من أين جاء هؤلاء الشيوعيون؟ خضر عمر من يسار الاتحاديين: أول من فصله إسماعيل الأزهري بعبارة "إلى من يهمه الأمر سلام" (1-2).
من بين رموز مؤتمر الخريجين قاطبة تعلقت نفسي بالمهندس خضر عمر القيادي في مؤتمر الخريجين بمدينة مدني وحزب الأشقاء بزعامة إسماعيل الأزهري. فكان ممن أخذ على حركة الأشقاء ارتجالها السياسي مما أحسن التعبير عنه أحمد خير في كتابه "كفاح جيل". فقال أحمد خير عنهم إنهم لم ينشؤوا مدرسة فكرية وجمعوا بين نزعتين متناقضتين: نزعة ديماغوجية في قدرتهم على كسب الجماهير ونزعة ديكتاتورية في انفراد القيادة برسم الخط السياسي. والنزعة الجماهيرية، في قول أحمد خير، تستوجب وضوحاً من القيادة وصراحة مع جماهيرها. ولكن الأشقاء ضنوا حتى عن إعلان مبادئهم. وزاد بأن تلك السرية هي سبب قوتهم العددية لأن الجماهير غير الواعية تنسج في مثل واقع الحزب صوراً خيالية كمالية للقيادة. فالأشقاء بالنتيجة، في قوله، حزب انتخابي يجمع أخلاطاً همهما النصر في هذه الانتخابات أو تلك ثم يتلاشى ذلك الجسد الجماهيري لتبقى القيادة الأقلية الأولجاركية. وبرعوا في تقوية الحزب عدداً ومالاً مما حدا بهم للتريث دون إعلان القيادة لبرنامج يصير صكاً يحاكمهم الناس به. وجاء أحمد خير للأشقاء بعيب ينساه الناس وهو سيطرتهم على مؤتمر الخريجين منذ عام 1944 وانفرادهم به في 1945. فصار المؤتمر "يسير بتوجيهات الأشقاء" مما أوشك أن يوقعه في أخطاء دستورية ذكرها. وأضاف بأن المسؤولية ستقع عليهم "عما تتعرض له هذه المؤسسة الوطنية الكبرى". فقد طوته الحركة الاتحادية تحت جناحها وصار جهازاً خاضعاً لها. بل صارت متى انقسمت على نفسها كان مؤتمر الخريجين بعض الغنيمة. فلما انقسم محمد نور الدين في 1951 كون مؤتمراً للخريجين باسمه ضم كثيراً من شيعة خضر عمر كما سنرى وسماه مؤتمر السودان. وكان يجتمع بنادي الخريجين بالخرطوم. بل جر الاتحاديون مؤتمر الخريجين كهيئة اعتبارية لمباحثات وحدتهم في القاهرة في 1952 برعاية حكومة محمد نجيب. فكان مندوبو الأشقاء هم مندوبو مؤتمر الخريجين. وقد أنب الضمير الشقيقين مبارك زروق ويحي الفضلي في البداية أنه لا يصح ان يختلط المؤتمر، وهو هيئة تعليمية ثقافية، بالأحزاب. ولم يدم ذلك الأرق الأشقائي طويلاً. فتأمل! وكان خضر في الظاهر قد عرف عن حزبه هذه العلل ورغب في إصلاحها على رؤوس الاشهاد. واحترقت أصابعه كما سنرى. ولا أعرف من اعتني بخضر مثل زميلنا نجيب نور الدين. فعقد معه لقاء نادر قبل وفاته هو ما أشبع بعض شغفي لمعرفة ذلك السياسي المميز. فقد نفذت من سيرته إلى مسألة شاغلة في سيرة الحزب الشيوعي إلى يومنا وهي: هل كان ثمة حاجة لإشهاره تحت قيادة أستاذنا عبد الخالق محجوب في 1949 أم كان من العقل أن يظلوا تحت مسمى الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) (1946) مستظلين كعهدهم بالأحزاب الاتحادية؟ يسود اعتقاد قديم جديد بإن تسمية الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو)، الحلقة الماركسية الباكرة التي نشأت في 1946، بالحزب الشيوعي في 1949 كان مجازفة وخطأ كبيراً. ومن رأي المُخطئين أن شيعة أستاذنا عبد الخالق محجوب، ممن أشهروا الحزب الشيوعي، لم تنتصح بدعوة عوض عبد الرازق بأن يبقى الشيوعيون جناحاً يسارياً في الأحزاب الوطنية الداعية للوحدة مع مصر. ونحتاج لفهم ذلك التحول من حستو للحزب الشيوعي على وجهه إلى معرفة أوثق بالحركة الاتحادية لنتأكد من صحة الزعم بأن بيئتها تهيأت للترحيب بتيار يساري وسطها، أو لديمقراطية الأداء عموماً. وسنجد أنها كانت عقيماً من هذه الناحية. فلم تكن الحركة الاتحادية مهيأة للتصالح مع يسارها الذي بداخلها ناهيك عن الترحيب باليسار من خارجها. فكان حزب الأشقاء بزعامة إسماعيل الأزهري قد اجتث في 1951 يسار البيت بقيادة خضر عمر من صفوفه. وتُبطل مجزرة اليساريين من الأشقاء زعم من قالوا إلى يومنا إن إعلان الحزب الشيوعي كان نزقاً سياسياً. وكان أولى بالنزقين أن يستظلوا بالأشقاء وغيره من الاتحاديين. وللوقوف على البيئة الطاردة لكل عقيدة جذرية بين الاتحاديين في ذلك الزمان أحيل القارئ إلى كتاب جيد لفيصل عبد الرحمن علي طه " الحركة السياسية السودانية" عرض فيه ل"مجزرة" يسار الاتحاديين الخالصين في 11 يوليو 1951. ففي ذلك اليوم فصل الزعيم الأزهري لحزب الأشقاء المهندس خضر عمر من عضوية الحزب وسكرتاريته معاً لاتهامه بقيادة تكتل ضد الزعيم في أوساط الحزب. وكانت في خضر عمر "جذرية" سياسية دفعت بعض الأشقاء للاعتراض على توليه منصب الأمانة العامة أصلاً. ولكن ناصره صديقه يحي الفضلي الذي استدرجه من مدني للخرطوم. وكان خضر ينادي بضرورة وضع برنامج للأشقاء ناقش مفرداته في منزل علي حامد، الصحفي الاتحادي المعروف، بحي العمدة مع جماعة من أصدقائه وهم أحمد خير المحامي، وعبد الرحيم أحمد، وأحمد عبد الله المغربي، وميرغني علي مصطفى، وأحمد محمد خير، ومحجوب محمد عبد الرحمن، وعثمان خاطر. وهم الذين سندوا ترشيحه لسكرتارية الأشقاء. ودخل ثلاثة منهم لجنة الأشقاء التنفيذية. وصار بعض هؤلاء لاحقاً من مؤسسي الحزب الشيوعي مثل أحمد محمد خير. أيعقل إذاً، والحالة كتلك، أن يتسع الاتحاديون ليسار الخلاء وهم الذين تخلصوا من يسار البيت؟ مالكم كيف تحكمون؟ نواصل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة