اواخر الثمانينات بالكاد استطعنا الوصول للطابق العلوي بما يعرف بالمسجد العتيق بدنقلا العجوز واول مسجد بالسودان او قصر الملك .. لان الخفافيش طائر " الوطواط " احتلاه بكامل اركانه وممراته .. رائحة كريه تكاد تخنقنا هذا ان استطعت تحاشي أجنحتة وصوته الجهوري وكأنه يحتج علي أرجل تدلف لقلعته الحصينة فهل يا ترى هو حرس خفي من مخلوقات الله لملك ذاع صيته .. أو هو يترنم باجنحته لعبادة خالقه .. حزنت جدا أن يكون هذا الأثر والارث والذي اعتمد كشعار لتلفزيون السودان بهذا الاهمال والاتساخ ..وكأنه خارج اهتمام أي مسوؤل تراث او سياحة ولا حتى من تلاميذ المدارس او عشاق تقليب صفحات التاريخ التليد او نشطاء من أعيان البلد ومثقفيها الكثر .. في زيارة أخرى صادفت وفد سياحي لسيدات أسبانيات حضرنا من مدريد مدينة الالق والجمال لزيارة المسجد الكنز السياحي المهمل قالت لي أحداهن أنه من أقدم المباني بطابقين عالميا … تلاحق أهتمامي بهذا المبنى المدهش وقبل سنوات حينما تم بناء غرفة بالطوب أعلي سطحه كتبت مقالا " غرفة شائهة أعلي المسجد الاثر " .. وفي اكتوبر ٢٠٢١ كان لي زيارة كاملة الدسم للمرة الثانية أصادف رئيسة البعثة البولندية للأثار .. . كم كانت سعادتي حينما ادارت قفل الباب " الكشر " لندلف لمكان نظيف أمن ويبدو ان جهدا مقدرا تم لأخراج خفافيش الظلام الذي أحتلاه لسنوات وإزالة ما علق به من غبار القرون وتراكمات بقايا افرازات الوطواط .. وبانت اللوحة الرخامية التي يقال انها اتفاقية " البقط " الشهيرة الحكايات الشفاهية تقول انها مهرت بين دولة المقرة المسيحية وجيش الصحابي الجليل عبدالله بن السرح وحكايات تقول بغير ذلك … كنت اتحرك من طابق لاخر بحذر شديد فالمبنى من الطين الاخضر و السقوفات والابواب من سيقان شجرة الدوم التي تشابه النخيل ..في اليمن السعيد يعرفونه منذ ألاف السنين ويطلقون عليه السدر وتلقب بالشجرة الذهبية أو المباركة… يفتخرون بها لأنها ذكرت في القران الكريم والأحاديث النبوية .. وفي مصر كانوا يستخدمونه لأسقف البيوت والأبواب، لمتانته ولأنه لا يتأثر بالنمل الأبيض .. او ما يعرف " بالارضة " تلك الحشرة " تنخر " وتتلف أي أخشاب . فنان تشكيلي نحات، يقول إن خشب الدوم يستخدم فى تجسيد الأعمال الفنية المتكاملة التي تعتمد النحت والتشكيل كالمآذن والارابيسك والأثاث الراقي والسبح والمجسمات والتي يتم عرضها كاعمال تراثية .. مبنى المسجد الاثار والتراث بالقدار سقوفاته ما زالت صامدة متينة كأنسان ذلك الزمان واعمدته الطويلة تجعلك تقف في حد ما بين يومك وعلامة فارهة في عمق صفحات التاريخ الانساني لتتعجب كم كانت اجسادهم قوية ممتليئة الساعدين طويلة الساقين .. فكرهم ناضج يتقنون فنون الهندسة المعمارية فنوافذ المسجد القصر الذي يقع في تلة عالية مطلة علي فضاءات ممتدة علي أحد ألسنة النيل وهو يتمخطر بدلال وكأني بمن سكنه وحرسه يراقبون أي حركة لعدو مرتقب وكيف لا وهم " رماة الحدق " خاضوا معارك وحققوا فتوحات اشهرها معركة فتح النوبة في رمضان العام ٣١ من الهجرة النبوية المباركة والتي كان من أهم آثارها معاهدة البقط كفاتحة خير على المسلمين والسودان وعموم افريقيا . فتح مصر تم علي ايادي الصحابي عمرو بن العاص في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرسل بن العاص حملة عسكرية بقيادة عقبة بن نافع لفتح بلاد النوبة لكنهم فوجئوا بأن النوبيون يجيدون رمى السهام، وأصابوا عددا كبيرا في حدقات أعينهم بالنبال فسموا (رماة الحدق) .. فهل ينهض أبناء رماة الحدق في زماننا هذا لابراز تاريخهم وتقديمه للعالم في وقت باتت السياحة أحد ثقافات الشعوب التراثية والاقتصادية ومصدر يغذي خزائنها ويدعم اقتصادها … ويبقي للحديث بقية عن أرث دفين بنواحي دنقلا العجوز .. عواطف عبداللطيف اعلامية مقيمة بقطر [email protected] -- Awatif Abdelatif
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عواطف عبداللطيف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست