جارحة اللسان جارحة خطيرة؛ إذ هي المترجمة عما في القلب، وهي الثغر الأعظم الذي منها يصدر الخير أو الشر، والحق أو الباطل، وما يقال هنا عن اللسان ينطبق تمامًا على ما يكتب بالقلم لأن القلم لسان.
وآفات اللسان ومخالفاته كثيرة ومتنوعة، ولها في القلوب المريضة حلاوة، ولها بواعث من الهوى والنفس، وقد أودت بحياة الكثيرين ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة».
فمزالق اللسان ، وما أدراك ما اللسان؟ إنها كما قال أحدهم:
احفظ لسانك أيها الإنسان ** لا يلدغنك إنه ثعبان
والويل لمن يرخي حبله، ويأمن شره ، وقد صدق رسول الله حينما قال لمعاذ بن جبل " ألا أُخبِرُك بِرأسِ الأمرِ ، وعمودِه، وذِروَةِ سَنامِه؟ قلت: بلَى، يا رسولَ اللهِ، قال: رأسُ الأمرِ الإسلام، وعمودُه الصَّلاة، وذِروةُ سَنامِهِ الجِهاد، ثمَّ قال: ألا أخبرُك بمِلاكِ ذلِك كلِّه؟ قلتُ: بلَى، يا نبيَّ الله، فأخذَ بلسانِهِ، وقال: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يكبُّ النَّاس في النَّارِعلى وجوهِهِم، أوعلى مناخرِهم، إلَّا حصائد ألسنتِهم ؟"
فمن نتائج عدمِ حفظِ اللسان: الاستهانةُ بأوامرِ الله تعالى ورسوله التي تأمر بحفظ اللسان، ونقصان الإيمانِ بالله واليوم الآخر، وتعريض النفس للقتل والإهانة والذل والكراهية. فعن ميمون بن مهران قال: «جاء رجل إلى سلمان فقال: أوصني، قال: لا تتكلم. قال: لا يستطيع من عاش في الناس ألا يتكلم. قال: فإن تكلمت فتكلم بحق أو اسكت، قال: زدني. قال: لا تغضب. قال: إنه ليغشاني ما لا أملكه. قال: فإن غضبت فأمسك لسانك ويدك. قال: زِدْني قال: لا تلابس الناس. قال: لا يستطيع من عاش في الناس ألا يلابسهم. قال: فإن لابستَهم فاصدق الحديث وأدِّ الأمانة».
ذلك هو المنطق السليم ومأخذ كرام الناس، وهو مصداق قول رب العالين سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾
قال يونس بن عبيد : «ما رأيت أحدًا لسانُه منه على بال إلا رأيت ذلك صلاحًا في سائر عمله". وقال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه ( يا لسانُ: قلْ خيراً تغنم ، اسكت تسلم من قبل أن تندم ).
فجارحة اللسان سهلة الاستعمال بلا كلفة، ويقع الكثير فيها لسهولة المنطق وجر الشيطان لحلاوة الحديث حتى يقع في أعراض وحقوق، بل وينتج عنه إيغار صدورٍ ودفع الناس لاتجاهات فساد، بل إفساد عقائد . يقول الإمام الشافعي: إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليماً مِن الأذى وَ دينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُكَ صَيِنُّ لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ
نسأل الله تعالى أن يلهمنا حسن الظن في المسلمين والأصل في المسلم السلامة والنصيحة له وحرمة التعدي عليه ومن ذلك التعدي بالتطاول عليه باللسان أو الكتابة، قال صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده".
اللهم اجعل في قلوبنا نورا ، وفي ألسنتنا نورا ، وأجعل في أسماعنا نورا ، واجعل في أبصارنا نورا ، واجعل من خلفنا نورا ، واجعل من أمامنا نورا ، واجعل من فوقنا نورا ، واجعل من تحتنا نورا ، اللهم أعطنا نورا ، واجعل كلامنا نورا ، وصمتنا نورا ، ونورنا بما نورت به عبادك الصالحين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة