين يرسلون عبر البلاغات رسائل عدة لتشاديين أخرين ولبقية أرحامهم من السودانيين في تراب السودان؛ يعني في السودان) ويبثونهم تحياتهم وسلامهم وسؤالهم عن أحوالهم وصحتهم.
ولكن إن تمعنت في البلاغات، فستري إنها حقيقة وسيلة ذكية بل عبقرية للتواصل بين التشاديين في كافة التراب التشادي، علي إتساعه، وكما قلنا؛ فإن التشاديين جميعاً مولعون بسماع الإذاعة، وخاصة النشرة والبلاغات،وبالتالي فإن أي تشادي يرسل بلاغاً يعرف أنه سيسمع من الجميع، فلا بريد يرسل فيصل ولا برقيات تبرق فتبلغ أصحابها، ولكن البلاغات تمضي بسرعة البرق لكل متلقيها. فهي إذن وسيلة تواصل مبتكرة وعصرية وناجعة وهامة
وكنت دائما ما ألوذ بسائقي (محمد) عن Japonais، واللقب كناية عن صغر عيونه التي تشبه اليابانيين؛ صغر عيونه التي تشبه اليابانيين، (وذلك للطرفه وليس التقليل من شأنه، أو شأن اليابانيين العظماء)؛ لمعرفة تفاصيل البلاغات التي تبثها الإذاعة، أو بالأخ الكريم (الصافي) الحارس في بيتي، الذي كان مدخل حديثي معه وأبناء عمومته الذين يحضرون للمبيت معه، عندما كنّا نؤدي صلاة المغرب يوماً في جماعة، عندما إستمعت،لأول مرة، لأهازيج من (البوشاني)؛ والهداي؛ فسألته أن كان ذلك تسجيل، وإن كانوا يفهمون ما يقال؟؛ فقال لي الصافي "هذه أغانينا، من إذاعة إنجمينا؛" فقلت له بل هذه أهازيج من قبائل البقارة السودانية، فقال لي"وهل تعرفها أنت؟" فقلت له"نعم، هذه أهازيج أسلافنا"؛ والبوشاني، هو الشعر والغناء الذي يردده الفارس وهو علي صهوة حصانه؛ فقال لي "إنت إبن عمنا؛ والله من اليوم دا لو واحد رشاك بالموية نرشا بالدم"؛ فأصبحنا أسرة وأبناء عمومة من ذلك اليوم. ًأذكر بشيء من الخصوصية الراحل (عبدالرسول أبوبكر)؛ الذي كان يعمل في السفارةالسودانية، وقد تبينت فيه النزعة الثقافية المعرفية منذ أن إلتقيته؛ فقد درس في بيروت، ويتكلم اللغة العربية والفرنسية والإنجليزية بطلاقة فائقة، ويكتبها؛ وكنت حينها وزيراً مفوضاً؛ نائباً السفير؛ وقد أوصيته بالصبر في وظيفته كمترجم في السفارة؛ وكان كل من يسمعه يترجم للسفير آنذاك؛ من السفراء لا يخفي إعجابه به، للحد الذي أعلن فيه السفير الفرنسي في حفل وداع سعادة السفير الراحل حاج الفكي هاشم بأنه سيعينه في السفارة الفرنسية، وقد سبقه في ذلك القائم بالأعمال بالإنابة السعودي الذي رغب بشده في تعينه، بل عرض عليه راتباً أكبر بكثير مما يتلقاه في السفارة السودانية، ولكن عبدالرسول رفض وتمسك بوجوده في السفارة السودانية برغم راتبه المحدود للغاية، وبرغم ما كان يتعرض له من ضغوط في السفارة، ولكني كررت عليه وصيتي قبيل مغادرتي إنجمينا بعد إنقضاء أربعة سنوات في موقعي (١٩٩٦-٢٠٠٠)؛ بأن يتمسك بوظيفته ولا يأبه بأي ضغوط تُمارس عليه؛ وكان أن توج عطاءه الفكري والثقافي والمعرفي من بلده تشاد بتعينه وزيراً للسياحة والحرف اليدوية، رحم الله الأخ الكريم عبدالرسول أبوبكر
ممثلية الإيسسكو بإنجمينا.
في العام ١٩٩٧، إلتقيت في السفارة بالدكتور مصطفي أحمد علي، لأول مرة، وعلمت أن جاء لتشاد بتكليف رسمي من المدير العام للإيسيسكو الدكتور عبدالعزيز التويجري في مهمة لإفتتاح مكتب للمنظمة في إنجمينا بغية دفع الثقافة العربية وتعليم اللغة العربية التي أدخلت للتو في صلب الدستور التشادي كلغة رسمية ثانية.
فقفزت في خاطري فكرة، فطرحتها للدكتور مصطفي؛ وقلت له لماذا تنشأ المنظمة مكتباً للإيسيسكو فقط؟ لماذا لا تنشأ المنظمة ممثلية بدلاً عن مكتب؟؛ وإستعرضت له فكرتي، بحيث تطلب المنظمة وفق مخاطبة بمذكرة رسمية من منظمة الإيسسكو لرئيس جمهورية تشاد عبر وزارة الخارجية؛ التي بدورها سترفع توصية بإعتماد الإيسسكو كممثلية بدلاً عن مكتبا ً. ومن ثم ستوقع تشاد مع المنظمة ممثلة في شخصكم مذكرة تفاهم تنشأ بموجبها للممثلية؛ وتؤسس لإنجمينا مقراً للممثلية؛ وستكون بذلك أول ممثلية للمنظمة خارج دولة مقر الدولة المضيفة لها، وهي المملكة المغربية؛ وقلت له، سيكون للممثلية وضعية السفارات والبعثات الدبلوماسية؛ من حيث الإعتماد والحماية الدبلوماسية التي ستوفرها إتفاقية فيينا؛ وسيكون لك أنت وضع رئيس بعثة دبلوماسية أسوة بالسفراء، وستمنح لوحة دبلوماسية (CMD, Chef de Mission Diplomatique)، وستكون أنت بحاجة لسيارة لائقة لحمل تلك اللوحة الدبلوماسية؛ وسيكون لمقر للممثلية ومقر إقامتك حماية دبلوماسية؛ وإن هذا الأمر من شأنه تسهيل مهمتك وتوفير مظلة كبيرة لك وللممثليه في العمل والإعتبار؛ فقال لي "وكيف السبيل لذلك؟" فأسهبت في تفسير مقترحي، وفكرتي؛ ومن ثم، ذهبت بعيداً بأن إقترحت له بأنني سأذهب معه في إحازة خاصة إلي جمهورية بنين؛ لشراء سيارة له كما إنني أرغب أيضاً في شراء سيارة خاصة.
إقتنع الدكتور مصطفي بفكرتي، وبالفعل عاد للرباط وعرض ذات الفكرة لمدير عام المنظمة الذي وافق بدوره؛ وزوده بتلك المذكرة؛ وعندما عاد إلي إنجمينا؛ وبتلقي جمهورية تشاد لتلك المذكرة، وافقت علي الفور علي إنشاء ممثلية لمنظمة الإيسسكو ومنحتها كافة الحماية والغطاء الدبلوماسي؛ ولعب سعادة السفير الراحل حاج الفكي هاشم بحكم علاقاته المميزة بمدير عام مراسم الدولة ورئاسة الجمهورية بتوفير مقر للممثلية ومقراً لسكني الدكتور مصطفي وعائلته، وتكفلت بالمقر، وكذا كل الخدمات من هاتف وكهرباء. وسافرنا معاً (أنا والدكتور مصطفي) في إجازة صغيرة إلي كوتونو وإستجلبنا سيارة مرسيدس (سيارة علم)؛ للدكتور مصطفي وإشتريت سيارة شخصية.
فإنشأت للممثلية متمتعة بكافة الإمتيازات الدبلوماسية والرعاية الرسمية لجمهورية تشاد علي أعلي مستوياتها؛ وإضطلعت الممثلية بدور محوري وهام في ترقبه اللغة والثقافة العربية في جمهورية تشاد لعدة سنوات.
التحية للدكتور مصطفي أحمد علي، علي جهوده البارزة في هذا المضمار؛ و بما عرف عنه من خبرة ومعرفة واسعة وإهتمام بالثقافة العربية؛ والتاريخ الإسلامي؛ ودوره البارز كذلك في ترقية عمل المنظمة بشكل عام؛ وبحكم تلك العلاقة نشأت بيننا وأسرتينا علاقة صداقة وإخاء قوية إلي يومنا هذا.
* المؤسسة التي أنشأتها الايسيسكو في تشاد، هي (مركز الايسيسكو التربوي بتشاد)، و عندما هممت بتسجيل هذه الذكريات؛ إتصلت بصديقي الدكتور مصطفي؛ بغية التدقيق والتحقق من الرواية؛ فكتب لي الدكتور مصطفي أحمد علي الأتي "جاء إنشاء المركز لدعم القرار الوطني بتطبيق الثنائية اللغوية في تشاد، الذي أقرته الجمعية الوطنية التشادية، وجاء وفد برئاسة المرحوم د. ابوبكر عبد الحميد، للايسيسكو لطلب الدعم، للمساعدة في تنفيذ هذا القرار التاريخي، وكان هو من مثل الايسيسكو في تلك المفاوضات التي جرت بالرباط، وتم الاتفاق على أن ننشئ الايسيسكو مركزا ًتربويا يساعد على تحقيق هذا المشروع ، و من ثم كلفت بوضع مشروع اتفاقية مع الجانب التشادي، من أهم بنودها : الاعتراف بالدبلوم الذي يمنحه المركز ومعادلته بدبلومات المعاهد النظامية "الفرانكوفونية"...وكان هذا البند من أهم البنود.
وقال مصطفي؛
* الاتفاقية المبرمة تضمنت أيضا التزام الجانب التشادي بتوفير المكاتب والسكن والكهرباء والاتصالات..الخ"
ويمضي الدكتور مصطفي في مخاطبتي بالقول "وجاءت فكرة الممثلية العبقرية لتتوج هذه المكتسبات بطبيعة الحال، إضافة إلى الدعم الادبي والشخصي،الذي وجدته منكم في السفارة السودانية، والمؤسسات السودانية الأخرى والجالية، بطبيعة الحال. وكنت بمقتضى فكرة الممثلية، أحمل deux casquettes, مدير المركز وممثل الايسيسكو، في آن واحد، ويسر لي هذا الوضع منافذ أخرى لإنجاح مهمتي والفضل بعد الله تعالى يرجع لكم ولزملائكم في السفارة".
ويقول دكتور مصطفي " أن نشاط المركز كان موجها في الأساس لتدريب المعلمين المعربين، وتم استلهام تجربة السودان في مطلع السبعينات، وتم فتح ستة مراكز للتدريب، ووصل الرقم إلى أكثر من ١٢ مركزا في انجمينا وابشة، وبلغ عدد من تخرجوا حتى الآن( فالمركز ما يزال مستمرا بعد توطين كوادره)، بلغ بضع عشرة آلاف معلم معرب مؤهل.". ويضيف دكتور مصطفي "بأن هناك برامج أخرى، تربوية وثقافية، اضطلع بها المركز لا مجال لتفصيلها. ولكن المركز حقق نقلة حقيقية للغة العربية في تشاد، وظل الرئيس إدريس ديبي يوليه اهتماما مباشرا، وقد استقبلني في ثلاثة لقاءات خاصة حول المركز كان آخرها لوداعه، وحاول فيها اثنائي عن مغادرة تشاد، عندما نقلت لموقع أخر؛ فاعتذرت لدواعٍٍ مهنية، وأنعم علي في هذا اللقاء بوسام عالٍ بمرتبة فارس تقديرا لما بذلته من جهود".
إلتفاته مستحقة.
اسماء لرموز من الجالية السودانية في تشاد منذ عام ١٩٢٤: (وهم تشاديون من أصول سودانية) (وأعتذر إن سقط إسماً سهواً أو بعدم معرفة)
الدسوقى مختار وأخوه قاسم مختار والد محمد قاسم واسماء. وعمنا بشير بريمة والد كرار وعبد الرحمن وعادل ومحمود. وأل مداحين واولاد كروم..وال حلوانى.بابكر دفع الله والتنابلة، والمربية الفاضلة فرغلية ذو الكفل.، و الوالدة حياة زوجة احمد غلام الله عليها الرحمة، وأولادهما، سراج، وعبدالرحمن، وعجيب، ومحمد، وإبراهيم، وسارة، وبينو. ومجموعة السودانيين في مدينة مندو الزبير على الحسين محمد طيفور .فضل الله البشرى . وهم من الجيل الاول، وبعدهم الشعرانى وطيفور إضافة إلي إدريس ابدرش وسعيد فهمي واحمد خضر، ثم والدتنا الكريمة زهره جبريل والدة عزيزة، ونعيمة وعواطف بارود من أسرة السلطان بحر الدين الجنينه، و عمنا عبدالرحمن بابكر، رحمه الله، الذي كان رئيساً للجالية وشريك لعمنا الراحل حامد صالح وأل كروم؛ السر، وإبراهيم، وبابكر، والرشيد، وعبدالكريم ممدوح، وبابكر ممدوح، وعبدالحفيظ طه، ومحمد أحمد فاضل، والأمين بوكسير، والخليفة عثمان، وبشير رحمه. ومأمون الصافي، ومأمون حسن طه، وأحمد خالد، وعباس الأمين، وبابكر دفع الله، وحسن بابكر، وعبدالقادر وعمر وعلي عكاشة، ومحمد صالح عبدالله، وعبدالعزيز صالح، والسيد حسين، والخليفة عِوَض، والطيب وأحمد محمد نور، وأحمد خضر، ومحمد إدريس، وبابكر وصالح وحمزة، ومصطفي،وعبد الكريم، محمد أبو اليمن، وخليل علي محمد نور، وحاج عمر عبدالله وأولاده، ومختار نصر حامد، وأحمد والمعلا حامد صالح ، وحسن وحسين عمر. و هاشم ود الجبل، و صالح خليف، وأولاد عصمان ،صلاح، و موس عبدالرحمن مكي، وحسين خليف و احمد خليف، وزين العابدين، أولاده الدكتور محمد ،انور و أماني. ورمضان وعثمان وسعد خميس، وتجاني وعبدالله يعقوب، وحامد الشفيع، وعلي بكري ، وعلي عثمان، وسعيد فهمي، وإبراهيم الطاهر، وتجاني ومعاوية ومحمد وحسن حلواني، وعبدالفتاح بخيت، وبشير عكاشة، واحمد مختار، وخير السيد، واحمد خيرسان، ومحمد وموسي سترين،وسليمان أبو جنه، ومحمد عثمان، واحمد وعبدالله مرسال، وإبراهيم الطاهر.
المراجع:
* ويكيبيديا
المراجع السماعية: * صديقي خليل موسي. * وصديقي يوسف الأمين عثمان. * الأخت الكريمة عواطف بارود. * الأخ الكريم محمد زكريا
| |
|
|
|
|
|
|
|