الشفيع أحمد الشيخ وقاسم أمين والأمين محمد الأمين ويوسف أحمد المصطفى: من أنصار السنة إلى الحزب الشيوعي
وأكبر أبواب الجهل الطوعي بالحزب عقيدة للبرجوازية عند منشئه ولم تبرحه إلى يومنا. فساد بينها اعتقاد أن قيام الحزب الشيوعي كان خطأ ارتكبه أستاذنا عبد الخالق محجوب لأنه لم يستمع لقول عوض عبد الرازق الذي طلب أن تبقى الحركة السودانية للتحرر الوطني (الحزب الشيوعي بعد 1952) جناحاً على يسار الأحزاب الاتحادية، أو ألا تشهر شيوعيتها حتى تبلغ تمام التربية في النظرية الماركسية. وهذه قراءة للتاريخ قصرت نشأة الحزب الشيوعي على الأمر القيادي بتكوينه لا من حيث أرهصت به حقائق زمنه. فالحزب الذي خرج للعلن من حلقات حستو كان يتشكل في واقع الأمر من أسفل. فالطاقة الشعبية الراديكالية في أربعينات ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت تغلي (مرات واقعاً لا مجازاً) باحثة عن منفذ. ومن محاضن تلك الجذرية شديدة القوة كان الحزب الجمهوري الذي أسسه المرحوم الأستاذ محمود محمد طه في 1946. وأراد به أن يستنهض الشعب كإرادة جديدة في حركة وطنية اقتصرت على صفوة طائفية وأخرى حداثية. وكانت تلك الصفوة بلغت نهاية حبلها لاقتصار مطلبها للاستقلال في مفاوضات عقيم رهنت تحررها ببريطانيا أو مصر. وكان ميلاد الحزب الجمهوري في أعقاب سفر الوفد السوداني للأحزاب ومؤتمر الخريجين لمصر في 1946 وأخبار الخلاف بين أطرافه التي قنّعت دوائر كبيرة من الناس من خير وطني يأتي عن سبيلهم. كما رأينا هذه الجذرية تستفحل بين طلاب المدراس العليا، والمزارعين في مشروع الجزيرة بإضرابهم الواسع في 1946، وفي مطلب العمال بالحق في التنظيم النقابي الذي بدأ بين عمال السكة الحديد في 1946 وتتوج في 1948 بصدور قانون النقابات. أما ما لم أكن هيأت نفسي له فهو كيف وجدت موجة إسلامية ثائرة من هذه الجذرية طريقها للحزب الشيوعي. فسترى أن حيوات فريق من قادة الحزب الأبكار كانت ارتبطت بحركات إسلامية بشكل أو آخر ترحلوا منها للحزب الشيوعي بلا عسر. فجاء للحزب باثر هذه الموجة الدينية السياسية كل من كامل محجوب، مسؤول منطقة الجزيرة الشيوعي والكادر من وراء اعتصام الآلاف المزارعين في الخرطوم في 1953 للضغط لانتزاع حق تكوين اتحادهم النقابي، والأمين محمد الأمين، ويوسف أحمد المصطفي من قادة اعتصام المزارعين 1953، والشفيع أحمد الشيخ، وقاسم أمين وإبراهيم زكريا من قادة الحركة العمالية في عطبرة واتحاد نقابات عمال السودانً بل والنقابات العالمية. فانتموا إلى، أو اتصلوا، بمنظمات إسلامية طلبت العمل الجماهيري بعد سقمهما بصفوية الحركة الوطنية وحزبيتها. فكامل محجوب، الذي تفرغ للعمل الشيوعي وسط مزارعي الجزيرة في الخمسينات الباكرة، انضم في 1942 إلى حلقة للإسلاميين بقيادة شيخ الدين جبريل قررت أن خلاص الوطن من الاستعمار في استنهاض قوى الشعب لا نضال مؤتمر الخريجين والأحزاب. وكانوا يتدربون على احتمال المشاق ليوم الكريهة مع الإنجليز على ############ات جبل كرري الذي كان نصر الإنجليز فيها على دولة المهدية بدء هوان الأمة في عقيدتهم. بل هجرت الجماعة أم درمان إلى مدينة كوستي جنوبي الخرطوم على النيل الأبيض لتعمل بين المزارعين في تجربة غاية الامتاع رواها كامل محجوب في كتابه "تلك الأيام" (الجزء الأول). وكان احتمال مشاق المواجهة المرتقبة مع الإنجليز هو نفسه ما جمع طليعة من العمال في عطبرة ضمت كل من الجزولي سعيد وعلى محمد بشير، النقابيين بالسكة الحدية لاحقاً، في جمعية فدائية بعطبرة. وكانت تلك الجماعة تجرى تدريبات عسكرية في خلاء المدينة ليوم الكريهة، وتتلقى دروساً في العربية والخطابة من أحمد مجذوب الموظف بالسكة الحديد وعضو مؤتمر الخريجين. وولدت وسطها فكرة النقابة لأول مرة في 1946 فناضلت لأجلها حتى قامت هيئة شؤون العمال في 1947 التي صارت نقابة عمال السكة حديد المعروفة. وجاء للحزب الشيوعي أعضاء من مواضع قد تستغربها الآن. فجاء الأمين أحمد الأمين ويوسف أحمد المصطفى، من أنصار السنة إلى الحزب الشيوعي. وكانت أنصار السنة، بمواجهاتها الساخنة ضد الصوفية وأولياء طرقها، بؤرة ثورية في عقود كان الظن بالطائفيين أنهم أعوان الاستعمار. ووثق يوسف تلك الهجرة من أنصار السنة إلى الحزب الشيوعي في حديث شيق مع المرحوم حسن وراق. فقال إنه استهواه في شبابه طلب الحقيقة. فتبحر في علم الحديث علي يد مولانا الشيخ الطيب ابوقناية برفقة ابن الشيخ نفسه. وكونا معا جمعية البحث عن الحقيقة وأصدرا نشرة لتعليم الحديث عرفت باسم" الهدي النبوي" في مدينة مدني. فلاحقتهما دوائر الأمن لاتهامهما لهما بالترويج للأفكار الشيوعية نظراً لان السلطات كانت تربط الفكر الوهابي بالشيوعية لموقف الوهابية من طريقة إسلام الطرق الصوفية. واتجه بعد ذلك يوسف مع رفيقة حسن عبد الرحمن كرنديس في مبحثهما عن الحقيقة الي اتباع الطريقة العجيمية التي أسسها الشيخ محمد علي العجيمي، شديد البأس، جزيرة محررة في بحر ختمي في بلدة البرصة من أعمال مركز مروي. ونهلا من علمه في الفلسفة والبرهان والخلق والتوحيد ومناهج المعرفة الربانية. وسيكون مثيراً معرفة عما دعا يوسف لطلب العلم على تلك المبعدة من بلدته في الجزيرة. ورجحت أنه، وهو البديري الدهمشي بعيداً عن مرابعها في شمال السودان، قد أحس بالقربى من شيخ خرج للعلم كفاحاً. والبديرية الدهمشية عنوان كبير في حركة العجيمي. ولكني أميل إلى تفسير رحلة يوسف للعجيمي بأنها افتتان بشيخ مثله صدع بما راه الحق فرداً لم ترهبه دون ذلك الكثرة الختمية من حوله. كان إغراء شيخ مثل العجيمي مما لا يقاوم لطالب الحقيقة مثل يوسف. فلابد أنه علق عليه شيء من متانة رجل حمل أمانة الفكرة لا وجلاً ولا هياباً من تنمر المحيط. ثم تحول يوسف من الطريقة العجيمية إلى جماعة أنصار السنة المحمدية. فأنظر إلى هذا الكدح للحقيقة! وفي أروقة أنصار السنة التقي برفيق دربه الطويل لاحقاً شيخ الامين محمد الأمين، الرئيس المؤسس لاتحاد مزارعي الجزيرة. ومن موقعهما في أنصار السنة انطلق يوسف والأمين في حركة المزارعين التي تلقيا دروسها الأولى في إضراب 1946 الواسع شديد الأسر. وتعرفا خلال بدء ارتباطهما بحركة المزارعين بشيوعي من قرية مصطفي قرشي وهو أحمد علي الحاج الحلاوي، مسؤول الاتصال الحزبي في المنطقة الحزبية الشيوعية، الذي كان يقوم بتوزيع مجلة "الهلال الأحمر" السرية الشيوعية. وصار شيوعيين. وتحول دكان يوسف بلدة طابت مركزاً للنشاط النقابي والشيوعي بين المزارعين. ففي مجالسه ولدت حركة المزارعين لتضم الأمين محمد الأمين، الذي صار عضواً بمجلس ريفي الحصاحيصا، وعبد الرحمن الماحي والطيب الدابي وآخرين. فصاغوا البيان التأسيسي لوحدة المزارعين ممهوراً بتوقيع شيخ الامين في حين تولي الطيب محمد الأمين، شقيق شيخ الأمين، الاتصال بصحافة الخرطوم الثورية في شخص عبد الله رجب، صاحب ورئيس تحرير جريدة الصراحة، والذي قام بطباعة اربعة ألف نسخة من البيان وتم توزيعه على جميع المزارعين. وبعد ذلك بدأت حركة يوسف ورفاقه الطواف على القري والاقسام والمكاتب للقاء المزارعين وشرح ما جاء في البيان من ضرورة وحدة المزارعين عبر لجان اعدت؟؟؟ خصيصا لهذا الغرض إلى ان تم تتويج هذا العمل الجبار بعقد مؤتمر جامع عام 1953 في قرية أم عضام لتكوين أول اتحاد للمزارعين. وحضر ذلك المؤتمر ولأول مرة مزارعون من القسم الشمالي والجنوبي لمشروع الجزيرة. وبدأت بعد ذلك عمليات الطواف على المزارعين من أجل تجميع وتوحيد أكبر عدد من المزارعين حول فكرة الاتحاد. وبدأ الترويج لذلك عبر البيانات والصحف والاجتماعات الي أن تم عقد مؤتمر في مدني حضره أكثر من 700عضو في عام 1953. فتم تكوين أول لجنة تنفيذية من 25 عضوا برئاسة شيخ الأمين، وسكرتارية يوسف احمد المصطفي، وعباس دفع الله من مكتب درويش اميناً للخزينة. ومفاجآت ورود قادة الشيوعيين في المستقبل من أنصار السنة لا تنتهي. فسمعت في 2008 من أخ لعوض الله دبورة، صاحب المكتبة المعروفة في مدينة عطبرة ومراسل جريدة الرأي العام التاريخي من المدينة، أو من أخيه ونحن بالمكتبة أن عند والدهما كان يجتمع الشفيع أحمد الشيخ، وقاسم أمين، وإبراهيم زكريا (أول متفرغ بالحزب الشيوعي ومسؤوله التنظيمي والقيادي البارز لاحقاً باتحاد النقابات العالمي)، وعبد القادر الشايقي. وكان الوالد مؤسس المكتبة، أول دعاة أنصار السنة في المدينة. وربما كان ذلك والشفيع وزملاؤه في مدرسة السكة حديد الثانوية، أو أول عملهما في ورشها. وكان اجتماعهم بالداعية لسماعه يهاجم الطائفية التي كانت العقبة الكأداء دون نيل الاستقلال في اعتقاد الجذرية الراديكالية كما تقدم. قال مؤرخ من أراد شطب الفترة الاستعمارية من تاريخه جهل نفسه. ومن أراد إلغاء الحزب الشيوعي في تاريخنا، وهم كثر، جهل نفسه وأساء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالله علي إبراهيم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست