عاشقة السودان وصانعة المحبة، جريزلدا الطيب (15 مارس 1925 - 20 مايو 2022)، هي فنانة تشكيلية وعالمة أنثروبولوجيا ثقافية بريطانية سودانية، اشتهرت بشكل أساسي بأبحاثها الرائدة في الأزياء التقليدية لأنها تعكس ثقافة السودان ومجتمعه منذ السبعينيات من القرن العشرين ، هي زوجة الأديب الشاعر وعالم العربية البرفيسور عبد الله الطيب _طيب الله ثراهما _ .
جيرازيلدا الطيب إمرأة من نوع فريد أحبت البروفيسور عبدالله الطيب فكان بالنسبة لها وطنها ومن خلاله أحبت السودان وأمضت حياتها كلها تحتفي بالسودان وأهله حتى صارت جزءاً من عاداته وتقاليده ونسيجه.
ظلت جيرازيلدا طوال حياة زوجها الراحل البروفيسور عبدالله الطيب وبعد رحيله تتحدث صراحة عن افتنانها به وتقديرها له، وقدمت قيمة نادرة في الوفاء، إذ ظلت ملازمة لزوجها طيلة هذه العقود وحتى بعد رحيله ظلت هذه المرأة مرابطة في داره تعيش على ذكراه وتحتفي بإرثه وتدافع عن مؤلفاته العلمية القيمة ، في لوحة إنسانية رائعة تحكي عن سحر المشاعر وعمق المودة وعظمة السكن ، فاكتملت عندها كل المحاسن ، وظلت طوال حياتها تؤكد دائما أنها أحبت في زوجها دفاعه عن العرب قاطبة، ومهاجمة الاستعمار البريطاني لبلده.
وقد كان لها الدور الأكبر في إسعاد زوجها العالم والأديب السودان الألمعي ، العلامة الراحل البروفيسور عبد الله الطيب ، مما أعانه بكل تأكيد على إنجاز الإنتاج الأدبي والوجداني الضخم الذي خلفه لنا، فجسدت بذلك المقولة المشهورة : "وراء كل رجل عظيم امرأة" . بالإضافة إلى ذلك كانت في حياته تدفعه دائما للتأليف وتهيئ له المكان الملائم لذلك، كما أشارت عليه بالتوجه إلى طه حسين ليكتب مقدمة كتابه المشهور "المرشد لفهم أشعار العرب وصناعتها"، وبالفعل كتب طه حسين "هذا الكتاب ممتعا إلى أبعد غايات الإمتاع، ولا أعرف أن مثله أتيح لنا في هذا العصر الحديث".
والمعروف أنّ البروفيسور عبد الله الطيب قد نوه في أكثر من لقاء أجري معه بذكر زوجته السيدة جريزلدا ، وعبر عن حبه وتقديره لها في أكثر من قصيدة من شعره الكثير.
وعندما رحل بروفيسور عبدالله الطيب في التاسع عشر من يونيو 2003 قررت جيرازيلدا البقاء في السودان لحراسة الموروث العلمي لزوجها ولم تغادر السودان وعاشت في منزلها وأتقنت اللهجة السودانية بطلاقة، وحفرت قبرا لها بجوار قبره لتعلم الجميع بأن الوفاء ليس في الحياة فقط وإنما بعد الممات أيضا، وقالت: "أريد أن أدفن بجانبه ليتعلم الذين هضموه حقه الوفاء". ومنذ ذلك الوقت إنتظم حياة جيرازيلدا نشاط دؤوب لدراسة الشخصية السودانية وطباعها كأنها تسعي لرؤية البروفيسور عبدالله الطيب فى وجه كل سوداني على إمتداد أقاليم السودان المترامية، ولأنها تشكيلية محترفة تخرجت من كلية ( تشيلسي ) للفنون والتصميم استطاعت ان تستوعب المخزون الفني والثراء الثقافي للسودانين، فألفت لنا مؤلف عظيم يحمل عنوان (الفردوس المفقود) عن الأزياء الشعبية الإقليمية فى السودان يضم بين دفتيه السلوك التاريخي والأزياء النوبية وأزياء الرشايدة وثياب البجة والبنى عامر والهدندوة وملابس سكان الأنهر والثوب السودانى ويفرد مساحات خاصة لأزياء العرس والمناسبات المختلفة، والمدهش والرائع هو قيام الفنانة التشكيلية جيرازيلدا الطيب برسم كل الأشكال الواردة في المؤلف بنفسها. وقالت -في لقاء مع الجزيرة نت قبل رحيلها "أصبح السودان جزءا مني، كونت فيه الأصحاب والصداقات الممتدة عكس إنجلترا التي ليس لي فيها إلا أسرتي الصغيرة، ووجودي بالسودان بات هو الأصل" ، فأهدت للتاريخ قصة فصولها التضحية، ودروسها الإيثار، عندما تخلت عن وطن كامل يعج بمباهج الحياة وزينتها ، من أجل الارتباط الروحي والفكري والحب الصادق.
رحلت الفنانة التشكيلية الإنجليزية زوجة البروفيسور الراحل عبدالله الطيب، الجمعة 20 مايو ٢٠٢٢م ، عن عمر يناهز 97 سنة، قدمت خلاله الكثير للسودان، البلد الذي عشقته وعشقها ، وخلدت قصتها في التاريخ السوداني المعاصر .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة