كنت ولا زلت ضد الحرب، ضدها قبل اندلاعها وفي الاثناء وضد استمرارها البغيض. بدأت ثورتنا، كان هتافًا يصدح بالحق والسلمية فتحوّل لراجمات وقذائف، كنا نقرأ الأشعار الثورية ونغني بحُب الوطن، نتمايل طربًا مع مصطفى سيد أحمد وهو يشدو، "الرواكيب الصغيرة تبقى اكبر من مدن"، انكمشت المدن وصارت رواكيبًا مأهولة بالغياب، كنا نهتف للجسارة، صرنا نتكدّس بالآلاف للهروب من جحيم الحرب. سمعت عن اهوال الحرب، عن وحشية الجنجويد، عن ممارستهم للقتل والاغتصاب والدمار، عن الترويع والتشريد وسوء الحال، عن الشظف والبؤس والمرض، عن معاناة المسافرين في معبر ارقين، عن الذين يفترشون الأرض في معبر أشكيت ينتظرون تأشيرات السفر، عن مأساة أهلنا في الجنينة والعاصمة المثلثة، عن طالب دُفن في جامعة الخرطوم، وامرأة دُفنت قُرب مسجد، هاهي الحرب بجنونها تضن علينا حتى بالقبور. لن أنسى هذه الحرب اللعينة، كيف ماتت أمّي في زمن الحرب، ماتت بعد احتلال الجنجويد للمستشفيات وتدمير النظام الصحي، ماتت وهي في المستشفى حين انقطع التيار الكهربائي وتوقّْف جهاز التنفس وعزّ عليها الهواء. لا للحرب تعني لي كراهية الموت والدماء، لا للحرب حتى لا تموت أم أخرى ويُفجع إبن مثلي، لا للحرب قالها الحارث بن عُباد حقنًا لدماء القبيلة، لم يكترثوا لقوله وانتصرت فكرته بعد أعوام طويلة من حرب البسوس، لو كانت حرب البسوس بين أبناء عمومة، فكيزان الجيش والجنجويد أبناء عمومة؛ بطشوا معًا بثورتنا العظيمة وشرّدوا أبناء الوطن الشرفاء، لا للحرب حتى لا تستمر لعنة الحرب ونعتاد النزيف. لا للحرب لا تعني لي الوقوف مع الجنجويد ولا مع كيزان الجيش؛ فأنا ضد الطرفين، لا للحرب لا تعني لي الرجوع لما قبل 15 أبريل 2023، بل للرجوع لما قبل 30 يونيو 1989؛ ليوم ما قبل الجنجويد وما قبل كيزان الجيش. لا للحرب تعني لي انتهاء الحرب، أن نسترد ثورتنا العظيمة ونُحاكم كل ظالم، أن نُحقّق دولة المواطنة ونهزم كل الطغاة، أن يحط حمام الأمان على كل دار ونصغى معًا لصوت الهديل.
المعز عبد المتعال سر الختم 5 يوليو 2023 نيو بريتن، كونيتيكت الولايات المُتّحدة الأمريكية
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة