الحرب التي تدور رحاها الان في السودان بين الجيش السوداني و قوات الدمع السريع، هي في نظري، عبارة عن مواصلة و واقعة لا تتجزأ عن النزاعات المسلحة المدمرة، و الانقلابات العسكرية المتعددة، و الانتفاضات الشعبية المتكررة التي مرت علي السودان منذ الثامن عشر من اغسطس عام ١٩٥٥ و حتي الخامس عشر من ابريل من هذا العام ٢٠٢٣. و يمكن الاستفادة من تلك الاحداث و استخدام بوصلتها لإنهاء الصراع هذا سلمياً و منع اطالة مدة اشتعالها.
هذا المقال، ليس محاولة لتحليل مسببات النزاع الحالي، او لكيل اللؤم علي أي طرفٍ من أطراف هذا الصراع الدامي، انما نداء شخصي ( رغم ضعف صوتي هذا) اوجهه لقادة السودان و في المقام الأول الجنرال البُرهان و ذلك من اجل الجنوح للسلم و وقف الحرب. ان عدم استقرار السودان تتأثر به سلباً دول الجوار و لذا نقف مع استقرار الاوضاع الاقتصادية و السياسية والاجتماعية و الأمنية في السُّـودان.
لاحظتُ خلال فترة هذا الاقتتال الضاري بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع، ان الجيش (ممثل الشرعية المركزية حالياً) قد باشر بإطلاق مفردات دعائية قديمة، و هو استعمال لغة التقليل ل(الطرف الآخر) بانكار نقاء سودانيته و الشك في وطنيته و نقص ولائه الوطني و دونية قدرته علي التفكير المستقل و عليه فهو مدفوع و يحرك من قبل قوي اخري خارجية شريرة معادية للسودان ! و هذه هي كنه الدعاية و اللغة التي استخدمت ابان حرب جنوب السودان خلال ١٩٥٥-٢٠٠٥. و تكرار التعاطي و الانسياق مع مثل هذه اللغة و إدارة الحرب الحالية بتلك العقلية و الاستراتيجية التي اعتمدتها نخبة المركز و الحكومات التى تعاقبت علي حكم السودان لمواجهة الحروب و المعضلات التي شهدها السودان منذ الاستقلال عام ١٩٥٦؛ او طيلة الفترة التي تطلق عليها قوات الدعم السريع (بدولة ٥٦)؛ فإن الجلوس حول طاولة المفاوضات سيكون عصية و بعيد التحقيق و المنال! و مفردات علي مثال: متمردون؛ خوارج؛ عملاء؛ خونة؛ عنصريون؛ أجانب؛ مأجورون؛ أعداء لثوابت الأُمة؛ اعداء الدين و العروبة؛ و دواليك علي هذا المنوال، هذا بلا شك يعمق الجفوة بين المتحاربين و يطول من عمر الحرب و الخراب؛ و علي ضوء هذا يجب الجنوح نحو السلم بتفادي هذا النوع من الدعاية الحربية.
عند اندلاع احداث جنوب السودان عام ١٩٥٥، فيما عرفت آنذاك لدي نخبة المركز في السودان (بتمرد توريت)، و حتي حرب ١٩٨٣-٢٠٠٥، حاولت هذه النخبة معالجة تلك الاحداث اعتماداً علي دعاية تستند علي المفاهيم و الاعتقادات التي ذكرتها فيما سلف، و هو ما شرع فيه الجيش و كثير من المفكرين والمثقفين السودانيين في إلصاقها و إصباغها علي قوات الدعم السريع و كل سوداني يتعاون او يتعاطف مع الدعم السريع. و انا أري ان هذا النهج غير سلمي و يحمل في طياته نوعاً مستتراً من التعالي يعطي انطباعاً باحادية و حصرية حق ادارة شئون البلاد في يد فئة تسيطر علي المركز، و قد ساهم هذا النهج و المسميات في توجهات أهل جنوب السودان للابتعاد عن مثل هذا المركز جزئياً او كُليةً!
إطالة مدة الحرب بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع قد تفرز ما قد تهدد وحدة السودان و استقراره، و عليه و بناءً علي ضوء الوضع السياسي في السودان قبل ١٥ أبريل، فإن الجنرال البُرهان هو رأس السلطة التنفيذية في السودان؛ و لذا يقع على عاتقه امور اقرار السلام والامن في البلاد. و البرهان يعرف كيف تصرف البشير نحو اتفاقية السلام الشامل. فرغم العنف المفرط الذي مارسه نظام البشير ضد سكان جنوب السودان لمدة طويلة الا ان البشير اتصف بالشجاعة و الإقدام، و هذا واضح من قراره الا يقاتل و يقود مليشيات المؤتمر الوطني ضد ارادة الشعب السوداني، و قراره قبل ذلك بتوقيع علي اتفاق مهم عرف (باتفاقية السلام الشامل) مع اهل جنوب السودان و تباعاً اعتراف باستقلال دولة جنوب السودان. و بُرهان يمكنه الامتثال بالبشير في الجنوح للسلم و المصالحة الوطنية الشاملة.
عندما رفعت الجبهة الوطنية السلاح ضد الحكومة المركزية ايام جعفر نميري، ومرة اخري ايام الانقاذ و لان قادة الجبهة الوطنية آنذاك كانوا من نخبة المركز، سميت حركتهم (بالمعارضة المسلحة) و كانت الحركة المسلحة في الجنوب تسمي بحركة (التمرد او حركة الخوارج) و (عملاء الاستعمار). و بلا شك هذا التمييز في النعوت التي تطلق علي أناس يقومون بنفس العمل او النشاط يخلق بالضرورة شعرين مختلفين نحو الحكومة المركزية فصاحب الشعور الاول يكون علي استعداد لقبول اي شروع في محادثات لانه يشعر بوجود قواسم مشتركة بينه و المركز في حين ان الاخر يشعر بانعدام روابط مشتركة بينه و المركز و لذا يتخذ مبدأ الابتعاد النهائي عن المركز، لو امكن ذلك، بالاستماتة و الاستمرار في استخدام العنف و الحرب.
و البُرهان، و هو مسلح بهذه الخلفية، اتوقع ان يدعو لوقف فوري لاطلاق النار و وقف العدائيات و وقف الحملات الاعلامية و توجيه الوحدات و الكيانات الحكومية الرسمية علي كل المستويات ان تتخلي عن استخدام لغة التعالي فيما يختص بالحرب الحالية و اعتبارها حرباً اهليةً سودانيةً يتقاتل فيها سودانيون متساوون في الحقوق و الواجبات و اختلفوا في قضايا كيفية ادارة شئون السودان. هذا سوف يؤكد لقادة الدعم السريع اعتراف الطرف الاخر بالانتماء المتساوية لكيان واحد هو السودان بثوابته و موروثاته. هذا سيمهد الطريق نحو طاولة المحادثات بدون مرارة.
تكرار ما اثبت الزمن خطله يكبل تقدم و ازدهار اي كيان، و يطول بل يجدد و يؤجج النزاعات و الصراعات مع المركز، و يمكن تفادي ذاك بالجنوح للسلم و عدم اطالة مدة الحرب. افرازات الحرب كثيرة من بينها دمار البنية التحتية و كما ان نزوح المواطنين من مدنهم و مساكنهم ينتج عنه المتعارض مع الموروث و يجلب عدة إشكاليات اجتماعية يصعب التعائش معها عند عودة هؤلاء لمناطقهم الاصلية فيما بعد.
اتمني وقف الحرب في السودان و استتاب الامن وان يسود السلام الشامل لان السودان هو صمام الامان في هذه المنطقة، خصوصاً بنسبة لاريتريا و اثيوبيا و جنوب السودان و أفريقيا الوسطى و تشاد. المجد لله في العليا و علي الأرض السلام
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة